إن متاعبك قد تكون نعمة وبركة عليك، فالمصاعب تستثير فيك خير قدراتك
متاعبك تقودك إلى النجاح
للدكتور لويس بيش
الطبيب النفسي ومؤلف كتاب (المرض النفسي طريق إلى السعادة)
ليس ما يقع لنا من أحداث قاسية شرًا كله. فمن الأحداث ما يفضي إلى يمن وبركة، ومن الكوارث ما تلطفه جوانب خير، وإن كان الكثيرون يجزعون لنوازل الدهر، ولا يرون فيها إلا السوء والشر، حتى يصل بهم الأمر إلى اليأس أو الكفر أحيانًا.
ومع أن الغالبية العظمى من الناس يكافحون همومًا تثقلهم، إلا أن الهم متى انقشع، تكشف غالبًا عن نعمة مستترة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، ما حدث للكاتب (أوجين أونيل) الذي يعتبر من أعظم كتاب المسرح في أمريكا… فلولا أن السل أصابه فأقعده في فراشه شهورًا طويلة، لما اضطر أن يفكر وهو راقد، في موضوع يشغل به حياته التي بدت مهددة، ولما طرق باب الكتابة للمسرح… ذلك الباب الذي انفتح له على مصراعيه، وسيطر على الأدب المسرحي سنين طويلة، وفاز بجائزة بوليتزر ثلاث مرات، ثم بجائزة نوبل للآداب 1936.
وقديمًا قيل إن الحاجة أم الاختراع، وكلنا درجنا على تأجيل أعمالنا إلى اللحظة الأخيرة، حين لا يكون من أدائها مفر، فلولا الاضطرار ما عمل الإنسان! ولعلها من آثار عادات الطفولة، حين كنا نرجئ القيام بالواجبات المدرسية إلى آخر دقيقة. وكثيرًا ما يكون خير أعمالنا ما نقوم به تحت ضغط الحاجة أو الاضطرار فإننا متى شرعنا في العمل بعد طول الإرجاء نترك كل قلق وتردد ونقبل على العمل بكل قوتنا، فيخرج العمل من أيدينا أوفر حظًا من الإتقان. ويقال أن أروع قطع (هايندل) الموسيقية وهي (المسيح) ألفها وهو يعاني من التوتر العصبي لأن دائنيه هددوه بالسجن، فانكب على الإنتاج، حتى أتم تلك الآية الفنية الرائعة في أربعة وعشرين يومًا!
أجل!.. إن تلك النعم المستترة لها علينا فضل استخراج أفضل ما في كوامننا، فكأنها لون من التعويض المضاعف، لأن جميع مواهبنا الظاهرة والباطنة تحتشد لملاقاة الشدة ومناهضة اليأس والغمة.
وكان الفقر يعتبر عائقًا دون النجاح، ولكن ذلك الاعتبار تلاشى اليوم، لأن مئات ممن كانوا فقراء تمكنوا من البروز إلى الصفوف الأولى في المجتمع، لأنهم عرفوا كيف يعقدون العزم على ألا يظلوا فقراء!..
وكذلك المرض، حتى المزمن منه، لم يعد عائقًا دون التقدم والنجاح. وقد أشرنا إلى المثل الذي ضربه أوجين أونيل… وغيره من المرضى استطاعوا كذلك أن يتخذوا من المرض معلمًا أتاح لهم نظرة صادقة في ضمائرهم وفي مشاكل الحياة.
وكم من رجل صحح المرض الطويل سلوكه في الدنيا، وكم من امرأة جعل منها المرض المعضل أمًا أفضل، أو زوجًا أكرم مما كانت قبل مرضها.
وأما النجاح السريع، ولا سيما للشبان في مقتبل العمر، فكثيرًا ما يسكرهم، ويسبب لهم الغرور والكسل والصلف، مما ينتهي بهم إلى نكسة حاطمة، ربما تنتهي بخسران المركز الرفيع، أو الشهرة المدوية. وقد صدق الكاتب الإنجليزي (جولد سميث) حين قال: (إن النجاح السهل سوء حظ كبير! فلا تحسدوا من ينجحون بسهولة وبلا عقبات، لأن سقوطهم سيكون ذريعًا بعد حين، واشكروا لله المتاعب والعقبات التي تصادفكم في أول الطريق، لأنها تقوي عضلاتكم وتجعلكم أجدر بالثبات والتقدم).
وأنا أعرف رئيس تحرير صحيفة كبرى كان يدفع لمحرر ناشئ يبشر بمستقبل لامع جدًا أجرًا أقل مما يستحقه بمئات الدولارات وكان يبرر ذلك بقوله: (لو أني أعطيته حقه كاملًا الآن، لأصابه دوار النجاح السريع وتوقف عن التقدم في إنتاجه. وكثيرًا ما رأيت ذلك يحدث لعشرات من الشبان الموهوبين)!.
فالفشل الكلى أو الجزئي يمكن جدًا أن يكون نعمة كبرى في قالب نقمة- فالفشل كأنه مهماز يستثير الهمة، ويدفعك إلى تصحيح أخطائك، بل يجعلك تراجع نفسك في العمل الذي فشلت فيه وتتساءل: هل هو العمل الذي خلقت له أم لا، فإن لم يكن كذلك فعليك أن تغيره وتبحث عن عمل آخر يوافق استعدادك.
واعلم أن هذا ليس نادرً، فأكثر من 65% من الناس يقومون بأعمال لا تلائمهم. فلا تضن على نفسك بالفرصة المناسبة، بالبحث لها عن عمل تبرز فيه كفايتها. فإن الدافع النفسي له أثره الضخم في النجاح والفشل. أما إذا كنت لا تكره عملك، ومع هذا لا تشعر بحماسة له، ولا لأي عمل، فيجب أن تسأل نفسك عن السبب: هل أنت مريض؟ هل تستيقظ في الصباح متعبًا؟ هل أنت سريع الغضب؟.. هل تجد مشقة في كسب الأصدقاء؟
إن كان الأمر كذلك فاعرض نفسك على طبيب يفحصك فحصًا كاملًا، ويفحص غدتك الدرقية. وسوف تدهش للتغير الذي يطرأ عليك بعد العلاج، فكأنك إنسان جديد.
والشخص العادي على أي حال يجب أن يزور طبيبه، وطبيب أسنانه للفحص الشامل مرة في السنة على الأقل.
وأذكر بهذه المناسبة أن كاتبًا ناشئًا أتاني يومًا يشكو من فشله المتكرر في كتابة رواية كبيرة اختمرت لديه فكرتها. قال:
– لقد كتبتها أربع مرات. وكان المفروض أن المحاولة الرابعة يجب أن تكلل بالنجاح، ولكني فشلت، حيث نجح غيري من الكتاب بمجهود أقل بكثير!
قلت له:
– لا تجعل همك في مقارنة نفسك بغيرك من الكتاب، بل اقرأ كتاباتهم وادرس اتجاهاتهم.
قال:
– كنت أتمنى هذا، ولكني أحجمت عنه خشية أن أتأثر بهم وأنا أريد أن أكتب شيئًا أصيلًا.
قلت:
– وهل تختلط بأهل صناعتك أم تعيش منعزلًا؟
قال:
– إني ميال للعزلة والانزواء.
وأخذ يشرح لي كيف يكره الزواج ولهذا لم يتزوج رغم أنه جاوز الثلاثين، ويشعر دائمًا أن الناس لا يفهمونه ولذلك ليس له أصدقاء.
ودامت هذه المقابلة أكثر من ساعة عرفت فيها الكثير عن طفولته وأسرته، وعمله السابق وأخيرًا قلت له أن السبب الذي يكمن وراء فشله في كتابة الرواية أنه في أعماق نفسه لا رغبة له في أن يغدو روائيًا!.. وهذا الصراع بين رغبته الكامنة وعقله الواعي هو سبب ذلك الفشل! فما يجب عليه أولًا هو أن يلجأ لمحلل نفسي كي يكشف له عن حقيقة السبب في ذلك الصراع. وأضفت أيضًا:
– وإني أشتبه أيضًا في أنك لا تريد كذلك أن تكون كاتب قصة قصيرة! فأنت لم تلجأ إلى محاولة التأليف إلا لتخلق في الخيال أشخاصًا تعيش معهم بعد أن عجزت عن معاشرة أشخاص الواقع، فأشخاص الخيال لا يبدر منهم ما يضايقك! فابحث عن عمل يجبرك على الاختلاط بالناس، وستجد مشقة في البداية ولكنك ستنتهي بأن تحب ذلك العمل الجديد.
ومرت ثلاث سنوات، وإذا بي أتلقى خطابًا من هذا الشخص نفسه. وإذا به يخبرني أنه لم يلجأ للتحليل النفسي، بل اختار وظيفة تجبره على مخالطة الناس، وقد أصبح فعلًا بائعًا ناجحًا يجوب الأقاليم، واختفت كل متاعبه، وودع الكتابة نهائيًا، وسيتزوج بعد شهر من فتاة أحبها!
ويجدر بكل شخص أن يراجع نفسه في أمر عمله، وهل هو يحبه حقًا أم يجدر به أن يغيره..
ولا ينبغي أن يكون السن عائقًا عن ذلك، فالوقت ليس متأخرًا أبدًا لكي تبدأ من جديد في الطريق السليم…
وحتى التقاعد عن العمل.. يجب أن يكون مليئًا بما يشغله من هواية أو متعة تميل إليها النفس حقًا… لأن التقاعد الراكد يؤذي الصحة الجسمية والعقلية جميعًا.
– نُشر أولاً بموقع حياتك
لا تعليق