للدكتور مختار حمزة
المدير المساعد للتعليم العام بوزارة التربية والتعليم
سعادة المجتمع في سعادة أفراده. ومن أهم السبل إلى سعادة الفرد أن ينعم بالحصول على عمل يناسبه، سواء كان وظيفة أو صناعة أو مهنة يرزق منها وهو يشعر في قرار نفسه بأنه يستطيع أداءها على خير وجه، ويشعر بالسرور والغبطة في أثناء أدائها، ويشعر أنه لها وأنها لها..
إذا حدث هذا فسيسعد الفرد. وسعادة الأفراد تؤدي حتمًا إلى سعادة المجتمع. فالمجتمع السعيد يشعر فيه كل فرد بأنه في مكانه اللائق به، وبأنه عضو مهم نافع مفيد، له مكانته، وأنه مساهم ومتعاون في بناء صرح الوطن.
والمجتمع السليم هو الذي يشتغل أفراده إلى أقصى حد ممكن، وبشرط أن يكون الفرد راضيًا عن هذا الاستغلال بل مقبلًا عليه. ولن يتأتى هذا كله إلا إذا أعطينا أهمية خاصة لهذا الموضوع الذي يطلق عليه بالاصطلاح العلمي (التوجيه المهني).
فإن التوجيه المهني معناه أن يوجه كل فرد إلى العمل الذي يلائمه، أي الذي يتناسب مع إمكانياته الجسمية والعقلية. ومن وجهة نظر المجتمع يعتبر ذلك استغلالًا للقوى البشرية، وهذا هو ما نحن في مسيس الحاجة إليه في هذ الآونة.
لقد تنبهنا إلى استغلال الأراضي أحسن استغلال، وأنشأنا لذلك مشروعات عدة؛ وعلى رأسها مشروع الإصلاح الزراعي، واستصلاح الأراضي البور وما إليها.. وتنبهنا إلى استغلال الثروة الحيوانية، وأنشئت المزارع وتم إمدادها بأنواع من الماشية لتربى فيها على أسس حديثة ليكتنز لحمها ويكثر لبنها.. وتنبهنا أيضًا للثروة المعدنية، وللثروة المائية.. وهكذا نتنبه كل يوم إلى أحد مصادر القوة فنتقدم خطوات كثيرة إلى الأمام، وكلها خطوات موفقة لها أهميتها في سعادة المجتمع…
وبقي أمامنا سبيل مهم وأعتقد أنه أهم سبل السعادة، وهو استغلالٌ يمكِّن كل فرد من أداء ما يميل إليه ويقدم عليه. وواجب المجتمع أن يضع هذا الهدف نصب عينيه وأن تدرس الوسائل المختلفة التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف.
ولا أريد في هذا المقال أن أتحدث عن أمور نظرية، بل أريد أن نكون عمليين إلى أقصى حد ممكن؛ فلن نتطرق إلى الوسائل العلمية التي تستخدم في الخارج للتوجيه المهني على أيدي متخصصين في نواح مختلفة، بل كل ما أريده هنا والآن أن ألفت النظر إلى أهمية هذه المشكلة الحيوية..
وأول ما أود أن ألفت النظر إليه هو مشكلة توجيه أبنائنا إلى أنواع الدراسات التي تلاءم طبيعة كل منهم.. أما توجيه الأبناء إلى أنواع المدارس أو الكليات حيثما اتفق، وبالطريقة التي نراها الآن، ففيها ضياع وخسارة كبيرة.
وسأذكر على سبيل المثال بعض الفئات التي تستحق أن نفكر فيها:
التلاميذ الذين حصلوا على الشهادة الإعدادية، فوجد بعضهم أن المنطقة التعليمية حولته إلى التعليم التجاري مثلًا مع أنه لا يميل إليه… ووجدت بعضهن أنهن التحقن بالتعليم الثانوي الفني الذي لا يرغبن فيه، ولا يملن إليه!…
والطلبة الذين حصلوا على الشهادة الثانوية العامة ووزعوا على مختلف الكليات على أساس واحد فقط هو مجموع الدرجات.. تلك الدرجات التي لا ننكر أهميتها ولكنها لا يمكن أن تكفي وحدها لتقرر مستقبل الشباب.
فكم من شاب فوجئ بأنه وجَّه إلى كلية الحقوق التي لم يفكر فيها لحظة واحدة، بل ويمقت جو المحاكم والخلافات، ولا يقدر على الخطابة أمام الناس لأنه يتلعثم في حديثه؛ وهذا لا يسيء إليه في شيء ولا ينقص من شأنه، لأنه في مقدوره أن يعمل أشياء أخرى كثيرة لها أهميتها البالغة!.
وكم من شاب لم يتمكن من الالتحاق بكليات الجامعة فوجد نفسه مضطرًا للالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد التابعة لوزارة التربية ليدرس في اتجاه لا يعلم عنه شيئًا، ولا يريد أن يعلم عنه شيئًا، ولكنه لا بد وأن يحصل على شهادة عالية، فالمستوى الاجتماعي للعائلة لا يسمح له بأن يعمل بالشهادة الثانوية، فيلتحق إذن بكلية الفنون التطبيقية أو بالمعهد التجاري العالي، أو بغير ذلك من المعاهد!.
ثم في داخل كلية الفنون- وهو أبعد ما يكون عن الفن- يلتحق بقسم الزخرفة أو بقسم التصوير أو بقسم النسيج أو غير ذلك حيثما اتفق!.
أين الميول؟ أين الاستعدادات والمواهب؟ أين الاستغلال البشري؟ أين احتياجات السوق، أين فرص التشغيل؟ أين مستقبل الفرد وأين مستقبل البلد؟.
تلك أسئلة لن نتمكن من الرد عليها في هذا المقال ولكنها جديرة بتفكير القراء، وسنبسط جزءًا من الصورة الواقعية..
فبعد التخرج، حيث يحصل الشاب على بكالوريوس الاقتصاد مثلًا، نجده يعمل أمينًا للمخازن؛ أو يحصل على بكالوريوس المحاسبة ليعمل مسجلًا في أحد المعاهد أو بكالوريوس الزراعة ليعمل مراقبًا لرعاية الشباب؛ أو ليسانس الفلسفة ليعمل مشرفًا على المطاعم، أو دبلوما عالية في التربية البدنية ليبقى بين أربعة جدران يوقع الأوراق وهكذا!.
تلك أمثلة قليلة بين الحالة الواقعية المنتشرة في مجتمعنا؟ والتي تؤدي إلى النتيجة الحتمية وهي تعطل الأعمال، وعدم أدائها على خير وجه، وشعور الأفراد بأنهم ليسوا سعداء.
فهل من حلول لتلك المشكلة؟
الحلول كثيرة ويهمنا أن نستأنس بآراء القراء… وإلى العدد القادم…
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق