للسيدة مارجريت بيرج
مستشارة المعهد الأمريكي للعلاقات العائلية
تنهد محدثي في يأس وهو يغوص في كرسيه وقال: (حظي سيئ… وأعتقد أني ولدت تحت سماء نجم مظلم كئيب!) ولم أستطع أن أقاوم شعور الألم والرثاء لهذا الشاب… وأحسب أن كل شاب يوجد لو كان في مكانه!
كان شابًا وسيمًا، مثقفًا ثقافة عالية، ويشغل وظيفة طيبة.. فماذا يطلب أي شاب أكثر من ذلك؟
وتابع محدثي شكواه: (والعجيب أن الحظ الحسن لم يحالفني مطلقًا) فقلت له: (أخبرني ماذا تعني بالحظ الحسن؟..)
فقال بابتسامة باهتة: (ألا تعرفين؟! إن بعض الناس يولدون محظوظين… أضرب لك مثلاً بهؤلاء الذين يرثون الثروات الضخمة.. وأولئك الذين يرثون المواهب والقدرات التي تساعدهم على تبوء المكان اللائق بهم في الوقت المناسب..).
وصمت برهة قصيرة، ومال قليلًا إلى الأمام ثم أشعل سيجارة في نهم، واندفع –وكأنما يدافع عن نفسه- يقول: (ولست إنسانًا كسولًا… ولا أحاول أن أتهرب من المسئولية… ولكن ما إن أقوم بعمل شيء حتى يتحول إلى مرارة، وألم، ويأس… فعندما كنت في الجيش، احتفظت لي إدارة العمل بوظيفتي… وإلى هذا الحد جميل جدًا… ولكن زميلي الذي كان يقوم بمساعدتي في العمل أصبح رئيسي الآن… وكل ما استطعت أن أقوله أنهم لا بد قد احتاجوا إليه في غيابي فهذا أحد حظوظي السيئة… وفي استطاعتي أن أحدثك عن أمثلة كثيرة من حظي السيئ… ولكن أعتقد أنك لن تصدقيني) وهنا قاطعته (لقد أصبت الهدف… لقد ابتعت لنفسك بضاعة رديئة… فليس هناك شيء اسمه (حظ سيئ) و(حظ حسن)، فالمسألة كلها هي كيف تنظر إلى ما نسميه حظًا… ويمكنني أن أبرهن لك على وجهة نظري هذه، وستتعلم كيف تغير حظك).
وأعترف أن كلامي لهذا الصديق كان يتسم بالاندفاع، ولكنه كان كلامًا صادقًا صحيحًا على أنني قبل أن أستطرد أود أن أقول أن هذا المقال ليس كما قد يتصور البعض مقالا يقوم على أن كل شيء يحدث في الاتجاه الأفضل… فإن كل شيء لا يحدث في هذا الاتجاه ولكن الأشياء تحدث.. ويجب أن نتعلم كيف نفعل أحسن ما نستطيع حتى ولو كنا في موقف يائس!
إن كثيرين من عظماء الرجال والنساء استطاعوا أن يحولوا اللحظات السيئة إلى عمل عظيم وهذه اللحظات السيئة تكون جزءًا هامًا من تاريخ كل رجل عظيم وكل امرأة عظيمة… ولا نستطيع أن نفسر ما قدموه للمجتمع على أساس من الحظ… الحظ الذي يتمثل في العبقرية، أو الثروة الموروثة، أو الأصدقاء ذوي المراكز الكبيرة!
فهذان اثنان لهما نفس المستوى ونفس الفرص، ولكن أحدهما ينجح في حياته ويفشل الآخر. وغالبًا ما يلوم هذا الآخر الحظ، ويلعن القدر… وهي طريقة جميلة للهرب من المسئولية!..
وأذكر حالة شاب كان يعمل في أحد البنوك… كان على دراية تامة، وكان مناسبًا تمامًا للوظيفة التي يشغلها، ولكنه، لسبب أو لآخر لم يكن يستمر في أي عمل أكثر من شهرين أو ثلاثة! وعندما استطلعته السر في كثرة تنقلاته وتغيير عمله، علل ذلك بأنه (سيئ الحظ)… ثم أسفر البحث عن أن المشكلة ترسب في أعماق نفسه! فقد كان عدم استقراره في العمل نابعًا من عدم قدرته على تغيير أساليبه واتجاهاته الذهنية!
إن الإنسان هو الوحيد بين المخلوقات جميعًا الذي يستطيع أن يفكر للمستقبل! وهو يستطيع ذلك عن طريق التجربة السالفة! فمما مر عليّ من تجارب، أو نقل إلي من معرفة أستطيع أن أتنبأ بالمستقبل!
والتنبؤ بالمستقبل يعني ببساطة أنني أعرف تمامًا أنني لو مكثت طول الليل في حفلة ساهرة فسأشعر بالتعب ولن أستطيع أن أؤدي عملي على خير وجه في اليوم التالي… وقد عرفت هذا من تجربتي السابقة، فإذا كان حضور هذه الحفلة يعني أنني سأهمل عملي، فسأقدر المشكلة وعندئذ أقرر هل تستحق الحفلة أن أظل في منزلي يومًا كاملا مع خصم مرتب هذا اليوم أم لا؟!
وكلما تحسنت قدرتنا على النظر في الحقائق ووزنها وتقييمها أصبحت تنبؤاتنا أفضل، وبالتالي فرصنا للنجاح!
والإنسان الذي يلقي اللوم في فشله أو تعاسته على الحظ السيئ إنما يعمل على مستوى حيواني!. فهو يهمل استعمال قدرته الإنسانية الطبيعية على التقدير والتنبؤ…
ولكي تكسر قيود الحظ السيئ لا تلقِ بالًا إلى القدر، بل انظر إلى نفسك…
تقول إنك أتعس مخلوق في العالم؟ حسنًا… تعال ننظر إلى حظك هذا السيئ… خذ ورقة وقلمًا.. وتعال معي عبر الماضي القريب، لشهر مضى.. اكتب كل ما تذكره: حادثة السيارة… الأيام التي مرضتها وتسببت في خصم ثلاثة أيام من مرتبك… الوظيفة التي فقدتها… اكتب كل شيء، كبيرا كان أو صغيرا… وأعد قراءة ما كتبت… شيء مؤلم، أليس كذلك؟ والآن خذ ورقة أخرى… اكتب في أعلاها أول (حظ سيئ) صادفته، ولنفترض أنه حادث السيارة… هل أمنت على سيارتك؟… ولم لا؟.. هل يكلف التأمين غاليًا؟ ولكن هذه الحادثة ستكلفك أضعاف قسط التأمين!… وربما كانت سيارتك تحتاج لبعض الإصلاحات ولكنك أهملتها!… إن هذا تقييم ضعيف للموقف، وكانت نتيجته تنبؤًا سيئًا… فلو فكرت في الأمر بدقة وعناية لتحققت من حاجة السيارة للإصلاح، واحتمال وقوع حادث وعندئذ كنت تفاديت الحظ السيئ…
وماذا عن المرض؟ من الجائز أنك ذهبت تصيد السمك ولم تفكر في شدة الهواء فأصبت ببرد شديد… حظ سيئ؟.. لا… بل حكم ضعيف، وتقدير سيئ، وتفكير لا منطق فيه… وهل فاتتك الوظيفة؟… ولماذا تعتقد أنك كنت كفؤا لها؟.. لم لا يكون زميلك الآخر أكثر كفاءة منك؟… انظر إلى الحقائق جيدًا…
وعندما تستعرض الأحداث التي تتعرض لها، حاول أن تدرك كيف كان يمكنك منعها… أما إذا كان الجواب أنه لا يمكن منعها، فيجب عليك أن تتخذ إجراء آخر… وثمة أحداث تقع ولا تستطيع التحكم فيها.. كأن يمرض طفلك بمرض مستعص… أو أن تتعطل في موسم معين… أو يشتري أحدهم المنزل الذي فكرت في شرائه. وهذه بلا شك حالات حقيقية من حالات سوء الحظ… ولكن لا بد فيها أيضًا من تقدير لموقف… فمن بين كل هذا البؤس يمكنك أن تستخلص ولو عاملًا واحدًا تستطيع أن تفيد منه..
ومن المحتمل أن يكون طفلك الآن غير قادر على اللعب مع زملائه الأطفال، فوطد معه صداقة حقيقية، وأرشده إلى بداية طيبة في الحياة.. كما أن الناس في كل يوم يجدون منازل جديدة.. ولكنهم على التحقيق ليسوا أولئك الذي يجلسون ويندبون حظهم السيئ!… بل هم أولئك الذين أوتوا الشجاعة، والقوة، والمهارة. فاذكر في كل موقف، مهما يكن قاتمًا، أنه يمكنك أن تجد مخرجًا… وأن هذا يعتمد على مدى المجهود الذي ترغب في بذله لتقدير الحقائق، وعلى مدى التصميم الذي في نفسك لكي تتجنب أسلوب (حظي سيئ.. أنا تعس!)..
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق