التبذل الجنسي آخذ في التفشي مع الزمن، كما تشهد بذلك الدراسات والإحصاءات الحديثة ولكن الواقع أن الخيانة الزوجية ليست آفة عصرية بحال من الأحوال. فالتبذل الجنسي قديم قدم التاريخ البشري، وليرجع من شاء لمحاكمات الزنا في عهد الامبراطورية الرومانية، وإلى تاريخ المحظيات في بلاط ملوك فرنسا من (آل بوربون)… فالمشكلة قديمة، وفي بعض الفترات كانت تعتبر إثمًا مميتًا، وفي فترات أخرى كان ينظر إليها باستخفاف…
وهناك أسباب كثيرة لتنكب الأزواج –من الجنسين- السبيل القويم. ولعل العامل الجنسي هو أقل تلك الأسباب شأنا!
وقد يبدو هذا غريبًا، بل متناقصًا لأول وهلة، بيد أن التعمق في فحص الأسباب التي وراء معظم حالات الخيانة الزوجية، يدلنا على أن هذه الأسباب لا علاقة لها بالجنس، أو ليست به إلا علاقة واهية جدًا…. فالوحدة، والانتقام والفضول، والسأم، والقلق، هي الأسباب الحقيقية التي تتصدر القائمة، وتدفع إلى التبذل والمغامرة…
الزوجة الباردة
هذه زوجة شابة، هي معبودة كل الذئاب في المدينة! فهي غزلة، مثيرة، لا تكف عن اللعب بنيران الأهواء والشهوات! وقد يعلم زوجها أو لا يعلم، فهي لا تبالي ذلك فيما يلوح… ولئن كانت تتمنع دائمًا عن الخطيئة الحرفية في آخر الأمر، إلا أن في سلوكها ما يكفي ليشينها!
وخلافًا للشائع، ليست المرأة العارمة الشهوة الجنسية هي أكثر النساء ترديًا في التبذل الجنسي، بل إن أكثر حوادث الزنا تحدث من زوجات باردات جنسيًا، يمنعهن برودهن من الحصول على الارتواء الحقيقي برغم مرور سنوات طويلة على زواجهن!..
والسبب الحقيقي للبرود عند هذه الزوجة كامن غالبًا في أعماق طفولتها، حيث تكونت لديها عقدة معينة.. ولكنها تجهل هذا.
ولذلك تجدها بعد صبر سنوات مع زوجها بغير نتيجة تريح أعصابها تنطلق باحثة باستمرار عن رجل بعد رجل، عسى أن تعثر على الرجل الذي يمنحها الارتواء الذي عز عليها، ويحررها من اللعنة التي ترهق كيانها، ظنًا منها أن النقص في زوجها وفي غيره من الرجال، لا في نفسها هي!
والغالب أن هذا البحث سيظل مستمرًا وبلا ثمرة… وإما أن يحدث طلاق تسوده روح الازدراء المتبادل، أو يقع انفصال قبيح بلا طلاق، لا شك أن الطلاق خير منه ألف مرة!..
الزوج الوحيد
وهذا رجل كثير الأشغال، في مقتبل العمر، ليس من عادته أن يروي لزوجته متاعبه أو انتصاراته، لأن التجربة الماضية علمته أنه لن يظفر منها إلا بمواساة أو تشجيع سطحيين جدًا. فهي لا تأخذ متاعبه ومشاكله مأخذ الجد، وتأخذ انتصاراته مأخذ القضايا المسلم بها، المفروغ منها. وقصارى القول أن مشاكله ليست مشاكلها…
وفي الوقت نفسه، هناك سكرتيرته أو زميلته في المكتب. وهي تعلم ما وراء كل نجاح يحصل عليه من عناء، وكفاح. وهي تعيش إلى جانبه كل لحظة من اللحظات الثمينة في نظره، لأنها لحظات عمل وجد. وحين يكون في مأزق تشعر بمتاعبه وتواسيه، وحين ينتصر تفهم معنى انتصاره وتقدره… وهي دائمًا أنيقة، مرحة، ذات كفاية. ويستطيع دائمًا أن يتحدث إليها عن مشاكله فتبدي كل اهتمام، وتفهم معنى هذه المشاكل.
إن هذه الصلة الانفعالية الوثيقة لا عجب مطلقًا أن تتطور في أي لحظة من لحظات التوتر الشديد فتغدو صلة جسدية أيضًا…
وما أكثر الأزواج العصريين الذين لا يشعرون بالإيناس في زوجاتهم. فهناك دائمًا الشجار، والشقاق، والنكد، وبرودة الإحساس، وسوء اللقاء، واختلال التقدير!… وكذلك ما أكثر السكرتيرات أو العاملات اللواتي يبدين استعدادًا طيبًا للإصغاء والفهم والمواساة.
وقد يكمن أحيانًا عنصر الانتقام الخفي من الزوجة وبرود قلبها، وراء صلة الزوج بسكرتيرته أو زميلته، كأنما هو يشعر الزوجة بإمكان الاستغناء عنها بسهولة، جزاء سوء عشرتها له!
الزوجة المعرضة للغواية
وقد تظل الزوجة الشابة الحسناء مخلصة لزوجها الهادئ الطيب الكريم سنوات وسنوات، ثم فجأة تجد نفسها وهي في الثلاثين عرضة للغواية. وتأتيها الغواية في صورة رجل باهر المظهر والصفات، بحديثه وأناقته، ولباقته، واهتمامه الملح بالنساء… وتجد نفسها كالمسحورة به، فتسقط في حباله مرة، أو مرتين، أو عشرًا….
وغالبًا ما يكون ذلك عن غير تبصر، وعن غير رغبة عميقة الجذور.. بل مجرد نزوة، كأنها لعبة، أو لمجرد تغيير مجرى حياتها الرتيب الراكد مع زوجها الخامل الذي ليس فيه أي لون من ألوان الإغراء أنها لم تزل تحب زوجها كما كانت تحبه في البداية. فليس هناك ما يمنع من استمرار ذلك الحب رغم هذه الغواية التي تعرضت لها الزوجة.. فأساس الزواج لم يزل سليمًا. وكل ما هناك أن الزوج اطمأن إلى حب زوجته، وصار يأخذه مأخذ التسليم بأمر مفروغ منه، لا يستحق التفاتًا خاصًا ولا احتفاء، ولا عناية غير عادية. إنه (روتين) مثل عاداته كلها. لقد مرت السنوات ولم يفكر في إشعارها بقوة حبه وسطوته. ولعله لم يوجه إليها تحية، ولا كلمة ثناء، أو غزل.. وهي ليست جمادًا.. فكيف تقوى على مقاومة مغامرة تشعرها بسطوة جمالها وفتنتها مع رجل فيه خصائص الفتنة كلها؟ إنها على الأقل تشعر بفضول نحو حياة الحب المتقدة المثيرة…
وللتعرف على المعاشرة كيف تكون مع صنف يختلف تمامًا عن صنف الزوج الهادئ الخامل!
فليت الأزواج يعقلون ويتدبرون، قبل أن تقع الواقعة..
الزوج المسن
وهذا الزوج الذي ظل ربع قرن مثال الزوج الصالح، ها هو قد أفلت زمامه فجأة، وتعلق بفتاة لا هنا ولا هناك.. فهل وصل إلى (السن الحرجة) عند الرجال وصار مغرمًا بالجنس؟
إن زوجته، بمرور السنوات الطويلة، صارت امرأة وقورًا، محتشمة، ذات مسئولية، ولهذا هزت كتفيها استخفافًا بهذا التغير الذي طرأ عليه، واعتبرته من تخاريف الشيخوخة… ولكنه وجد فتيات صغيرات مستعدات للمرح معه، والضحك لنكاته فافتتن بهن، غير ملق بالًا إلى تفاهتهن وابتذالهن!
والحقيقة أنه كان بحاجة إلى ذلك التأكيد بأنه لم يزل فاتنًا للنساء، يرغبن فيه برغم انتهاء فترة شبابه… فإن صدمة أفول نجمه جنسيًا أثارت فيه هذا التعلق بالجنس الآخر، بل هذا التهالك..
وفي هذه الفترة من الزواج، يقع على عاتق الزوجة واجب التصرف بلباقة. وقد تكون هي نفسها في محنة لاجتيازها أيضًا سن اليأس فتهمل مظهرها بصورة مزرية. فعليها أن تقاوم ذلك كله، وتجاري زوجها، وتتزين له، كي تحفظه من المغامرات.
الزواج الخاوي
وهذان زوجان مضت على زواجهما أعوام. ومع هذا فكل منهما في واد، يتورط في علاقات مبتذلة ومغامرات جنسية متحللة من جميع القيود الجدية. وكل منهما يعلم تمامًا أن الآخر يحذو جذوه… وليس لهما أطفال، ولا ينتظران أطفالًا، ولا اهتمام لأحدهما بالآخر إلا بشكل سطحي محض…
والغالب أن يكون الدافع لزواجهما نوع من الجاذبية الجنسية خمدت جذوتها بعد شهر عسل طويل أو قصير… ثم ثبت لهما أن الزواج يتيح لهما وضعًا اجتماعيًا مريحًا، ولا يحرمهما من شيء من أهوائهما، فلم يفكرا في فسخه بالطلاق.. ويساعدهما على ذلك أن بيئتهما يسودها الانحلال الخلقي، ولا تعتبر الخيانة الزوجية نقصًا يسقط السمعة، ويصيب الفتى أو الفتاة!..
ومثل هذه الحالة هي التي يلفظ بها الناس في الصحف وفي المجالس، فيشيع أن الخيانة الزوجية ناجمة عن التهالك على اللذات الجنسية والمتعة الحسية، مع أن هذه الحالات قليلة العدد، ومحدودة في طبقات معينة ليست السواد الأعظم من الناس.
فما يلزمنا حقًا لتلافي الخيانة الزوجية ليس حل عقدة الجنس، بل توسيع الفهم، وحسن التقدير، والتسامح، والعطف المتبادل… فالجنس ليس السبب ولكنه المتنفس الذي ينصرف إليه المجهدون في ميادين أخرى… إنه ميدان التسلية، وليس الباعث على طلب التسلية.
إن الموقف ليس سيئًا للغاية كما يلوح للمتشائمين. فعلينا التذرع بالحكمة وحسن الفهم، ودراسة الأسباب العميقة للداء حتى نتجنب الإصابة به.
سر السعادة الزوجية
في الحفل الذي أقامه الزوجان بمناسبة مرور خمسين عامًا على زواجهما، اقترب صحفي شاب من الزوج المسن الذي نيف على السبعين وسأله:
(هل لي أن أعرف ما السر في هذه السعادة التي رفرفت على زواجك مدى خمسين عامًا؟).
فقال الزوج الشيخ وهو يبتسم ابتسامة الرضي: (لا شيء أكثر من هدية متواضعة قدمها لي والد زوجتي في ليلة زفافي… ساعة يد عادية، وعلى مينائها كتبت بحروف بارزة، كي أراها كلما نظرت في الساعة، هذه العبارة المقتضبة:
(قل لزوجتك قولاً لطيفًا)!…
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق