لن تستطيع أن تجد طريقك لحل مشكلاتك ما لم تكتشف أولًا حقيقة هذه المشكلات..
بينما كان المختص بإدارة جهاز الأشعة في أحد المستشفيات يلتقط بعض الصور لأحد المرضى إذ صعقه التيار الكهربائي. واضطربت الممرضة حين رأت هذا المنظر، والتيار لا يزال يسري في الرجل المسكين، فاندفعت تجذبه بعيدًا عن الجهاز، ولكن سرعان ما برق شعاع أزرق وسقطت الممرضة بدورها على الأرض!
وتنبه المساعد للحادث فاندفع إلى لوحة الكهرباء وقطع التيار الكهربائي، وتمكن بذلك من إنقاذ المختص والممرضة. لقد تمكن هذا المساعد من العثور على الحل السليم للمشكلة بينما فشلت الممرضة في ذلك… فالمسألة في نظرها كانت أن تجذب الرجل بعيدًا عن الخطر، في حين أن المشكلة الحقيقية كانت في منع هذا الخطر المتمثل في سريان التيار في جسد الرجل.
وقد يبدو لك الأمر بسيطًا غاية في البساطة، ولكن الواقع يقول أننا غالبًا ما نفشل في الوصول دائمًا إلى الحل السليم للمشكلة.. وكثيرًا ما نتحدث عن الآخرين الذين تخدعهم الظواهر السطحية وتقودهم إلى حلول فجة مبتسرة، ونحسد أنفسنا على نعمة العقل التي تمنعنا من الإتيان بضروب الحمق التي يأتيها الآخرون، بيد أننا في حقيقة الأمر ما تكاد تعترضنا مشكلة من المشكلات التي تؤثر في مجرى حياتنا حتى تضطرب عواطفنا، ونثب إلى حلول سريعة عمياء دون أن ندري أننا وهؤلاء الحمقى سواء!
أجل، ما أكثر المشكلات التي نقف عاجزين عن الوصول إلى حلها السليم، بل وما أكثر المشكلات، التي نهرب من مواجهتها، متخذين الهروب منها حلًا سلبيًا لا يقدم ولا يفيد..
وأعرف رجلًا يحتل مركزًا مرموقًا في إحدى الشركات، كلما قابلته أمطرني بالشكوى من الموظفين الذين لا يقدرون المسئولية ومن كآبة المكان الذي يعمل فيه، ثم يلح علي في أن أبحث له عن عمل أفضل.. كان هذا الرجل يعتقد أن مشكلته سوف تحل إذا وجد عملًا آخر، بيد أن المشكلة الحقيقية أنه لا يعرف معنى العلاقات الإنسانية السليمة! إنه حقًا فنان مبدع، ولكنه يسيء معاملة مرؤوسيه، ولن تنتهي متاعبه إلا إذا تعلم كيف يعامل الناس.
وأعرف امرأة تكاد تسوق زوجها إلى الجنون بسبب حبها المفرط لكل جديد!..
قال لي زوجها: (في إحدى الليالي عدت إلى المنزل فوجدتها مسرورة أشد السرور (بالفريجيدير) الجديد الذي اشترته.. وفي الليلة التالية أخبرتني بعزمها على استبدال غرفة النوم. وصدقني إنه لا تنقضي ليلة دون مشروعات جديدة ترسمها. وأنا لا أكره التغيير ولكن عندما يتخذ هذه الصورة الجنونية فإنني أمقته كل المقت!).
واستطرد الرجل: (كم كنت أود لو رأيتها بالأمس. كانت تبدو في تسريحة شعر جديدة. لقد كان شعرها مرفوعًا إلى أعلى ومشدودًا إلى درجة تكاد لا تستطيع معها أن تغلق عينيها! إن هذا قد يبدو مستحبًا من فتاة في مقتبل الشباب، ولكن أن تفعله زوجتي التي جاوزت الثانية والخمسين، فهو أمر لا يطاق!).
قلت له: (إن مشكلة زوجتك الحقيقية ليست ما تأتيه من حماقات، وإنما عجزها عن توجيه طاقة نشاطها التوجيه المناسب المفيد. فحاول أن توجه اهتماماتها نحو هواية معينة كالموسيقى أو الكتابة، أو الخدمة الاجتماعية فسرعان ما تنسى نفسها ويستغرقها العمل. ولا شك أن المرأة يجب أن تتزين، ولكني واثق أنه لو تعلقت زوجتك بهواية ما لما وجدت الفرصة لتسريح شعرها، ولعلك وقتها تأتيني من جديد لتبحث معي أمر هذه السيدة التي تغفل أمر زينتها ولا تعتني بنفسها).
وكثيرة هي حوادث الطلاق التي وقعت بسبب فشل الزوج والزوجة في مواجهة المشاكل التي تعترضهما.. أعرف زوجين تزوجا منذ عامين ولم ينقطعا عن الشجار طيلة هذه المدة… ثم شرعا في السير في إجراءات الطلاق..
ولما بحثت الأمر معهما اتضح لي أن الزوجة سيدة بيت حازمة، بينما زوجها لا يعنى بمجرد تنظيف حذائه من الطين العالق به حين يعود من الخارج.. ويلقي (بيجامته) على الأرض وسط حجرة النوم كل صباح.. فما دامت الزوجة متمسكة بوضع الأشياء في مكانها المحدد تمامًا، فإنها لن تحظى ببيت يرفرف عليه السلام.. وما دام الزوج مستمرًا في عاداته السخيفة فلن يستطيع أن يرضى أي مخلوق يعيش معه تحت سقف واحد.. فالمشكلة الحقيقية إذن هو أن يتنازل كل منهما قليلًا عن طباعه ويتجه إلى الجانب الآخر..
إن الطلاق نادرًا ما يحل المشكلات.. بل هو يزيدها تعقيدًا وخاصة إذا كان هناك أولاد..
وكثيرًا ما يفشل كبار رجال الأعمال في الوصول إلى لب المشكلات.. التقيت مرة برجل من رجال الأعمال كان على وشك اعتزال منصبه والركون إلى الدعة والهدوء. ولما بدأ التفكير فيما سوف يشغل به حياته بعد تقاعده لم يصل إلى حل موفق. لقد سألته عما يعتزم عمله فأجاب: (لقد قررت ابتياع ضيعة صغيرة في الريف بعيدًا عن مشاكل العمل ومتاعبه، لأستريح بقية أيامي).
وسألته: (وما هو مبلغ علمك بشئون الزراعة؟).
قال: (لا أعرف شيئًا عن الزراعة، ولذلك سأحاول استخدام بعض المزارعين).
قلت: (إذن فلن يقدر لك أن تستريح.. إنك لن تستطيع الكف عن العمل أبدًا، فلقد حاول الكثيرون ذلك من قبلك فلم يوفقوا، إن رجلًا في مثل قدرتك يجب أن يبحث عن سبب حقيقي لوجوده ما دام يعيش، وإلا فسوف يتعلق بعادات سخيفة كالإفراط في التدخين، أو شرب الخمر، وهو يجتر ذكريات ماضية، ومشكلتك الحقيقية هي أن تجد عملًا جديدًا يثيرك، ويحركك، ويدفعك إلى ما يعلي مكانتك بين الناس)..
ولعلك آمنت الآن، أيها القارئ العزيز، أننا عندما نقع في مشكلة نتسرع في الحكم عليها وحلها.. إننا لا ننظر إلى مشاكلنا نظرة سليمة متكاملة، وإنما نتعلق بأول خاطر يثور في أذهاننا، وهو في الغالب حل غث فاشل، أقرب إلى الهروب من المشكلة منه إلى الحل السليم.. والنتيجة أننا نفشل على طول الخط، إذ كيف يتسنى لأى فرد أن يحل مشكلة لا يعرف ما هي بالضبط!..
فلا تنس أن تسأل نفسك في المرة القادمة: (أحقًا هذه مشكلتي الحقيقية؟!..).
– نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق