للدكتور يوسف مراد

أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة

كدت أكتب طريق السعادة، ثم بدت لي عدة اعتراضات..

إذ كيف يمكن القطع بأنه لا يوجد سوى طريق واحد يؤدي إلى السعادة، مع العلم بأن السعادة أمر نسبي يختلف باختلاف الأفراد والظروف، وقد يختلف في الفرد الواحد تبعًا لأحواله النفسية، وظروفه المادية وما قد يعتري مزاجه من تقلبات؟ إذن يكون من الحكمة أن نترك الأمر معلقًا، وأن نفترض، بل أن نسلم بوجود عدة طرق مؤدية إلى السعادة، وأن نكتفي بالتحدث من هذا الطريق الذي يشير إليه عنوان هذا الحديث.غير أنني أود أن أهمس في أذن القارئ الكريم أنني أميل في قرارة نفسي إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن أن يوجد إلا طريق واحد إلى السعادة! وأن الطريق والهدف لا يمكن أن يكونا إلا شيئًا واحدًا، وأن السعادة القابلة للتغير التي يمكن أن تتشكل بألف شكل وشكل لا بد أن تكون سعادة مزيفة أو سعادة ناقصة.وفي سبيل بحثنا عن هذا الطريق الأمثل للسعادة الحقيقية لماذا لا نطبق المنهج نفسه الذي يطبقه العالم عندما يبحث عن حقيقة أمر من الأمور؟ أي لماذا لا نستعرض عددًا من الحالات النفسية والمواقف السلوكية المختلفة التي يتمتع أثناءها المرء بلون من ألوان السعادة ثم نرى هل هناك عنصر مشترك بين جميع هذه الحالات يمكن اعتباره العامل الأساسي للسعادة والباعث الحقيقي للشعور بها؟!إن مجالات السلوك الإنساني كثيرة متعددة ومتفاوتة من حيث درجة تركيبها وتعقيدها. ولا شك في أن سلوك الحيوان أقل تعقيدًا من سلوك الطفل، وسلوك الطفل أقل تعقيدًا من سلوك الراشد..

وإذا أنعمنا النظر في سلوك الأطفال، يصبح من اليسير التمييز بين نوعين من المواقف السلوكية: مواقف يبدو فيها الطفل فرحًا سعيدًا، ومواقف أخرى على العكس من الأولى يكون الطفل فيها في حالة ألم وضجر؛ والاختلاف بين الموقفين المتعارضين واضح جدًّا؛ لأن الطفل بطبيعته متطرف لا يفهم الموقف الوسط. والعنصر المشترك في جميع هذه الحالات، والذي بتحققه تتحقق السعادة وبزواله تنعدم السعادة، هو عامل الحيوية.فالأمور التي تساهم في بعث الحيوية والنشاط ومساعدة الحياة في وثباتها الخالقة من شأنها أن تبعث الفرح والسرور. وعلى العكس من ذلك ينتج البؤس والضجر من إعاقة الحياة، ومن سيطرة عوامل الهدم والتدمير على عوامل البناء والخلق.

طريق السعادة

• هو الذي يهيئ الفرص للخلق والابتكار.

• هو الذي يحقق التحرر من الآلية العمياء والتكرار الممل.

• هو الذي يسمح لكل فرد من الصغار والكبار، أن ينمي جميع إمكانياته ويجعلها تزدهر وتثمر في جو من الاطمئنان والثقة.

وتبدو سعادة الطفل في أجمل صورها وأبهج مظاهرها عندما يكون نشاط الطفل حرًا طليقًا، وعندما تتاح له فرصة الإبداع والابتكار في ألعابه. والطفل في الواقع فنان عظيم، فهو يبدع من مناغاته الصوتية، وحركاته اليدوية كما أنه لا يلبث طويلًا حتى يبتكر ألوانًا جديدة من الألعاب الإيهامية فيجد سعادة عظمى في أن يحيا في عالم غريب رسمت مناظره الخلابة مخيلته الحرة الوثابة.

وقد فطن المربون أخيرًا إلى هذه الكنوز من الإبداع والابتكار الكامنة في نفوس الأطفال، وأدركوا أن أضمن وسيلة لإسعاد الأطفال إتاحة الفرص لهم لاستغلال مواهبهم الخلاقة. وكما أن ازدهار الصحة لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر العوامل التي تسمح للوثبة الحيوية بأن تواصل نشاطها، فكذلك لا بد من توافر الأسباب المنشطة للقوى الخالقة الكامنة في عقل الطفل وقلبه لكي تزدهر نفسيته ويحس بالسعادة الحقيقية.

ومما هو جدير بالملاحظة أن اللعب والإبداع الفني لدى الطفل يمتزجان في نشاط واحد، وأن لحظة السعادة القصوى تحدث دائمًا عندما يتسم النشاط بسمة الابتكار والخلق.

في النصف الأول من حياتنا نملك القدرة على الاستمتاع ولا نملك الفرصة وفي النصف الثاني نملك الفرصة ولا نملك القدرة! (مارك توين)

وجدير بالذكر أيضًا أن ألوانًا كثيرة من الفن الحديث لدى الكبار سواء في التصوير أو النحت تقترب إلى حد كبير في شكلها الظاهري من الإنتاج الفني في الطفولة.. ويتضح من تحليل نفسية بعض الفنانين المعاصرين أن مضمون شعورهم أثناء فترة الإلهام الفني شبيه بشعور الطفل من حيث البراءة والثقة والاندفاع إلى العمل، وأخيرًا الإحساس بأن كل ما يحيط بالفنان أثناء النشوة الإبداعية جديد مبتكر تتدفق فيه مياه الحياة الطاهرة البريئة.وما يقال عن الفنان المبدع يقال عن العالم الذي يكتشف حقيقة علمية جديدة، بل يقال عن كل امرئ يتحرر في لحظة ما من التكرار والآلية ليخلق شيئًا جديدًا، أو ليبعث عاطفة جديدة أو يحدث أثرًا جديدًا في أي ميدان من ميادين النشاط.وعلى ذلك يكون طريق السعادة هو الذي يهيئ الفرص للخلق والابتكار.. هو الذي يحقق التحرر من الآلية العمياء ومن التكرار الممل.. هو الذي يسمح لكل فرد من الصغار والكبار، أن ينمي جميع إمكانياته ويجعلها تزدهر وتثمر في جو من الاطمئنان والثقة.

فالسعادة إذن كامنة في الخلق والابتكار، في مسايرة الحياة في حركتها الخالقة وبما أن الفن في صميمه خلق وابتكار فيمكن عد النشاط الفني هو الطريق الأمثل المؤدي إلى السعادة الحقة.

وليس الفن الذي تقصده هو الفن الممثل في المتاحف، بل كل ما يتسم بسمة الجمال والانسجام؛ فالحياة اليومية في إطارها العادي المألوف، يمكن أن تصبح مجالًا للفن الجميل، أي يمكن أن تتيح لكل امرئ أن يأتي في فترة من فترات النهار بعمل إبداعي مساهمة منه في وثبة الحياة نحو التجديد والبناء.

 

إذا صرفت همك لفهم شخصية من تعامله كنت أقرب إلى الرضى وسكينة النفس.

 

7 نماذج للشخصية

أكثر مشكلاتك ناشئة -ولا شك- عن اتصالك بالناس ومعاملتك معهم.. فهنالك المشكلات المتصلة بالزواج، وبالعمل، وبالأصدقاء، وبكل ميدان تتصل فيه بالناس وتتعامل معهم.. ومع ذلك فلا مفر لنا من معاملة الناس والاتصال بهم، فكيف السبيل إذن إلى التغلب على هذه المشكلات؟

إن السبيل الأقوم هي أن تقوم بدراسة من تتعامل معهم كي تتفهم طباعهم وعاداتهم ونماذج شخصياتهم، ومن ثم يسعك أن تتعامل معهم بشكل مرضٍ يجنبك المشكلات.وفي هذا المضمار يقدم لك علم النفس خدماته.. فقد قام علماؤه أخيرًا بشرح قانون من قوانين هذا العلم من شأنه أن يساعدك على تفهم الناس، والحكم عليهم وعلى شخصياتهم، وسوف تجني الفائدة من هذا القانون سواء كنت تبحث عن صديق مخلص، أو عن حبيبة وفية، أو زميل يعتمد عليه في العمل أو رجل يصلح لملء مركز خطير!يقول هذا القانون أنه حينما يواجه الإنسان مشكلة ما، فإن توفيقه في حلها يتوقف على ثلاثة عوامل رئيسية هي:

أولًا: قدرته على إيجاد حل لهذه المشكلة (وسوف نرمز لهذا العامل فيما يلي بالحرف (ق).. أي القدرة).

ثانيًا: رغبته في حلها (وسنرمز له بالحرف (ر)، أي الرغبة).

ثالثًا: براعته في فن معاملة الناس الذين هم حتمًا طرف في هذه المشكلة (وسوف نرمز له بالحرف (م) أي (معاملة الناس).

ولما كانت هناك سبع حالات فقط يمكن أن تتدخل فيها هذه العوامل الثلاثة منفصلة أو مترابطة فإنه تبعًا لهذا يمكن تقسيم الناس إلى سبع فئات أو نماذج وفقًا لما يتوفر فيهم من هذه العوامل.

النموذج (ق) هذا تتوفر له القدرة، ولكن تعوزه (الرغبة) والبراعة في فن معاملة الناس.

مثال ذلك أنك قد تجد أخصائيًّا عبقريًّا في تصليح أجهزة الراديو، ولكنه موهوب أيضًا في إهانة الناس ومعاملتهم بفظاظة.. وهو لم يحترف مهنته تلك إلا لأنها الشيء الوحيد الذي يحسنه، ولكنه في الواقع ليست لديه رغبة حقيقية للقيام بهذا العمل، حتى أنه قد يسخط أحيانًا على اليوم الذي اخترعت فيه أجهزة الراديو!ومعرفة الفئة التي ينتمي إليها الشخص الذي نعامله تساعدنا كثيرًا على إحسان معاملته فإننا حينئذ نكيف سلوكنا معه على ضوء ما لدينا من معلومات عنه. ولهذا أنصحك عندما تستدعي سمكريًّا، أو كهربائيًّا، ويتضح لك أنه من الفئة الأولى، أن تتحمل فظاظته وإلا تنتظر منه أن يقبل بشغف على عمله أو أن يكون أستاذًا في فن العلاقات الإنسانية، فإذا توقعت منه غير ذلك فإنك ستصاب بخيبة الأمل!جاءني في أحد الأيام شاب التحق منذ مدة وجيزة بوظيفة إدارية بمؤسسة كبرى، وشكا لي من رئيسه قائلًا إنه فظ شرس لا يكف عن إهانته، ثم أضاف أنه يفكر في الاستقالة من عمله. قلت له: (إنني أعذرك، ولكنني أرى أن لديك فرصة ذهبية في هذه المؤسسة ربما لا تستطيع تعويضها.. ولكن عليك في الوقت نفسه ألا تتوقع من رئيسك أن يغير من طباعه لكي تتفق مع طباعك! إن طبائع الناس لا تتغير بهذه السهولة.. وحتى إذا فرضنا أن لديهم الاستعداد لهذا التغير فسنجد أن تحقيقه يحتاج إلى مجهود شاق، وزمن طويل! ولما كان معظم الناس لا يرغبون في تغيير طباعهم فالأجدر بنا أن نكيف أنفسنا لطباعهم وأن نتقبلهم على علاتهم).

وقد كان (كالفين كوليدج) أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين من هذا النموذج الأول.

كانت أبرز صفاته (قدرته) على إدارة الشئون العامة بمهارة فائقة، ومع ذلك كانت رغبته الحقيقية في رئاسة الدولة ضعيفة غير واضحة المعالم، كما أنه أخفق في توسيع دائرة اتصالاته الإنسانية خارج نطاق عائلته وأصدقائه الحميمين!

النموذج (ر) وهذا تتوفر له الرغبة، في حل المشكلات مع ضعف القدرة والبراعة في فن معاملة الناس. عرفت مؤخرًا أحد خريجي الجامعة، وكان يرغب في العمل كمصمم للإعلانات، ولكن خبراء الإعلان قرروا أنه لن يفلح في هذا العمل.. فقد كان عندما يحاول شخص أن يسدي إليه النصح والتوجيه، يغضب ويثور في وجهه.

وكلنا نعلم أن العالم مليء بأناس غالبًا ما يتشدقون برغبتهم في أن يصبحوا قادة أو برغبتهم في كسب المال الوفير، أو برغبتهم في أن يحظوا بالشهرة، ولكن هذه الرغبة تنقصها القدرة المطلوبة للتنفيذ والبراعة في معاملة من يحتكون بهم بطريقة مرضية.

النموذج (م) وتتوفر فيه البراعة في فن العلاقات الإنسانية مع ضعف في القدرة على حل المشكلات، وكذلك في الرغبة في إيجاد حل لها!أعرف صديقًا يحترف بيع الصابون، وهو رجل طيب حقيقة، ولكن من الواضح أنه ليست لديه الرغبة في بيع الصابون، كما أنه ليست له القدرة على أن يثبت لك المزايا التي تعود عليك إذا ما اشتريت الصنف الذي يبيعه دون سائر الأصناف، ولكنك تشعر وأنت تحادثه بالارتياح الذي يدفعك دفعًا إلى معاملته!وكثيرون جدًّا هم الذين يحتفظون بوظائفهم وأعمالهم لا لشيء إلا لبراعتهم في فن معاملة الناس، وتوطيد الصلات بهم.

النموذج (ق- ر) وهو يمتاز بالقدرة على حل المشاكل، وبالرغبة في إيجاد حل لها، لكنه تعوزه البراعة في فن معاملة الناس. أعرف زوجة لديها قسط وافر من الثقافة والتعليم، وعندها الرغبة في أن تنجح في حياتها الاجتماعية، ولكنها كثيرًا ما أهانت ضيوفها بسبب تعاليها، وغطرستها… كما أنها طغت على شخصية زوجها حتى أصبح يسير في ظلها، واعتادت أن تنتقد تصرفاته، وتعيب كل لفظ يتفوه به!والملاحظ أن معظم الخبراء والأخصائيين من هذا الطراز من الناس.. فهم يمتازون بقدرة ملحوظة، تعضدها رغبة قوية.. ولكنهم لا يقيمون للناس وزنًا كبيرًا… إنهم حتى عندما يصممون مشروعاتهم الإنسانية لا يدخلون الناس في حسابهم!

النموذج (ق- م) ويتميز هذا النوع بالقدرة على حل المشاكل، وبالبراعة في فن معاملة الناس، ولكن تنقصه الرغبة الحقيقية في إيجاد حلول للمشكلات! إن أفراد هذا النوع تنقصهم الدوافع القوية، والأهداف التي تحفزهم وتدفعهم برغم أنك تجدهم محبوبين من الناس، مرضيًا عنهم.

أعرف مدرسة شابة تضيع الوقت في شكليات اجتماعية لا طائل تحتها لأنها لا تعرف لها هدفًا، وتجهل ما تريد الوصول إليه! ومع ذلك فهي محبوبة من تلاميذها وأعضاء هيئة التدريس على السواء!

النموذج (ر- م) وهو يتمتع بالرغبة في حل المشكلات، والبراعة في فن معاملة الناس ولكن تعوزه القدرة على حل المشكلات!اتصل بي تليفونيًّا صديق كان يبحث عن سكرتيرة لنعمل في مكتبه الجديد الذي كان بصدد إنشائه، وكان الصديق غاية في اللهفة والحماسة لمؤسسته الجديدة… ولكني كنت أعلم، نتيجة لمعرفتي به، أنه من النوع الذي يتمتع برغبة شديدة في تنفيذ مشروعاته، وببراعته في فن العلاقات الإنسانية، وأعلم كذلك أنه في خلال السنوات العشر الماضية قام بعدة مشروعات لم ينجح في واحد منها! لذلك كان من الطبيعي ألا أتحمس في تزكية سكرتيرة له، لأنني في شك من مقدرته على أن يهيئ لها عملًا مستقرًا!

النموذج (ق- ر- م) وهو الذي يمتاز بتوفر العوامل الثلاثة أي القدرة على حل المشكلات، والرغبة في حلها، والبراعة في فن معاملة الناس.

فإذا قابلت شخصًا تتوفر فيه هذه العوامل الثلاثة كلها، فاعلم أنك قابلت الرجل النموذجي… الذي لا وجود له!ومهما يكن من تحتك بهم في حياتك اليومية، فإنك متى استطعت أن تردهم إلى النماذج التي قدمناها، وتكيف سلوكك وفقًا لما عرفته عنهم، فأنت الظافر آخر الأمر بالرضى والسكينة.

عن مجلة (يور لايف)

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *