(هذه السن ستفقدني عقلي) بهذه العبارة بادرتني صديقة لي ولزوجتي بينما كنا نسمر ذات أمسية.

قلت لها: (ولماذا لا تذهبين إلى طبيب الأسنان؟)..

قالت: (كنت على وشك أن أذهب، ولكن وقتي ضيق لا يسمح لي حتى بالتفكير في الذهاب إلى طبيب الأسنان.. إنني في الواقع لا أستطيع أن أتخذ قرارًا حاسمًا!).

قلت لها: (ولكنك قد اتخذت قرارًا.. فإنك عندما تؤجلين اتخاذ قرار، فأنت في الحقيقة تتخذين قرارًا. وعندما تمتنعين عن الذهاب إلى طبيب الأسنان، فإنك بذلك تقررين أن تزداد سنك ألمًا وتلفًا)..

وكانت تلك الفكرة جديدة على صديقتنا استجابت لها على الفور فتركت الحجرة، وعادت بعد خمس دقائق لكي تعلن، مزهوة، أنها تحدثت إلى طبيب الأسنان في التليفون وحددت معه موعدًا!..

وأعرف شابًا سرح من الجيش منذ سنة تقريبًا، وقد حدثني كثيرًا عن رغبته في الالتحاق بأحد المعاهد الليلية للدراسة، ولكنه لم يفعل.. وفي كل مرة كان يؤجل فيها قرار الالتحاق، إنما كان يقرر ألا يتقدم ولا يتعلم.

وأعرف سيدة في أواخر العقد الثالث تزداد سمنة كل يوم، وتتكلم كثيرًا عن (عمل شيء) لقوامها، وهذا كل ما في الأمر!.. فهي تستمر في الأكل بشراهة كما لو كانت قررت أن تزداد سمنة!

والسبب الرئيسي في أن معظم الرجال يصلون إلى سن الستين –سن التقاعد- دون أن يدخروا شيئًا يعيشون عليه، هو أنهم في شبابهم لم يوفروا مؤونة لشيخوختهم.. أي أنهم (قرروا) قضاء سنواتهم الأخيرة في فقر ومسغبة!…

ومعظمنا يعيش في عالم عجب من الأحلام.. فالشباب يعيش على أمل المستقبل.. والشيوخ يعيشون في كنف الماضي.. الشاب يقول (حين تواتيني الفرصة) والشيخ يقول (لو أنني كنت شابًا….).

***

حدثني شاب يشتغل بالإعلانات بأنه يطمح دائمًا في أن يكتب (عمودًا) واحدًا في مجلة أسبوعية، ولكنه ليس لديه الوقت.. وعندما فحصنا جدول أعماله في الأسبوع السابق، وجدنا أنه قضى ليلتين في لعب الورق، وذهب أمسيتين متتاليتين إلى السينما، وحضر حفلة راقصة في ليلة أخرى، كل ذلك في أسبوع!.

وحدثني موظف بوكالة إعلانات بأنه طالما اشتهى أن يرسم لوحات من الطبيعة منذ كان طالبًا في المدرسة العليا، وحين سألته هل أستطيع أن أرى بعض هذه اللوحات اعتذر قائلًا: (الحقيقة أنني لم أنته من واحدة منها، فقد كنت دائمًا منهمكًا في العمل من أجل العيش.. ولكني آمل في يوم من الأيام أن أدخر المال الذي يوفر لي وقتًا كافيًا للرسم)!.

***

وكلنا نعلم كيف يحاول الآباء أن يملوا على أطفالهم ما يختارون من أعمال… وكذلك للزوجات طريقتهن الخاصة في تثبيط عزائم الرجال عن متابعة الأعمال التي يحبونها، وخصوصًا إذا كانت تتطلب وقتًا أطول أو تقتضي تغيير المسكن!.. والأزواج في بعض الأحيان يثبطون عزائم زوجاتهم بممارسة هواياتهم أو قضاء معظم أوقات فراغهم خارج المنزل.. أعرف خريجًا حديثًا في كلية الطب يقوم بجميع أنواع المحاولات ليشتغل بالطب برغم أنه يكره المهنة ورجالها، فهو لم يختر الطب، وإنما أراد له أبوه أن يكون طبيبًا!

وأعرف شابًا آخر يعمل في التأمين على الحياة ولكنه يكره هذا العمل، ويريد أن يعود للعمل في الإذاعة، وقد واتته الفرصة أخيرًا ليحقق هذه الرغبة ولكنه رفض العرض لأن زوجته لا تريد أن تترك مسكنها!

وأعرف زوجة شابة درست الموسيقى قبل أن تتزوج، وكانت تريد أن تتدرب على الغناء، ولكن زوجها أبى عليها ذلك.. لقد فشل الزوج في أن يدرك أن زوجته ستكون أسعد، وتقوم بعملها المنزلي على وجه أحسن إذا شجعها على الاستمرار في هوايتها….

****

وفي جلسات ودية مع رجال ونساء من جميع الأعمار استمعت إلى حالات كثيرة كهذه التي سقتها ويمكنني أن أنقل عشرات منها إليكم.. ولكن الدرس المهم الذي نستخلصه من هذه الحالات جميعًا هو أنه عندما لا يعمل الشخص ما يقول أنه يريد أن يعمله، فإنه ينتقل لذلك أحد أعذار ثلاثة:

1- ليس لدي الوقت الكافي.

2- ليس لدي المال اللازم.

3- الناس لا تريدني أن أفعل.

فإذا كنت أمينًا مع نفسك وتأملت هذه المعاذير، فسوف تجد أنها ليست أسبابًا حقيقية للامتناع عن عمل ما تريد أن تعمله، ولكنها مجرد معاذير!..

عندما تشعر أنك ليس لديك الوقت الكافي لتفعل ما تود أن تفعله، فاذكر أن لديك من الوقت مثل ما لدى أي إنسان آخر: أربعة وعشرين ساعة في اليوم! أما كيف تقضي هذه الأربع والعشرين الساعة فهذا أمر متروك لك.

فإذا دونت على ورقة كيف قضيت كل ساعة من ساعات الأيام السبعة الأخيرة، فاعتقد أنك ستغير رأيك في هذا العذر الذي تتذرع به!

وربما لا يكون لديك الوقت الكافي لإتمام ما تريد أن تفعله، ولكن لا شك أن لديك الوقت الكافي لكي (تبدأ).. ولقد كتبت عشرة كتب في العشرين السنة الأخيرة، وكنت أعمد إلى الكتابة ساعة واحدة يوميًا!.

وعندما تشعر أنك ليس لديك المال اللازم لكي تقوم بعمل ما تريد، فاذكر أن المال أمر ثانوي.. ولا أقصد بذلك أن المال ليس مهمًا، ولكني أقصد أن أهميته تأتي في المرتبة الثانية.. ولا يمكن أن يأتي المال أولًا وقبل كل شيء!.

وادرس تاريخ حياة أولئك الذين كونوا الثروات الطائلة، تر أن المال جاء من بعد أن أنتجوا شيئًا..

أما العذر الثالث –وهو أن الناس لا تريدك أن تعمل ما تريد أن تعمله فاذكر أنك لن تصل إلى شيء ما دمت تسمح لنفسك أن يؤثر فيها الآخرون.. فمن المؤسف –ولكنها الحقيقة- أن أسوأ نصيحة توجه إلينا، هي تلك التي تصدر عن أولئك الذين نحبهم كثيرًا.. وآراء عائلتك وأصدقائك تجاهك كالرأي العام لا يستقر على حال، فكلما بالغت في طلب رضائهم لم تكسب إلا القليل، وكلما قل رضوخك لهم، زاد إقبالهم عليك، فالناس لا شعوريًا –تحترم الشخص الذي لديه الشجاعة ليكون نفسه!.

فإذا امتثلت لأحد هذه الأعذار (ليس عندي وقت).. (ليس لدي المال).. (الناس لا تريدني أن أفعل).. فالفشل عندئذ محقق!.. فاستغلال الوقت استغلالًا سيئًا، وعبادة المال والمحاولة اليائسة لإرضاء الناس تجتث كل رغبة من نفسك، وتحولك عن محاولاتك ومشروعاتك.

أما إذا حررت عقلك من هذه المعاذير السلبية الهدامة..

فعندئذ تكون نفسك، ولا يعوقك شيء عن أن تعمل ما تريد حقًا أن تعمله.

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *