توصّل فريق من علماء الفيزياء النظرية لتفسيرٍ جديدٍ يفسح العقل أمام سبب وجود كوننا بالشاكلة التي عليها الآن، وكيف ظهر في كل غرابته وروعته هذه.

ووفقًا لورقة بحثية جديدة، فإن الزمكان نفسه -النسيج الذي يتكون منه كوننا- ليس أكثر من كونه نتاجًا لميكانيكا الكم. ويمكن أن تُفسِّر التشوهات في نسيج الزمكان -وهو نِتاج ميكانيكا الكم حسب الورقة التي في أيدينا الآن- سبب حدوث ظواهر غريبة مثل التشابك الكمي (Quantum Entanglement) -وهي نوع غريب من الترابط قد يوجد بين الجسيمات- أنه يمكن للقوى المؤثرة على أحد الجسيمات التأثير على الجسيم الآخر، حتى وإن كانت تفصلهما مسافة كبيرة. والنفق الكمومي (Quantum tunnelling)، هي ظاهرة تخلل جسيم أولي لحاجز جهدي طبقا لميكانيكا الكم.

قد يبدو الأمر غريبًا، لكنه ليس كذلك؛ ففكر هذه الورقة البحثية هي أنها قائمة بالفعل على عدة فرضيات سابقة. في الحقيقة، يمكن لهذ الورقة أن تربط بشكل أساسي بين أكبر نظريتين في الفيزياء -النسبية العامة وميكانيكا الكم-.

 

وهذا يعني أننا سوف نحصل أخيرًا على نظرية الجاذبية الكمومية (Quantum Gravity) – نظرية كل شئ- والتي يسعى إليها الفيزيائيون منذ عقود.

 

وقال أحد الباحثين في هذه الدراسة الجديدة، باولو كاسترو (Paulo Castro) من جامعة لشبونة في البرتغال، مُخبرًا موقع Science Alert في مقابلة حصرية: «إذا تقبّل المرء فكرة أن الظواهر الجذبوية مثل: تكوين الأنظمة الكوكبية أو المجرات أو حتى الثقوب السوداء، تنشأ عن نفس الأصل الذي ينشأ منه التشابك الكمي وتأثير النفق الكمومي -والجاذبية بالفعل ذات طبيعة كمية- عندئذ يمكن أن يكون التوحيد بين فيزياء الكم والجاذبية في متناول اليد».

ودعونا لا نسبق الأحداث، ولنُفصّل ما يجري هنا.

لكل شخص أرّق نومه بالليل السؤال عن مما صُنع الكون، وربما تكون على دراية بأن الإجابة -على حد علمنا، وهو أفضل ما توصّلنا إليه- هي نسيج الزمكان (The Space-time Fabric).

 

الزمكان هو النسيج الغريب الذي يدمج مفهومي الزمان والمكان، هو الفضاء بأبعاده الأربعة، الأبعاد المكانية الثلاثة التي نعرفها: الطول والعرض والارتفاع، مضاف إليها الزمن كبعد رابع. ويعتبر العلماء نسيج الزمكان كالمسرح (أو الخلفية النظرية) للكون والتي تجري عليه كل الأحداث الكونية.

 

ولنُسقط كلامنا على ما يجري في السماء؛ فعندما تنشأ الموجات الثقالية (Gravitational Waves) عن تصادم ثقبين أسودين هائلين في الحجم، فإنها تنتشر على هيئة تموجات في انحناء الزمكان.

 

في الحقيقة، ووفقًا لنظرية أينشتاين في النسبية العامة، فالجاذبية هي في الواقع سمة من سمات الزمكان، والتي تنشأ كنتيجة لانحناء نسيج الزمكان بسب الكتلة الهائلة للأجسام الضخمة مثل الشمس أو الأرض.

 

الأمور على ما يرام حتى الآن، ولكن هنا تكمن المشكلة. في حين إن الجاذبية قد تم فرزها وشرحها في النسبية العامة، فإن ميكانيكا الكم لم تتمكن من شرح قوة الجاذبية بشكل كامل.

 

وهذا بدون ذكر أيضًا من الظواهر الغريبة الأخرى التي لدينا الآن أدلة عليها ولكنها لن تُفسر تماما؛ مثل التشابك الكمي والنفق الكمومي، حيث تبدو المعلومات أنها تنتقل بسرعة أسرع من سرعة الضوء. ولكن كيف يتلاءم هذا مع النسبية العامة؟

وهذا السؤال الأخير يُعيدنا مرة أخرى إلى الورقة البحثية التي بحوزتنا في هذا المقال.

 

ووفقًا للنظرية الجديدة التي افترضتها كاسترو وفريقه، فإن منشأ وأصل الزمكان قد يحمل الإجابة.

 

وقال كاسترو: « في النسبية العامة، الزمكان موجود مُسبقًا وهو يشبه مادة ثلاثية الأبعاد وقابلة للطي وكل ما يحدث في العالم يحدث داخله». وأضاف: «يتم تحديد المسارات المحتملة لجميع الأجسام وسرعاتها بالطريقة التي تنحني بها الكتل كبيرة جدًا -مثل الكواكب أو النجوم- نسيج الزمكان. وهذه هي الجاذبية».

 

«في اقتراحنا، لم يكن الزمكان موجودًا مسبقًا، بل هو نتيجة عملية فيزيائية ينتقل بواسطتها الوسط دون الكمي (subquantum medium) -وهو الوسط الذي ينبع منه السلوك الكمي- من حالة فوضوية إلى حالة أكثر تنظيمًا».

هذا الوسط دون الكمي هو شيء يصفه كاسترو بأنه: «نوع من الرغوة الأولية حيثُ منشأ الزمكان».

 

يمكنك أن تفكر في ذلك مثل حساء ميسو الكمومي؛ في البداية يتم مزج وتحريك كل شيء، بحيث لا يمكن تمييز أي شيء من الفوضى. ولكن مع استقرار وسكون الحساء ويصبح أكثر “تنظيمًا”، تبدأ التراكيب في الظهور.

 

يقول كاسترو: «الواقع، أنّه في نظريتنا؛ تتوافق هذه الحالات المنتظمة مع الموجات دون الكمية، فارضةً بهذا كيف يتصرف الفضاء (المكان) والزمن، مما يؤدي إلى حالات شاذة، مثل حالات التشابك الكمي وتأثير النفق الكمومي».

«بما أن السلوكيات المختلفة للزمكان هي -بطبيعة الحال-بفعل الجاذبية، يمكنك الآن القول إن الجاذبية هي ظاهرة كمومية».

 

في الوقت الراهن هذا كله كلام نظري بحت، ولكن الباحثين يعملون على ابتكار طرق لاختبار أفكارهم.

ومن بين الأفكار التي هي محل نظر الباحثين -هم القائمون أنفسهم على الورقة البحثية المذكورة- الآن؛ ذلك النمط الغريب “الكمي” الذي يظهر في وضع الكواكب في نظامنا الشمسي، وافترض الباحثون وجود موجات دون كمية ثابتة حول شمسنا. وإذا تمكنوا من تأكيد ذلك، فقد يساعد على إعطاء مزيد من القوة لأحدث نظرياتهم وهي أن الجاذبية ظاهرة كمومية.

 

ما زال الطريق طويل، ولكنها نقطة انطلاق مثيرة جدًا لإجراء المزيد من الحسابات والتجارب الفكرية.

وبعد كل شيء، يمتلئ الكون بعدد لا يُحصى من الظواهر التي لا يمكننا شرحها، ويتم إضافة المزيد إلى القائمة بشكل متكرر. في حين يقترح العديد من الباحثين بأن هناك حاجة إلى «فيزياء جديدة» لشرح ما يحدث، حيث إنه من المريح أنْ نفكر في أننا نستطيع أن نزيد من فهمنا لواقعنا فقط من خلال إعادة التفكير في النماذج الحالية لدينا وإعادة تقييمها.

 

ترجمة: أحمد رجب رفعت.

المصدر: https://goo.gl/GFthDY

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *