هل اتخذت لنفسك مثلًا أعلى!.. إن قراءتك لسير عظماء الرجال تفتح أمامك السبل إلى حياة أفضل…
هل اتخذت لنفسك مثلًا أعلى تحتذيه…؟
لقد حركت سير عظماء الرجال مواهب الألوف من الناس كانوا يتعثرون في حيرتهم فحفزتهم هذه السير إلى المضي قدمًا في تحقيق جلائل الأعمال.
هناك (هافلوك أليس) مثلًا، لقد اختُصَّ برأس ضخمة شوهاء، جعلته بالإضافة إلى ضعف بنيته يحيا حياة منطوية بلا رجاء. وعندما أبحر مع أبيه في إحدى الرحلات اضطر للتخلف في أستراليا لعدم استطاعته متابعة الرحلة إلى كلكتا نظرًا لسوء صحته.. وفي أستراليا ألحق بمدرسة صغيرة منعزلة، قضى فيها ردحًا من الوقت وهو لا يدري ماذا يصنع بحياته.
وفي إحدى الأمسيات، وكان يقرأ حياة ورسائل (جيمس هنتون) التي يصف فيها كيف صار من أحذق الجراحين وأشهر الفلاسفة، استطاع أن يجد الجواب لسؤاله.. لقد توقد أليس كالضوء الساطع وهو يقرر لنفسه أن يغدو طبيبًا.. وعاد إلى لندن حيث دخل مدرسة الطب، وكان ذلك بداية خطواته المتوثبة حتى صار واحدًا من أشهر وأنجح الأطباء العالميين.
وكان (مورس) ابنًا لرجل له من الأولاد أحد عشر طفلًا… وفي سن العاشرة قرأ كتاب بلو تارك (سير المشاهير) فأعجب بقادة اليونان ونبلاء روما القديمة… وكأنما أشعل الكتاب النار في الغلام الصغير، فلم ينقضي أكثر من ربع قرن حتى اكتسب مورس شهرته كرسام، ثم تسنى له أن يزداد شهرة بعدما تم له اختراع التلغراف، ولاشك أن كتاب (بلو تارك) كان حافز مورس لكي يصل إلى قمة المجد!
ولقد لعب هذا الكتاب نفسه دورًا كبيرًا في حياة الكثيرين من الشبان الذين خلدهم التاريخ. فكان نابليون يحمل منه نسخة لا تغادره أبدًا.. كما أثر هذا أيضًا على (بنجامين وست) المصور الأمريكي، فجاءت أغلب لوحاته معبرة عما صوره بلو تارك بالكلمات ولكن بالفرشاة والألوان!
وقد ألهمت سيرة (بنجامين فرانكلين) أحد الإيرلنديين النازحين إلى أمريكا، فجعلته من أشهر الذين اشتغلوا بالصحافة… إنه (جيمس جوردن بنيت) مؤسس (النيويورك هيرالد)!
أما (لويولا) الذي ظل حتى بلغ الثلاثين مجرد بحار أسباني أصيب بجرح في ساقه، فقد استطاع في فترة نقاهته أن يقرأ سير القديسين، وكان ذلك سببًا قويًا دفعه للسير في طريق المسيح وتم تكريمه قديسًا على يد البابا جريجور الخامس عشر.
(اقرأ دائمًا سير عظماء الرجال) هكذا يقول (لويس باستور) فإن مشاهير الرجال الذين أسدوا خدماتهم للعالم، والذين ما زالوا يسددون له الخدمات يعتبرون بحق شعاعك الهادي إلى النجاح والشهرة، فاتخذ لنفسك مثلًا أعلى وداوم على توطيد معرفتك به عن طريق القراءة.
ولاشك أن في الاطلاع معرفة وثقافة تستطيع أن توسع بها آفاق حياتك وخاصة إذا وقعت على الطريقة المثلى للقراءة. وثمة قول مأثور عن (سير ولترسكوت) الروائي الأشهر يقول (إن أحسن ما يحصله المرء من ضروب المعرفة هو ذلك الذي يحصل عليه بنفسه) وكان تشارلز دارون العالم الطبيعي المعروف يردد دائمًا: (كل ما له قيمة في حياتي علمته لنفسي بنفسي)!
لقد درس توماس مدجلاي الكيمياء –على صعوبة دراستها- بنفسه، واستخدم علمه في اختراع غاز الأثيل الذي ينتفع به في عمليات التبريد وتكييف الهواء.. وكذلك فعل (جيمس هل) بعد أن طرد من المدرسة لفظاظة أخلاقه، واستطاع بعد ذلك أن ينشئ خطوط سكة حديد الشمال الكبرى التي تضارع أكبر وأعظم سكك الحديد في العالم! وكان (هل) دائم القول (يجب أن تقرأ وتلاحظ ما تقرأه ثم تتذكره دومًا) فأنت إذن لا تكفيك القراءة، وإنما يجب أن تستوعب قراءتك وتحتفظ بها لكي تستطيع استخدامها في الأوان المناسب.
ونحن لا نستطيع إنكار الدور الذي تلعبه الكليات والمعاهد في تثقيف الناس وتعليمهم، ولكننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن ما يقدم لنا بين أروقة الكليات هو أقل القليل بالنسبة لما نتعلمه نحن بأنفسنا!
واعلم أن القراءة المرتجلة غير المنظمة لا تفيد. فبادر منذ الآن بوضع نظام ثابت تسير عليه في قراءتك. لقد تردد أديسون على المدرسة ثلاثة شهور متوالية نصحه بعدها المدرس بالإقلاع عن الدراسة لأنه لا يرجى منه نفع!. وتمكنت أمه من تعليمه القراءة والكتابة والحساب. وفي أحد الأيام ذهب إلى مكتبة عامة واستعار أول كتاب وقع في يده… وعندما انتهى منه قرأ الذي بجواره… وسأله أمين المكتبة يومًا عن عدد الكتب التي قرأها فأجابه: خمسة صفوف!
واستمر أديسون في قراءته بلا مرشد وبلا خطة… مجرد قراءة رف إثر رف حتى أرشده أمين المكتبة إلى الطريقة المنظمة للقراءة؛ الأمر الذي خلق من أديسون –ذلك التلميذ الذي لم تكن ترجى منه فائدة- واحدا من أعظم علماء عصره!
فبادر منذ الآن بطلب المعونة من أصحاب الرأي في الموضوع أو الميدان الذي تهتم به، وتابع دائمًا كل ما يكتب عنه، وآخر ما حدث فيه من تطورات… وعليك باقتناء الكتب.. اشتر منها ما يكفي لتكوين مكتبة تستخدمها كمرجع فيما يعن لك من موضوعات.
لقد كان الإخوة (مايو) أصحاب المستشفى الشهير المعروف باسمهم ينفقون ساعة على الأقل يوميًا في قراءة الكتب الطبية..
وبعض الطموحين من الناس يحاولون الارتفاع بمستوى معيشتهم عن طريق العمل الإضافي، فيشتغلون إلى جانب عملهم المعتاد أربع ساعات أخرى إضافية في عمل آخر. وصحيح أن هذا يكفل لهم دخلًا أكثر، بيد أنه يرهقهم ويضاعف من تعبهم فلا يمارسون عملهم في حماسة ونشاط، ونادرًا ما ينالون ترقية أو مركزًا ممتازًا. فلو أنفقت هذه الساعات الأربع الإضافية في القراءة المثمرة لتسنى للواحد منهم أن يحصل على مركز ممتاز ودخل أكبر.
ونحن ننظر إلى العامل غير الماهر على أنه مجرد يد عاملة عادية، لأنه يقوم بعمل لا يتطلب منه حنكة ولا دراية. وليس هذا صحيحًا بالنسبة للعمال فحسب، وإنما هناك أيضًا الموظف العادي، والطبيب العادي، الذي قد يفنى الواحد منهم نفسه في العمل، ولكنه لا يؤديه في صورة جديدة مبتكرة، وذلك لانعدام محصوله من القراءة المثمرة، والتفكير الخلاق.
إن القراءة المثمرة هي التي تفرق بين الإنسان الخامل، والرجل المجدد المبتكر. فعليك بالإكثار من القراءة تعثر حتمًا على مفاتيح الفرص الأفضل في الحياة.
وتستطيع منذ الآن أن تقرر عدد ساعات اطلاعك، وكلما زاد محصول ثقافتك اتسعت أمامك فرص النجاح.
وكما تصنع الكتب الأفراد فإنها تصنع الأمم أيضًا. فهناك مثلًا كتابات فوليتير اللاذعة التي تناول فيها الشئون السياسية والاجتماعية في عصره.. لقد أثرت في الرأي العام حتى قيل بحق أنها وضعت البذرة التي خرجت منها الثورة الفرنسية.. وكانت قصة بيتشر سنو (كوخ العم توم) التي ذاعت شهرتها في العالم أجمع سببًا في إثارة الأفكار التي أشعلت نار حرب تحرير العبيد في أمريكا. و(كفاحي) الذي كتبه هتلر وهو في السجن، وضع أساس فكرة النازية التي حاولت أن تستولي على العالم في أحد الأيام.
إن القراءة ليست سببًا في رفعة أو انحدار الأفراد فحسب، ولكنها تلعب نفس الدور بالنسبة للأمم أيضًا. إنها قوة جبارة حقًا… وأنت وحدك الذي تستطيع أن تستخدمها فيما يعود عليك بالنفع.
وثمة قصة يعرفها سكان مدينة فرانكلين القريبة من رود آيلند، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى بنجامين فرانكلين. فقد أرسل أهل المدينة يطلبون من فرانكلين أن يهديهم ناقوسًا لكنيسة المدينة الجديدة، بيد أن فرانكلين بادر بإرسال 116 كتابًا كانت نواة لما عرف فيما بعد باسم (مكتبة الولايات المتحدة الأمريكية الأهلية). فلقد أدرك فرنكلين –وهو الرجل الذي علم نفسه بنفسه- مبلغ النفع الذي تقدمه القراءة للناس.
فاذكر دائمًا أن الكتب والمجلات هي خير صديق يستطيع أن يبذل لك المعونة لكي تصل إلى مستقبل أفضل.
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق