
تصوير فنان لمركبة الفضاء “أوروبا كليبر” بالقرب من قمر أوروبا أحد أقمار المشترى
يُعتبر القمر الجليدي أوروبا (Europa) -أحد أقمار المشترى- واحدًا من أكثر العوالم الاستكشافية إثارة، وهذا هو السبب في إصرار علماء ناسا على تصميم المركبة الفضائية «أوروبا كليبر- Europa Clipper» في سبيل سبر أغوار هذا العالم العجيب.
ومن المُقرر إطلاق أوروبا لكليبر بحلول عام 2023، ثم تتجه إلى نظام المشترى وتقوم بالمرور أربعين مرة تقريبًا بالقمر الجليدي الغامض، وبمجرد وصولها ستجمع المركبة الفضائية معلومات حيوية عن جيولوجية القمر وتكوينه والمحيط الداخليّ الخفيّ. ولكن قبل أن يتمكن الفريق من العمل على بناء المركبة الفضائية، سيتعيّن عليه القيام بالمراجعة وإعادة النظر للمرة الأخيرة.
وصرّح روبرت بابالاردو Robert Pappalardo- عالِم الكواكب في مختبر الدفع النفّاث التابع لوكالة ناسا، وعالم المشروع في البعثة- لموقع Space.com « لم نتمكن من القمر أوروبا بعد؛ فهناك هذه الألغاز الرئيسة التي مازلنا نحاول فهمها» وأضاف« ستُخبرنا أوروبا كليبر الكثير عن كيفية عمل الأقمار الجليدية (Icy Moons)، فالأقمار الجليدية هي- على الأرجح- البيئات الصالحة للسكن الأكثر شيوعًا في الكون؛ لذلك فاستكشاف أوروبا هو أمرٌ مدهشٌ للغاية».
لن تكون هناك أي حياة على سطح القمر الجليدي؛ ستكون مُخبأة في المحيطات الداخلية، حيث تحافظ قوة السحب الناتجة عن جاذبية الكوكب المجاور على سيولة الماء. كل أنواع الحياة- كما نعرفها الآن- يستلزم نشأتها وجود الماء، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يوفر النشاط الجيولوجي في قاع المحيط الداخلي مواد كيميائية لتغذية الكائنات الدقيقة، كما أنّ طبقة الجلي (على السطح) من شأنها أن تمنع الإشعاعات الخطرة التي تعصف بالسطح. لذا؛ في حين أن هناك الكثير من العلوم الأخرى (جيولوجيا، كيمياء، …) التي يمكن القيام بها وتطبيقها على القمر أوروبا، فإن فهم صلاحية القمر للسكن-أو عدمه- هو جزء أساسيّ من المهمة. وقال بابالاردو «الناس يهتمون بهذه البعثة، ويريدون كذلك أن يعرفوا عن هذا العالم الغامض الذي قد يأوي الحياة، وهذا سبب مهم حقًا ومحفِّز للقيام بذلك»
ستحمل المركبة الفضائية مجموعة من تسع أدوات مصمَّمة خصوصًا للعمل معًا على حل بعض من تلك الألغاز الكبيرة، وتقييم مدى صلاحية القمر للحياة. وخلال زيارة المركبة للقمر أوروبا، ستأتي المركبة الفضائية على بعد 15.5 ميل (25 كيلومتر) من سطح القمر، وهذا بشير خير بالنسبة للعلماء في المهمة. وقالت كريستينا ريشي (Christina Richey) -عالمة ذات مكانة في بعثة أوروبا كليبر- لموقع Space.com « ستتاح الفرصة للحصول على صور رائعة»
تلك القشرة الجليدية، التي تغطي سطح القمر، لديها الكثير من الأسرار، وليس أقلها كم سمكها. السمات التضاريسيّة الأكثر شيوعًا على السطح هي التلال، والعلماء غير متأكدين من كيفية تشكُّلها. قد تسمح الفجوات الموجودة في الغطاء الجليدي بإطلاق أعمدة من مياه المحيط الداخلي في الفضاء، كما يحدث أيضًا في أكثر أقمار المريخ الجليدية شهرةً: القمر إنسيلادوس (Enceladus).
ويبدو أن هناك نوعًا من العمليات التي تنطوي على تحريك كُتل من الجليد على طول سطح القمر أوروبا، لكن تفاصيل ما يقودها ما زالت لغزًا. قال ديفيد سينسكي (David Senske)، نائب عالِم المشروع في أوروبا كليبر، لموقع Space.com« هناك الكثير من وجهة نظر الجيولوجيا التي لم نشهدها بعد، ونحن نحصل فقط على رسومات»
من أجل سبر أغوار تلك الأسرار، فإن المركبة الفضائية وأدواتها ومديريها يعتمدون على التكتيكات التي تم تطويرها في البعثات السابقة مثل البعثة جونو (Juno) المُرسلة إلى المشترى، ستعتمد المركبة الفضائية على الطاقة الشمسية في المناطق الباردة لنظام المشترى.
ولكن هناك تحديّات جديدة للتصدي لها أيضًا، مثل اختيار مسار للمركبة الفضائية لمتابعة نظام المشترى، في عملية تسمى تخطيط المسار (trajectory planning)، والتي يشير إليها سينسكي مازحًا بـ«السحر الأسود». لن تدور المركبة الفضائية حول القمر مباشرة؛ لأنها ستتعرض للكثير من الإشعاع إذا فعلت ذلك. لكن هذا التقييد – في مدار المركبة- يقدم فوائد أيضًا، مثل التقاط نظرة خاطفة على أقمار أخرى. وقالت ريتشي «من المؤكد أن القمر أيوا (Io) موجود هناك. من لا يريد أن ينظر إلى الجسم الكوكبي الذي يُشبه المصاب بالجدري؟!»
عملية تخطيط المسار هي مسعى رياضي معقد، وسيحدد الاختيار النهائي بدقة ما يمكن القيام به خلال ممرات البعثة فوق أوروبا. هذا هو السبب في أن فريق المسار سيخرج بمجموعة من الخيارات المتاحة للفريق في كل أداة لتقييمها؛ من أجل اختيار واحدة مع أفضل الإمكانات العلمية الشاملة.
وتحديد مركبة الإطلاق هي عملية منفصلة عن تحديد مسار المركبة الفضائية إلى نظام المشترى في المقام الأول، والتي تنتظر قرارًا من ناسا بشأن صاروخ الإطلاق الخاص بالبعثة. ستقوم كليبر بالانطلاق إما بواسطة نظام الإطلاق الفضائي الخاص بالوكالة لرحلة مدتها ثلاث سنوات، أو بواسطة SpaceX Falcon Heavy، والتي من شأنها أن تمد الرحلة إلى خمس أو ست سنوات.
وبينما ينتظرون اتخاذ قرار، يركز الفريق على العقبة الحالية: معالجة الأسئلة التي أثيرت حول مراجعات المكونات الفردية للمشروع وكيفية تفاعلها. حالما يتم معالجتها، سيدخل المشروع ما يسميه مصممو المهمة المرحلة C، والتي تتضمن تحديد الميزانية النهائية للمشروع والبدء في بناء المركبة الفضائية الحقيقية. وعلّقت ريتشي «حينها يبدأ المرح»
وفي غضون ذلك، فإن الخطر الرئيس هو أن قطعة واحدة من المركبة الفضائية قد تبتعد أو تتحرك قليلًا بعيدًا عن الباقي، مما يجعل من الصعب على المهندسين سحب كل شيء معًا. وقالت ريتشي «إنه دائمًا وقت مرهق لأي فريق، لكنِّي أعتقد أن هذا الفريق يتعامل معه بشكل جيد، واعتقد أننا جميعًا متحمسون لبدء الإنشاء» وأضافت « إنه نوع شبيه بلعبة ترتيب الأحجار Tetris، ولكن بشكل أكثر تعقيدًا، حيث يصطف هذا الصف بطريقة رائعة، وتبدأ شرائح أخرى في الصعود والعمل، ولكنك تريد التأكد من أنك لا تحصل على قطعة أو شريحة بعيدة جدًا عن بقيتهم»
بالنسبة لبابالاردو -الذي شارك في المهمة في أيامها الأولى، ويتذكر النضال من أجل بناء الدعم للمركبة- فقد صرّح مُعبّرًا «إنه لأمر مدهش! علينا أن نتحرك بسرعة للوصول إلى أقرب وقت للإطلاق، والذي سيكون في عام 2023. في بعض الأحيان، تتوقف وتدرك أنك في هذا النهر الذي يندفع بسرعة، وهو يحملك معه فقط لأن هناك الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام بها»
وسيظل بحثنا عن أماكن صالحة للحياة خارج كوكبنا العزيز، وسبر أغوار الكون الفسيح هما دافعانا للعلم والعمل.
ترجمة: أحمد رجب رفعت
المصدر: https://goo.gl/NMt6Uu
لا تعليق