للدكتور محمد مظهر سعيد
عميد مفتشي علم النفس بوزارة التربية والتعليم سابقًا
قرأت يا سيدتي –في المقال السابق- كيف تنأى الزوجة بزوجها عن النجاح.. وفيما يلي يحدثك ثلاثة من الناجحين، كل في ميدانه، عن الدور الذي لعبته زوجاتهم في تهيئة النجاح لهم.
تشابهنا في الميول، والثقافة، والوظيفة
يرجع نجاح الإنسان في الحياة إلى عاملين: العامل الشخصي المتمثل في قدراته، واستعداداته، ومبلغ نشاطه، وسائر العوامل التي تكون أسس شخصيته؛ والعامل الثاني يتمثل في البيئة التي نشأ فيها وهو طفل وشاب، ثم في حياة الزوجية…
وليس من شك في أن الراحة، والاطمئنان، والتعاون الإيجابي التي يستمتع بها الزوج في حياته الزوجية من أهم العوامل –إن لم تكن أهمها- في تكوين الشخصية الممتدة، والفكر الهادئ الرصين، والنفس الخالية من الصراع والعقد… وهذه كلها عوامل تدفع بالإنسان في طريق النجاح… وقد أمنت لي زوجتي هذه الناحية في أتم صورة لأن اشتراكنا في معظم الأسس التي تقوم عليها حياتنا في الأسرة، والوظيفة، والمجتمع، كاد بتوفيق الله، يكون كاملاً…
فمن ناحية الثقافة تخرجنا في معهدين مصريين متماثلين، وهما (المعلمات السنية)، و(المعلمين العليا).. ثم أكملنا دراستنا في إنجلترا في جامعتين مختلفتين هما (لندن) و(برمنجهام)، ولكن في نفس الموضوع ونفس الاتجاه حتى تخصصنا في علوم النفس والتربية والاجتماع والفلسفة، إلى جانب الرياضيات العالية… وعدنا أستاذين في معهد التربية العالي للمعلمين ثم تزوجنا، وسرنا في سلك الوظائف، في نفس الوظائف والدرجات والمرتبات… وتدرجنا من مفتشين، إلى مفتشين عامين، ثم انفردت أنا بالناحية العلمية كعميد، وهي بالناحية الإدارية كمراقبة عامة، وهما عملان مشتركان أيضًا…
ومن الناحية الاجتماعية تكاد تكون لنا نفس الميول والاتجاهات، فقد ساهمنا معًا في الحركة الوطنية منذ عام 1919، ثم في حركة الإصلاح الاجتماعي، واشتركنا في نفس الجمعيات والهيئات العلمية والثقافية والاجتماعية… بل إن طريقنا في الدعوة إلى الإصلاح يكاد يكون واحدًا… فنحن نكتب في الصحف، ونخطب، ونحاضر، ونذيع، ونشترك في الندوات والمناظرات.. وكذلك نشترك في النواحي الفنية؛ فميولنا في الموسيقى، والرسم، والشعر، والأدب تكاد تكون واحدة…
ثم إن تقاربنا في السن، وفي المستوى الاجتماعي، يجعل الصورة كاملة… وقد ساعدنا هذا الاشتراك المتعدد النواحي على تكوين فلسفة خاصة في الحياة، وعلى أن نرسم دستورًا نلتزمه في معاملتنا لأنفسنا وللناس…
ومثل هذه الحياة الهادئة المتعاونة تضفي على الإنسان جوًا من الهدوء والاطمئنان والتعاون، كفيلًا بأن يساعد الإنسان على أن ينظر للحياة نظرة عملية واقعية، وأن يفكر في مشكلاتها تفكيرًا منطقيًا متزنًا، وأن يواجهها بعزم وتفاؤل، ومن ثم النجاح… ولهذا أعتقد أننا نجحنا معًا، وبلغنا الغاية التي نرجوها بمقاييسنا نحن التي قد تخالف مقاييس الناس الذين يقيسون الحياة بمقدار ما أصابوا من مال أو وظيفة أو جاه، ناسين أن صفاء النفس ورضا الضمير عن الماضي والحاضر، هما متعة الحياة والمقياس الحقيقي لنجاح الإنسان فيها…
وأعترف بأن هدوء زوجتي واتزانها، ورجاحة عقلها، وبعد نظرها، كانت لها أكبر الأثر في تلطيف بعض النواحي التي كانت جامحة قبل الزواج من اندفاع في القول والعمل، والخصومة في المنافسة، والضيق بالظروف وبالناس، والصراحة المؤلمة… هذا إلى جانب أثرها البارز في تنظيم الحياة نفسها. فقد كان اندفاعي فيها يحول دون الانتظام في مواعيد الأكل، والنوم، والزيارات، وقضاء وقت الفراغ… فساعدتني على تنظيمها وفق أصول علم النفس الحديث، مما يوفر الجهد الوقت، ويفسح المجال للانتفاع بأكبر قدر من النشاط الحيوي في العمل المنتج المفيد…
ومما هو جدير بالذكر، أننا برغم اشتراكنا الذي يكاد يكون تامًا في النواحي التي ذكرتها، فإن كلا منا مستقل بشخصيته، وتفكيره، ورأيه، وإنتاجه بحيث يطالع مقالات الآخر، ويستمع لمحاضراته كما يفعل جمهور القراء والمستمعين!..
بل كثيراً ما اشتركنا في مناظرات عامة، وفي لجان رسمية مهمة، وكان كل منا في طرف، ولذلك كان إنتاجنا مزدوجًا، وأمكننا بهذا أن نخلق لأسرتنا الصغيرة شخصية معنوية قوامها شخصيتانا المنفردتان المتحدتان، فلم يندمج أحدنا في الآخر، ولم يتلاش فيه…
وهكذا وفرت لي زوجتي عوامل النجاح الفردية، والأسرية، والاجتماعية… وأرجو أن أكون قد وفرت لها شيئًا من هذا، والحكم في هذا متروك لرأيها الخاص…
وثقت مني فدفعتني للإنتاج
للأستاذ الحسين فوزي
الأستاذ بكلية الفنون الجميلة
أعتقد أن ثقة زوجتي المطلقة بي كانت العامل الأكبر في نجاح حياتنا الزوجية والعملية.. فزوجتي تربت تربية تقدمية متحضرة كان من أثرها أن تحررت من الغيرة التي هي العدو الألد للفنان الزوج الذي يحتم عليه عمله الفني أن ينشد الجمال ليبدع ويبتكر… ونصيحتي لكل فنان أن يخلق الثقة بينه وبين زوجته حتى تطمئن، وحتى يأمن هو القلق، والتنغيص اللذين تجرهما الغيرة.
وقد مهدت أنا لزوجتي سبيل الوثوق بي، وأقنعتها بأنني أهل لثقتها عن طريق سلوكي وتصرفاتي.. فالثقة يمكن أن تخلق، وتنمى بين الزوجين، وما دامت الثقة متبادلة بين الزوجين فهما خليقان بأن تغمرهما السعادة، وحيث تتوفر السعادة يتوفر حب العمل، وإذا أحب الإنسان عمله أنتج…
ثم إذا كان لي أن أنصح الزوجات بشيء، فإني أنصحهن بأن يكن (ستات بيوت) وزوجتي ست بيت ممتازة فإني أعود إلى المنزل، فأجد طلباتي كلها جاهزة مما يساعدني على توفير وقتي، وتحببني في البقاء بالبيت، ولذلك قلما أخرج من بيتي لأني أحبه، وحبي له يرجع إلى ما توفره لي زوجتي فيه من أسباب الراحة.
والعامل الثالث لنجاحي هو أن زوجتي فنانة تهوي الرسم والفن، أي أننا متقاربان في الميول، وكثيرًا ما أتخذ منها (موديلا) للوحاتي.
كما أن زوجتي كثيراً ما تتحمل بصدر رحب ما يبدر مني من شذوذ الفنان ونزعاته، فقد تنتظرني على الطعام إلى وقت متأخر حتى أفرغ من رسم إحدى اللوحات… وعلى الجملة فإن مرونتها وتقبلها لأهوائي، وحسن فهمها لي ولعملي، كان لها أكبر الفضل في سعادتي الزوجية والعملية.
أسعدت حياتي فيسرت لي النجاح
للأستاذ السيد أبو النجاح
مدير عام دار (أخبار اليوم)
وضعت مجلة (حياتك) هذا العنوان أمامي، ثم طلبت مني أن أكتب فيه وكأنها افترضت سلفًا أن زوجتي هي التي دفعتني إلى النجاح… بل كأنها افترضت أني نجحت!..
والواقع أني سعيد بهذا القدر من النجاح الذي أصبته، معترف بأن زوجتي كانت عاملًا أساسيًا في هذا النجاح… وكيف لا تكون، وهي التي أسعدت حياتي في البيت، فيسرت لي السعادة في العمل؟!. بل كيف لا… وهي التي أنجبت أولادي، وأشرفت على تربيتهم فنجحوا ونجحت بنجاحهم؟!
والأزواج جميعًا يقولون أنهم تزوجوا عن حب… حب بدأ مع المصادفة، ثم نما وترعرع… والزوجات جميعًا يقلن أنهن أحببن أزواجهن عن خبرة بعدما تبين الصفات التي يتحلى بها الأزواج، أما نحن فعجب بين الأزواج جميعًا!..
لقد تزوجت امرأتي على النظام القديم… القديم جدًا… الذي كان يسود الريف، والذي قد تكون له آثار في الصعيد!.. فقد تعرفت إلى والدها، وهو طبيب، لأني كنت أتردد على عيادته وأنا ولد ناشئ كلما مرضت… وكان يعجبني فيه أنه رجل مستقيم، يعود إلى منزله بعد العيادة فلا يخرج منه إلا إلى عيادته في اليوم التالي… وقد كان في أثناء مقامه في المنزل يعتني بأسرته وأولاده فيلاطفهم ويتحدث إليهم، ويلاعبهم. وكنت أنا محرومًا من أمي، إذ ماتت وأنا في السنة الأولى من عمري، فحرمت عطفها وحرمت مع العطف جو الأسرة… فلما تعرفت إلى (الدكتور عبد الحميد الغمراوي)، تمنيت لو انضممت إلى أسرته، وسألت قريبًا لي يعرف الدكتور الغمراوي عن قرب، إن كان له بنات، فقال أن له بنتًا في الثالثة عشرة!.. وفركت يدي فرحًا وسروراً، ثم ذهبت في التو والساعة إلى عيادة الدكتور.. ذهبت في سذاجة أطلب يد ابنته، وأنا في الحادية والعشرين من عمري، ومدرس بمدرسة التجارة المتوسطة بالظاهر، ومرتبي خمسة عشر جنيهًا، ودخلي من حصتين ليليتين جنيه ونصف جنيه في الشهر!
عرضت عليه أن أتزوج ابنته فعجب للمفاجأة، ولكنه لم يقطع الحديث… بل أثنى على ما يعرفه من أخلاقي، واستمهلني إلى أن يفكر في الموضوع… وامتدت الخطبة ثلاثة سنوات حتى كبرت خطيبتي دون أن أراها، ولو من بعيد!… ثم قدمت الشبكة دون أن أراها ولو من بعيد!.. ثم تم الزفاف، فرأيتها من قريب!.
هكذا تم زواجي… وقد كانت مقدماته تدعو إلى أن يكون زواجًا فاشلاً، ولكنه نجح، فدعاني إلى النجاح!
وسافرت مع زوجتي بعد ذلك إلى إنجلترا، فساعدتني على النجاح في بعثتي… وكانت أتردد على ستوديو مملوء بالعرايا لأن ذلك من مستلزمات عملي، فلم تعترض، بل وثقت…
وعدت فاشتغلت بالإعلان، وفتحت مكتبي الذي كان يتردد عليه بعض صغار الممثلات لأصورهن في أوضاع إعلانية مختلفة، فكانت تشترك معي في صياغة الإعلانات، وكانت تحب عملي الذي أحببته…
إن زوجتي دفعتني إلى النجاح لأنها أعجبت بجهودي، فجعلتني أحب الجهود التي أبذلها…
بقي أن يتفق القراء معي في أني نجحت، وذلك أمر أتركه لهم…
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق