للدكتور لويس بيش

الطبيب النفسي ومؤلف كتاب (المرض النفسي طريق إلى السعادة)

هذه الحرب الباردة، الدائرة الرحى بين الرجال والنساء، ما أسبابها؟ وعلى أي وجه ممكن أن تنتهي؟

كل ما يجذب يمكن كذلك أن ينفر… هذا قانون من قوانين الطبيعة وهو يفسر سر الحرب المعلنة منذ أجيال بين الرجال والنساء. فالرجال والنساء يحب بعضهم بعضًا، ومع ذلك فلديهم القدرة أيضًا على أن يكره بعضهم بعضًا! والحب والكراهية نقيضان، لكنهما ينتميان إلى عاطفة واحدة..

وكلما قوي حب المرأة للرجل (أو العكس)، كبرت درجة كراهيتها له إذا ما آلمها أو خانها، أو هجرها!

وكثيرًا ما نشاهد عروسين شابين يرتعان في بحبوحة السعادة والوئام مما قد يثير تعليقات أصدقائهما ومعارفهما، ثم لا تمر سنة أو نحوها على زواجهما حتى نسمع أن العروسين يسعيان للطلاق! وإذا ما جمعتهما الصدف في مجتمع عام امتلأ وجه كل منهما غضبًا وحنقًا، وإذا تفرقا راح كل منهما يرمي الآخر بأسوأ ما يوصف به إنسان، ويتهمه بأشنع التصرفات والأخطاء.

لقد كان العروسان متماسكين متحدين في أول زواجهما تمامًا كالذرة، إلى أن حدث الانفجار الذى فنتها فأحدث دويًّا هائلًا، مدمرًا!

ولا يتحتم أن تكون الخصومات والمشاجرات التي تقع بين الجنسين على هذه الدرجة من الخطورة، بل إنها تتراوح بين السادات على أسباب تافهة والمعارك الحامية التي ربما تطورت إلى التعدي والاشتباك!

* * *

وقد عرضت على أطباء النفس حالات لا حصر لها من هذا القبيل جاءتني زوجة شابة وهي ممتلئة غضبًا لأن زوجها دعا إحدى زميلاته في العمل على العشاء، بحجة أنه يريد أن يتناقش معها في عمل ويجب الانتهاء منه في صباح اليوم التالي. وقالت الزوجة: (ألا ترى يا دكتور أنه كذب عليَّ متعمدًا؟) لقد تركني أعتقد أنه كان في صحبة رجل إلى أن اكتشفت عكس ذلك صدفة فلماذا تعمد إخفاء الحقيقة عني؟! أخشى أن يكون في الأمر سر).

أما الزوج فقد علل لي سبب إخفائه الحقيقة عن زوجته بأنها امرأة غيور لدرجة أنها تعودت أن تفتح له (محضر تحقيق) عندما يعود إلى البيت كل ليلة، وتسأله عما فعل طول اليوم! ثم أردف قائلًا: (إنني لا أطيق احتمال اتهاماتها لي، وتجسسها عليَّ، لقد أصبحت أخشاها!).

وإنه من الطبيعي ألا يمتزج شخصان من الجنسين أحدهما بالآخر تمامًا، أو يتفقان تمامًا في آرائهما لمجرد أنه قد عقد قرانهما، أو لمجرد أن عرف أحدهما الآخر لمدة طويلة بذلك أنهما من جنسين مختلفين، وأن لكل منهما والدين يختلفان عن والدي الآخر، وأن طريقة تربية كل منهما مختلفة عن مثيلتها في الآخر… ومن ثم فكل منهما غريب عن الآخر وإن كان زوجًا له! وما لم يستكشف كل منهما في الآخر العوامل الخفية التي تحفز سلوكه فلن يتيسر لهما التفاهم والتوافق… والواقع أنه يندر أن تنكشف هذه العوامل إلا بعد فوات الأوان!

والذي يبدو أننا لسنا واقعيين بدرجة كافية، وإنما نحن ميالون إلى إضفاء المثالية على من نحب… فاذا ذهب بريق العاطفة بمضي الوقت، وحلت فترة الحياة الواقعية، نشرع نحس بالخوف من أن نكون قد خدعنا أو ضللنا!

* * *

فلماذا يتوهم الرجال والنساء بمضي الوقت أنهم لم يوفقوا في اختيار شركاء حياتهم؟ هل السبب أن الحب أعمى كما يقولون؟ هذا صحيح بغير شك، ولكن ما الذي يجعله أعمى؟ أو ما الذي يعطل العقل والتمييز عندما نقع في الحب؟

عوامل متعددة لعل في مقدمتها الرغبة الجنسية التي تطغى على التروي والتدبر، ولكن في رأيي أن (التمني) هو أهم العوامل التي تعمي الحب!

إن كل امرأة في طفولتها تبالغ في اعتبار والدها شخصًا مثاليًّا يجب أن يحتذى، وكذلك الحال بالنسبة للرجل، فهو في طفولته يبالغ في إضفاء المثالية على أمه. هذا هو ما يحدث لنا دائمًا وبالرغم منا، وبالتالي يلعب هذا التعلق المتأصل بوالدينا، وهذا الحب الخالص لهما، دورًا طاغيًا في حياتنا وبلا وعي منا.

ولا يتأثر هذا الدور، مهما تتغير أفكارنا عن والدينا، تأثرًا جوهريًّا. وإذن فمن المعقول أن تبحث كل امرأة عن شريك لها تضفي عليه أقصى مشاعرها كما كانت تفعل حينما كان والدها هو مثلها الأعلى، وكذلك الحال بالنسبة للرجل الذي يسعى جاهدًا للعثور على امرأة يقع في حبها، بينما هو في الواقع يتلمس مخرجًا لعواطفه، ومتنفسًا لمشاعره.

وأسباب تباعد الشريكين أحدهما عن الآخر، وانعدام التفاهم بينهما كثيرة منوعة.. منها مثلًا أن يقع أحدهما في حب جديد فتتحطم أواصر الألفة.. أو أن تتغير شخصية واحد منهما بسبب القلق، أو الاضطراب المالي، أو اليأس.. بل حتى الملل أو الضجر يمكن أن يكونا سببًا في التنافر والتباعد.

فإذا انعدم التفاهم، ولم يحاول أحد الشريكين إصلاح ذات البين أو بلغ درجة عدم المبالاة وقلة الاهتمام، فعندئذ يكون الألم، وتكون الحسرة على الأيام السعيدة الخالية.

وعلى الرجل أن يقدر أن تكوين المرأة يختلف عن تكوينه، وأنها بالتالي عرضة لانحراف مزاجها وتغيره، ولشرود أفكارها، وتحول عواطفها بشكل لا إرادي. وللحيض الشهري علاقة وثيقة بتغير مزاج المرأة وبحالتها العصبية.

اتصل بي مرة زوج إحدى مريضاتي قائلًا إنه لا يفهم لماذا تداوم زوجته على الشكوى من اعتلال صحتها، وتساءل هل هذه الشكوى محض خيال، أم هي تتصنع المرض لكي تحصل على مزيد من الاهتمام! والحقيقة أن المرأة كانت على وشك أن تصاب بانهيار عصبي ناتج أساسًا عن مبالغة زوجها في الغيرة عليها، بدون أن يكون هناك ما يدعوه لذلك، ولم تكن الزوجة محتاجة للعلاج بقدر احتياج الزوج له!

* * *

وعلى الرجال أيضًا أن يفهموا سبب إصرار النساء على أن يكن موضع الاهتمام، والاحترام والمجاملة، وعلى أن يرتدين أجمل الملابس، ويتزين أبهى زينة، ويذهبن إلى أفضل الأماكن حيث يظهرن أمام المجتمع بالشكل الذي يروق لهن.. وسبب هذا الاهتمام البالغ بأنفسهن هو شعورهن بالنقص، والخوف من تقدم السن، وافتقاد الجاذبية ومن ثم فقد الأزواج بأن تستولي عليهم نساء أكثر شبابًا، وحيوية، وجمالًا!

ومن ناحية أخرى يجب على النساء أن يقدرن أن للرجال عواطفهم ومشاعرهم أيضًا، وأن هذه العواطف والمشاعر ليست (هادئة) بالدرجة التي تتصورها النساء.. كما أن الرجل لا يستطيع أحيانًا السيطرة على عواطفه وإحساساته، فكثيًرا ما استمعت إلى شكاوى الأزواج من أن زوجاتهم تحولن عنهم إلى أولادهم، ووجهن عواطفهن وحبهن إليهم مهملين الأزواج…

والمشاهد أن معظم الرجال لا يفهمون النساء، وكذلك الحال بالنسبة للنساء، فمعظمهن لا يفهمن الرجال، وغالبًا ما يكون السبب في ذلك أن كلًّا من الفريقين لا يحاول أن يبذل مجهودًا لفهم الفريق الآخر، في حين أنه عن طريق هذا الفهم وحده يمكن أن تكتب نهاية الحرب الباردة بين الجنسين!

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *