للدكتور فرانك كابريو

الطبيب النفسي ومؤلف كتاب (لماذا نتصرف هكذا)

 

إذا كنت تشكو من عسر الهضم وأخبرك الطبيب أن جهازك الهضمي سليم.. فالاضطراب عندئذ ليس في معدتك وإنما في نفسك!

دعاني صديق لي ذات يوم إلى العشاء، وكانت زوجته قد أعدت مائدة فاخرة. وبعد أن هنأت ربة البيت وشكرتها، قال الزوج:

– من حسن حظي حقًا أني تزوجت مثل هذه الطاهية الممتازة ولكني لا أستطيع أن أقدر الطعام الجيد حق قدره، فبعد نحو ساعة من نهوضي عن المائدة تنتابني أعراض عسر الهضم، من تقلصات في فم المعدة، وغثيان، وغازات، وحرقان…الخ.

فسألته هل عرض نفسه على الطبيب ليفحصه فحصًا كاملًا. فأجاب:

– أجل. وقد صور كل جهازي الهضمي بالأشعة. وأدخل منظارًا خاصًا داخل قناتي الهضمية. ولست أدري حتى الآن الداعي لذلك. ثم قرر الطبيب أنني لا أشكو من أي علة عضوية في جهازي الهضمي، واستنتج من ذلك أنني مصاب بما يسمونه عسر الهضم العصبي.. ويظهر أنني مهما تعاطيت من الأدوية لن أشعر بارتياح كامل… ولعل عندك ما تشير به..

ولما كنت غير راغب في تحويل حديث تلك السهرة إلى مناقشة في الأوجاع والأمراض، فقد دعوته لزيارتي في عيادتي في اليوم التالي.

وكان أول ما اكتشفته عندئذ شيء أدهشني للغاية. وهو أنه غير سعيد في زواجه! فزوجته منطوية على نفسها، لا تميل للاختلاط بسواها من الناس، ولديها ميل مستمر لإثارة المناقشات غير المستحبة على المائدة فتذكره مرارًا بالديون التي عليهما، وباحتمال ضياع بيتهما بسبب عجزهما عن الوفاء!

فلما سمعت ذلك رتبت مقابلة خاصة مع زوجته، وشددت عليها ألا تثير مناقشة في المسائل المالية أو غيرها من الموضوعات غير المستحبة على المائدة.. وأظهرت التعاون الصادق ووعدت بدعوة بعض الأصدقاء الظرفاء للعشاء بين وقت وآخر، كما وعدت أن تزيد من إظهار عواطفها نحو زوجها.

وكانت النتيجة رائعة.. ففي مدى شهر جاءني صديقي يحدثني عن التغيرات التي لاحظها على شهيته. فلم يعد خائفًا من تناول الأصناف التي كانت تزعجه بل أصبح ميالًا للاعتقاد بأن حالته الهضمية المضطربة كانت مرتبطة بعلاقته العاطفية المضطربة بزوجته!

ومن هذا نتبين علاقة الهضم بالحالة النفسية والحالة الجسمية معًا..

وفي حياة كل شخص منا مواقف يمكن أن تكون سارة أو غير سارة. وبالتالي يمكن أن تؤثر في معدتنا وأمعائنا. ولعلك سمعت قولهم (أن فلانًا يقززني إلى درجة القيء). أو (لقد أصابني الإسهال من فرط الفزع) فالمعدة منذ القدم مرتبطة بانفعالاتنا، والطب الحديث أثبتت تجاربه على كثيرين من العصابيين مدى الاقتران بين النفس والمعدة.

فهناك مثلًا الاكتشاف الذي قام به أحد العلماء، وهو وجود مشكلة عاطفية في ثلثي المرضى الذين تقدموا للعلاج، في مركز طبي ما، من عسر الهضم. وفي مستشفى مايو تقدم 354 شخصًا طالبين العلاج من اضطراب الهضم، فوجد أن بينهم 303 مرضى خالين من أمراض عضوية وكتب في خانة التشخيص أنهم مصابون (بعسر هضم عصبي).

وأذكر على الخصوص حالة شابة تعيش وحدها في سن الخامسة والثلاثين تشكو من فقدان الشهية منذ سن المراهقة.

وفي غضون استجوابها ذكرت أن والدتها كانت متحيزة لشقيقيها الغلامين، وكانت تظلمها، فتمردت عليها وشعرت أنها مكروهة أو غير مرغوب فيها.. وهذا الشقاء العصابي كان هو السبب في عسر هضمها فالقاعدة أن الأشقياء من الناس ليست لديهم شهية جيدة للأكل!

ومع هذا ففي وسع الشخص العادي أن يتجنب سوء الهضم المزمن باتباع قواعد معقولة مبسطة. وفيما يلي بعض هذه النصائح العملية:

• تجنب الإفراط في الأكل

إن النحافة شيء لطيف مستحب فاعتدل في طعامك. والشخص العادي حين يبلغ أواسط العمر يغدو ميالًا للشراهة فيتناول طعامًا يزيد عن حاجة جسمه. والزوجات مسئولات عن استغلال هذا الضعف في أزواجهن، اتباعًا للقول المأثور أن قلب الرجل في معدته. فتذكر أن البدانة هي الباب الواسع لأمراض السكر، وتصلب الشرايين، والقلب. وسوء الهضم.

والسبب الدافع للناس إلى الإفراط في الطعام، رغم معرفتهم لكل هذه الحقائق، سبب نفسي.. فالشخص الحسير على نفسه، يجد لذة في الطعام الدسم ذي النكهة الجيدة!

• دع القلق

فإن الكثير من أعراض عسر الهضم ترجع إلى القلق بغير موجِب، فالخوف أو التوجس يثير إفرازات معينة في المعدة، ويجعل أعصاب المعدة حساسة غاية الحساسية فإذا أكل الشخص شعر باضطراب، ومن أنواع القلق الخوف، والغضب، والشعور بالذنب.. فإن الشعور بالذنب قد يجعلك تعاقب نفسك لا شعوريًا بآلام معدتك، فاجتهد أن تريح ذهنك وعواطفك، وأن تتخلص من كل ما يزعج قبيل الطعام، ولا سيما المناقشات المثيرة.

• كل ببطء

فإن العجلة في الطعام تعرقل أجهزة الهضم.. والشعوب البدائية كانت بريئة من أوجاع المعدة لأنها لم تعرف سياط الحياة العصرية التي تجعلنا نأكل ونحن وقوف!. فامضغ طعامك جيدًا، فإن جانبًا كبيرًا من هضمه يحدث في فمك قبل بلعه.

• تجنب شدة الحساسية

فإن عسر الهضم العصبي إن هو إلا رد فعل لموقف غير مستحب وقد دل البحث على أن الطفل شديد الحساسية ليس سريع البكاء فحسب، بل هو أيضًا معرض لفقدان الشهية، والإسهال ونوبات القيء، وقد ذكرت لي أم أن ابنتها ذات الأعوام السبعة كانت تقيء كلما تركتها مع الخادمة.. وهناك غلام كان يقيء كلما أخذه والداه في رحلة طويلة بالسيارة، وعلمت أن والديه يتحيزان لشقيقه الأصغر فكان هذا القيء هو مظهر احتجاجه، وطريقته للتعويض كي يحظى بعنايتهما… ولما صححت الأوضاع تلاشى القيء، فإذا أردت أن تتحكم في عواطفك. أما (بيكربونات الصودا) فلا تشفي سوء الهضم العصبي!

• لا تصدق الخرافات التي يطلقها النباتيون عن أضرار اللحوم.

فالكثيرون عمروا طويلًا مع أنهم يأكلون اللحوم باستمرار. وليس هناك دليل علمي واحد على أن الغذاء النباتي أصلح للكيان البشري. بل بالعكس ثبت أن اللحوم طعام ممتاز يقدم للجسم العنصر البروتيني بصورة يعجز عنها النبات. ومن قبيل الخرافات أيضًا المبالغة في مزايا السبانخ.. ولا شك في أن للسبانخ فوائد هامة، ولكنك إن لم تكن تحبها فلن تخسر شيئًا بعدم أكلها، فلا تكره نفسك على صنف من الطعام بحجة أنه مفيد لك..

ولست أعني بهذا أن نأكل حيثما اتفق من غير نظام، فالنظام الغذائي ذو أهمية مقطوع بها، ويجب أن يحتوي طعامك على المواد الغذائية اللازمة بتحديد خبير لا بنصيحة جار، أو قريب أو إعلان! وإنما أعني أن لك الخيار بين الأصناف التي تحتوي العنصر الواحد.. وإن وجدت بالتجربة أن صحتك جيدة فمعنى ذلك أن نظامك الغذائي لا غبار عليه.

• الراحة بالاسترخاء فن، فدرب نفسك عليه.

فالتوتر المتجمع طوال اليوم حري أن يؤثر في أجهزتك الهضمية فتحكم في أعصابك، واطرد من ذهنك المشاغل بعد العمل، بل اجعل فترات من الاسترخاء تتخلل ساعات العمل الطويلة في فترات متقاربة. واعلم أن السخط، أو ضيق الصدر يقلل الشهية. فاجتهد أن تنفض عنك كله.. وحاول أن تجد سرورًا في هواية تزيد حياتك إشراقًا، وستعرف بالتجربة مدى ما تدخله الهواية على نفسك من بهجة، وعلى صحتك من قوة، وعلى هضمك من انتظام.

إن الهواية السارة تطرد من حياتك السأم والسخط، فتذكر أن المعدة المضطربة وليدة النفس القلقة المكتئبة.. فابحث عما يبهج نفسك، ويسرّي عنك الهم تسلم معدتك من أوجاعها التي تنغصك، وتجد للطعام طعمًا ولذة.. لأنك وجدت للحياة طعمًا ولذة!

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *