للدكتور إبراهيم عازر
اختصاصي الأمراض الباطنية والتناسليات
ازداد عدد الأطباء في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة، وازداد عدد الأساتذة والعلماء في كليات الطب ومعاهده، واتسعت الأبحاث الطبية، واخترعت أنواع جديدة من الأدوية، ولكن ما زالت قصة الأمراض المستعصية تمثل على مسرح الحياة بنفس القسوة، وبنفس الكثرة، فهل لذلك من سبب؟!…
قد يكون المرض من الأمراض التي تستعصي فعلا على العلاج، أي التي لا يوجد لها ما يسمى عند الأطباء بالعلاج النوعي، كالغنغرينا مثلًا… ففي مثل هذه الأمراض يلجأ الطبيب إلى الاجتهاد في وصف العلاج… والاجتهاد في هذه الأحوال يختلف من طبيب لآخر؛ فالبعض يستسهل إعطاء المسكنات، أو يطبق القواعد العامة في الطب، أو الخاصة بنفس المرض دون تحوير أو تعديل حسب مقتضيات الحالة المرضية، وتبعًا لحالة الجسم نفسه… والبعض الآخر يلجأ إلى بحث أساس العلة، وإلى الكشف عن أصل الداء، محاولًا إعطاء العلاج للسبب الأساسي للمرض، حتى يقطع دابره ويقضى عليه…
وقد يكون المرض بسيطًا، وله علاجه النوعي المعروف في الطب، ولكنه انقلب بسبب إهمال المريض له منذ بدايته إلى مرض مزمن أو مستعص… وقد يجيء استعصاء المرض عن طريق العلاج الناقص، الذي لا يستوفي أركانه الصحيحة، أو بسبب استعمال أدوية فاسدة، أو مغشوشة..
التقسيم الأولى للأمراض:
وتنقسم الأمراض بحسب طبيعتها إلى قسمين رئيسيين:
1- الأمراض الحادة: وهي مجموعة الأمراض التي تبدأ فجأة وتحدث تغييرات وقتية، وتزول نهائيًا بزوال المرض، ولها في أغلب الأحيان علاج من نوعها، مثل الحميات، والنزلات الشعبية، والحمى الروماتيزمية.
2- والأمراض المزمنة: وهي مجموعة الأمراض التي تصيب الجسم على مر فترة من الزمن، وتحدث فيه تغيرات دائمة لا تزول لعدم زوال المرض نهائيًا من الجسم، وبإهمال المريض لها تحدث مضاعفات، وهذه ليس لها علاج من نوعها، ولكن قد يكمن العلاج في مراعاة نظام خاص في الطعام… ومن أمثلة هذه الأمراض الربو.
ومن هذا القسم يتفرع قسم آخر هو الأمراض المستعصية وهو نوع من الأمراض لا هو حاد، ولا هو مزمن، ولكنه استعصى علاجه على الطب، مثل السرطان.
من أي نوع مرضك؟
وجميع الأمراض الحادة تشفى وتزول نهائيًا بالعلاج. بل إن الكثير منها يتماثل للشفاء من تلقاء نفسه ومن غير حاجة إلى خدمة الطبيب، وما الطبيب في هذه الحالة إلا عامل معجل بالشفاء.
أما الأمراض المزمنة، ومن أمثلتها ضغط الدم، والربو المزمن، والسكر في البول أو الدم، والدوسنتاريا المزمنة، وروماتيزم القلب، والضعف التناسلي، والهزال، وضعف الذاكرة فلابد من تدخل الطبيب، بل التعاون التام بين الطبيب والمريض.
فالطبيب يتقصى أسباب المرض ومصدره، ويصف علاجًا يقضي عليه… فإن لم يهتد إلى المصدر فهو يلجأ إلى المسكنات أو الفيتامينات.. وعلى المريض أن يطيع إرشادات الطبيب، ويراعي النظام والدقة في طعامه وشرابه، وفي عمله وأوجه نشاطه… فإن الكثير من هذه المراض تشفى وتزول نهائيًا، أو تصل إلى حالة قريبة من الشفاء متى أطاع المريض تعليمات طبيبه بكل دقة..
وأما الأمراض المستعصية، مثل السرطان، والجذام، والشلل النصفي، والغنغرينا، وانسداد الشرايين… فإنها إذا حذفنا السرطان من بينها تعالج بعلاجات إن لم تنته إلى الشفاء التام، فإنها تنتهي إلى حالة قريبة من الشفاء، هي حالة استقرار وهبوط للمرض، وكل ما يحتاجه المريض هو أن يتذرع بالصبر، وأن يتمكن من مواصلة العلاج لأن فترة العلاج طويلة، والنفقات كبيرة، وهنا يجب أن تتدخل الدولة لإنشاء مستشفيات الأمراض المستعصية مساهمة في رفع عبء النفقات عن المرضى غير القادرين.
ولماذا نحذف السرطان؟ نحذفه لأننا حتى يومنا هذا لم نعرف مصدره!.. لقد اختلفت النظريات في تعليله ولكنا لم نهتد إلى حقيقته… يقولون إن خلية تصاب بالجنون فتظل تنقسم وتنقسم إلى مالا نهاية!.. ولكن لماذا تتمادى في انقساماتها.!… لماذا تتخذ الخلية هذه الانقسام الجنوني؟.. إن جهلنا بهذا هو الذي أعجز الطب عن معرفة طريقة العلاج.
لماذا يستعصي المرض؟
وهناك فكرة سائدة عند أغلبية المرضى، مؤداها أن المريض إذا لم يأكل لحومًا كثيرًا، وأغذية دسمة فإنه يموت من الجوع!.. وهذا خطأ جسيم. فقد يحصل المريض من الطبيب على العلاج الصحيح لمرضه، ولكنه لا يتبع نصائحه الخاصة بنظام الطعام فيكون هذا عاملا مساعدًا على استمرار مرضه..
والقاعدة العامة أن أكثرية الأمراض يمكن شفاؤها، والنادر منها هو الذي يستعصي على العلاج. فالسل، والجذام مثلا من أسهل الأمراض علاجًا، وأيسرها شفاء، إذا ما عولج كل منها منذ بدء ظهور المرض.. ولكن هذه القاعدة لا تنطبق للأسف على المرضى في مصر لعدة أسباب… فكثيرً ما يلجأ المريض إلى تجربة الدواء الذي شفى منه جاره مع اختلاف العلتين، وتباين المرض في الحالتين! أو قد يتعاطى دواء صيدلي لم يفحص علته!… أو قد يفضل المسكنات على العلاج الذي يقضي على مصدر الداء.
فعدم التدقيق في معرفة أساس المرض، ومن أين نشأت العلة، ثم إغفال تركيز وصف الدواء على قدر العلة، وانتقال المريض من طبيب إلى آخر، ومن مسكن، ومن دواء إلى دواء، كل هذا يساعد على تأخير الشفاء… فلا تخف إذا كان مرضك مستعصيًا، ففي الوسع شفاؤه إذا تعاونت تعاونًا وثيقًا مع طبيبك…
ما أكثر ذوي الإرادة في العالم. غاية ما في الأمر أن الأقلين يريدون أن يعملوا، والأكثرين يريدونهم أن يعملوا!
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق