واحدة من أكثر الأفكار العميقة على الإطلاق الموضوعة من قِبل الإنسان هي أن الوقت نسبي. وهذه ليست فكرة مُجردة أو خطأ أونتيجة رياضية لعالم رياضيات. حيثُ إذا كان لديك ساعتين مُتطابقتين، وبإمكانك بدء تشغيلهما معًا، فقم بنقلهما إلى موقعين مُختلفين أو على طول مسارات مختلفة، ثم عندما تُعيدهما معًا مرة أخرى للمقارنة بينهما في مقدار الوقت المقيس؛ ستلاحظ أنّ الساعتين قد قاستا كميات مختلفة -حرفيا- من الوقت.
قد تميل إلى القول متسائلًا في تعجب: «بالتأكيد إنه لأمر غريب لكن أيًّا منهما صحيح؟». الجواب المُرعب هو: لا يوجد شيء اسمه «ساعة صحيحة». كل ساعة تقيس وقتها الخاص (Proper Time) ولا يوجد شيء مثل التوقيت الكوني (مُطلقية الوقت كما في ميكانيكا نيوتن). ومع ذلك، فإن علماء الكوسمولوجيا دائمًا ما يتحدثون عن عمر الكون (13.80 ± 0.02 مليار سنة). وعندما نتحدث عن عمر الكون، فنحن نتحدث عن عمر كل شيء فيه. ولكن كيف يمكن أن نتحدث عن عمر الكون إذا كان كل شيء فيه لديه وقته الخاص به؟
الإجابة المختصرة هي: كل شيء تقريباً له نفس العمر. ويكمن أكبر تباين زمني بين الأشياء العميقة داخل المجرات والأشياء خارج المجرات بشكل بعيد، والتي تصل إلى بضعة أجزاء في المليون (أو ثانية أو ثانيتين في الأسبوع). فالمادة التي كانت في منتصف المجرات الكبيرة منذ بداية تاريخ الكون يجب ألا تزيد عن 50 ألف سنة أصغر من المادة التي تمكنت من البقاء في الفضاء بين المجرات (intergalactic space). وبالنظر إلى أن أفضل تقديراتنا لعمر الكون دقيقة فقط في غضون 20 مليون سنة أو نحو ذلك (الخطأ النسبي 0.1٪)، فبضع عشرات من آلاف السنين هنا أو هناك لا تُحدث أي فرق.
وهناك طريقتان توضحان اختلاف الساعتين في قياس الوقت؛ وهما: مفارقة التوأم (Twin Paradox)، والتمدد الزمني الثِقالي (Gravitational Time Dilation). وتُعتبر مفارقة التوأم هي نِتاج الفرق بين الهندسة العادية (ordinary geometry) وهندسة الزمكان (spacetime geometry). في الهندسة العادية؛ فإنّ أقصر مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم. بينما في هندسة الزمكان، فإنّ أطول وقت بين نقطتين هو خط مستقيم. «الخط المستقيم» في الزمكان يتضمن تواجد الساعتين معًا في نفس الإطار (Frame)، لذا إذا بدأت بساعتين في المكان نفسه، ثم سافرت بالساعة الثانية في رحلة، وعدت في النهاية إلى مكان الساعة الأولى، فسوف تكون الساعة الثانية (المتحركة) مُتأخرة عن توأمتها المستقرة (الثابتة).

التمدد الزمني الثقالي:كلما اقتربت الساعة من مصدر الجاذبية مر الزمن بصورة أبطأ. مفارقة التوأم: كلما كان المسار بين المكانين خطًا مستقيمًا، مرّ الزمن بصورة أسرع.
وبافتراض أنّ الساعة المتحركة تتحرك بسرعة ثابتة، فإنه من اليسير عليك معرفة مقدار الوقت القليل الذي عاينته. وإذا كانت الساعة المُتحركة تقيس أو تعاين مقدار T من الوقت، بينما الساعة الثابتة تقيس مقدار t من الوقت إذن وطبقًا لمعادلة التمدد الزمني في النسبية الخاصة فسوف تلاحظ أن المقدار T (الزمن المُقاس بواسطة الساعة المُتحركة) أقل دائمًا من t (الزمن المُقاس بواسطة الساعة الثابتة). حيثُ: تُمثل الC سرعة الضوء (وهي ثابتة في كل الأُطر المرجعية)، بينما تُمثل الV السرعة
التي تتحرك بها الساعة. وتُعرف النسبة بين الوقتين T وt بالمعامل جاما، ويساوي:
وهو جزء رياضي مهم يجب أن تكون على دراية به.
لكن لا يمكننا أن نلاحظ التمدد الزمني في حياتنا اليومية، وهذا أمر مفهوم من خلال المعامل g. حيث إن المعامل g يأخذ قيمًا لا تساوي الواحد إلا عند السرعات العالية جدًا والتي تقترب من سرعة الضوء. فعلى سبيل المثال؛ لسرعة تصل إلى 0.1 من سرعة الضوء، فإن قيمة g تساوي 1.005. ولهذا فإن التمدد الزمني يكون فقط بمقدار 0.5% عندما تكون سرعة الساعة المتحركة فقط 0.1 من سرعة الضوء. وبما أنّ السرعات التي نتعامل معها في حياتنا العادية أقل بكثير من 0.1 من سرعة الضوء، فإننا لا نلحظ أي تمدد أو إبطاء في الزمن في ساعاتنا.
إذًا، ما أقصده هو أنه إذا كان هناك شخصان A وB، والشخص A واقف على الأرض وبيده ساعة (المراقب الثابت) والشخص B بيده ساعة أخرى -مطابقة للتي مع A – ولكن سافر بمركبة فضائية إلى كوكب المريخ وكانت سرعة مركبته حوالي 0.1 من سرعة الضوء (وهي سرعة كبيرة جدًا) فإن الشخص الواقف على الأرض سيلاحظ أن الساعة التي بحوزة الشخص B قد تأخرت بفارق قليل جدًا-بفرض أن لديه القدرة على ملاحظة هذا الفرق.
لذا، فبإمكاننا تعميم هذه النيجة بقولنا إنّ جميع العمليات الفيزيائية بما فيها الميكانيكية والكيميائية والبيولوجية تكون أبطأ عندما تُقاس بالنسبة لمراقب ثابت. على سبيل المثال دقات نبضات قلب رجل فضاء يتحرك في الفضاء تكون بمعدل سرعتها الطبيعي بالنسبة لساعة داخل المركبة الفضائية (أو بالنسبة لرجل فضاء آخر معه في المركبة نفسها). بينما بالنسبة لرجل آخر على الأرض، فإن كلا من الساعة بداخل المركبة الفضائيىة ونبضات قلب رجل الفضاء تسير بمعدل أبطأ من معدلها الطبيعي.
أما التمدد الزمني الثقالي فهو تشوه في الزمكان نتيجة وجود الطاقة والمادة (والأغلب بسبب المادة) وهو أمرٌ من الصعب للغاية اكتشافه. وعندما كتب آينشتاين مبدئيًّا المعادلات التي تصف العلاقة بين الكتلة/الطاقة والفضاء، لم يتوقع حقاً حلها (بخلاف حل الفضاء الفارغ التافه)، وتتطلب الأمر من شفارتزشيلد (Schwarzschild) لمعرفة شكل الزمكان حول الأجسام كروية الشكل أن قام بحل معادلات أينشتاين للمجال (وهو أمر مفيد إذا أخذنا بعين الاعتبار الكم الكثير من الأجسام الكروية التي يمكن العثور عليها في الفضاء). ولقد قام شفارتزشيلد بوضع معادلة تحدد المسافة المحيطة بمركز جرم عظيم الكتلة -بافتراض أن جميع مادة الجرم مركزة ومنضغطة في نقطة المركز- والتي تصبح عندها سرعة الإفلات مساوية لسرعة الضوء. وهو المعروف في الأوساط العلمية باسم «نصف قطر شفارتزشيلد- Schwarzschild radius».
ولحسن الحظ، في المواقف المعقولة أو المنطقية (على عكس الثقوب السوداء)، يمكنك حساب التمدد الزمني بين الارتفاعات المختلفة عن طريق معرفة سرعة سقوط شيء ما من الارتفاع العلوي إلى الارتفاع السفلي. وما إن تحسب السرعة v وتعوض عنها في قانون المعامل g، هنيئًا لك فقد حصلت على التمدد الزمني بسبب الجاذبية (الثقالة). إذا كنت ترغب في معرفة التمدد الكلي مثلًا بين سطح الأرض ونقطة على بُعدٍ متناهٍ (بعيدًا بما يكفي عن الأرض حيث يمكن تجاهلها)، فإنك تستخدم السرعة التي قد يسقط بها جسم من الفضاء السحيق (سرعة الإفلات).
وعمومًا، إن التأثير الناجم عن مفارقة التوأم أصغر من تأثير الجاذبية، لأنه إذا كان هناك شيء يتحرك بسرعة أسرع من سرعة الإفلات، فإنه يتمكن من الهروب. لذا فإن السرعة التي عوّضنا عنها في قانون المعامل جاما الناتجة عن مفارقة التوأم (السرعة العادية) هي أقل من السرعة التي عوضنا عنها والناجمة غدعن التمدد الزمني الثقالي (سرعة الإفلات). وإذا كان لديك بعض النجوم تدور في مجرة، فيمكنك أن تكون متأكدًا من أنها تتحرك بسرعة أقل من سرعة الإفلات بالنسبة لهذه المجرة.
وتبلغ سرعة الإفلات جاذبية الأرض 11 كم / ثانية. وبالتعويض عنها في المعامل جاما، ينتج أنّ . أي قريبة جدًا من الواحد الصحيح، وهو ما يعني أن مرور الوقت بعيدًا عن الأرض هو نفسه تقريبًا في حالة مروره على الأرض، حيث يصل الفارق بينهما إلى ثانيتين كل قرن. وكمثال آخر تبلغ سرعة الإفلات من قلب مجرة كبيرة (مثل مجرتنا) حوالي 1000 كم / ثانية. أي أن

وهو ما ينتج عنه تمدد زمني نحو عدة ثوان في الأسبوع.
ما يهم هنا؛ هو أنّ مكان وجودك في الكون لا يُحدث أي فرق.
من المسلم به الآن أن هناك أمثلة لأشياء محاصرة في الثقوب السوداء أو أشياء عبر الكون تقترب سرعتها من سرعة الضوء، لكن الأخبار الجيدة بالنسبة لنا (على كلا الأمرين) هي أن هذه الأشياء نادرة الوجود. إن الأشياء الوحيدة التي تتحرك في أي مكان قريبة من سرعة الضوء هو الضوء نفسه (ليس مفاجئًا، وعلينا توخي الدقة عندما نقول إن الضوء يتحرك بسرعة الضوء؟، لأنه يحدث في الفراغ فقط، لأنه عند مرور الضوء في الأوساط المادية إنه يتباطأ بمقدار جليل جدًا عن سرعة الضوء في الفراغ) وأحيانًا جزيئات فردية من المادة. وبما أن الضوء لا يُعاني -فعليًا- أيَّ وقت (أو بمعنى آخر فإن مفهوم الزمن لا معنى له بالنسبة لفوتونات الضوء)، لذا فإن الفوتونات “الأقدم” لا تزال حديثة الولادة. فالفوتونات لديها فكرة مختلفة جدا عن عمر الكون. لا أحد يعرف تمامًا كمية المادة المأسورة في الكون حاليًا من قبل الثقوب السوداء، ولكن يُفترض عمومًا أنها جزء صغير من الإجمالي.
وجُملة القول: عندما يقول أحدهم إن عمر الكون 13.8 مليار سنة، فإنه يتحدث عن عمر المادة في الكون، وكلها تقريباً في نفس العمر.
إعداد: أحمد رجب رفعت
المصادر:
- Physics for Scientists and Engineers 6th Edition, chapter 39
لا تعليق