سألت يومًا: إذا قابلت نفسك وأنت صغير، ماذا ستخبره؟ فأجاب أحدهم: «بلاش تلعب كتير مع البنات والعب مع الصبيان، قرّب من بابا ومتبعدش عنه»، وهو يتكلم هنا بلغته عن الانفصال الدفاعي عن الأب، والاتصال الدفاعي بالفتيات.

المثلية في شكلها المجرد هي جوع للحب من نفس الجنس، ومحاولة لإصلاح الشرخ والانفصال عن نفس الجنس، وحين تصل إلى نهاية هذه المقالة ستجد أن أسلوب الوقاية من المثلية هو التربية الآمنة، مع إعطاء أولوية خاصة للحساسية النفسية لبعض الأطفال.

بحسب نظرية العلاج الإصلاحي، فإن غرس بذور المثلية يحدث في عمر (1.5 – 3) سنوات، وهي مرحلة تكوّن الهوية الجنسية، حيث ينفصل الطفل الذكر نفسيًا عن الأم ويتصل بالأب، كعلامة استقباله هوية الأب كقيمة آمنة ويتحرّك للتشكل حولها. الفشل التام لهذه المرحلة ينتج عنه اضطراب الهوية الجنسية (Gender Identity disorder)، بينما ارتكاس الميول الجنسية (Homosexuality) يعني أن هذه المرحلة بدأت في المسار الصحيح ثم أجهضت.

شيءٌ ما بعث برسالة أن الذكورة قيمة مهددة، وأن العالم ليس مكانًا آمنًا، هنا يتوقف الطفل عن محاولات الاتصال بالوالد (الانفصال الدفاعي)، ويتراجع لإعادة الاتصال بالأم (الاتصال الدفاعي)، ويتم تعميم حكمه على الوالد والأم على الذكورة والأنوثة كقيم نفسية.

أهم ما تحتاج إلى معرفته أن لدى جميع الرجال تقريبًا الاستعداد لاكتساب الميول المثلية، وبرأي فرويد فهناك مثلية كامنة داخل تكويننا النفسي، بينما يرى ريتشارد كوهين، وهو متعاف سابق، قبل أن يصبح من أشهر معالجي الجنسية المثلية، أن هناك مرحلة من تطور الطفل يمكن تسميتها بمرحلة الميل العاطفي المثلي (Homo-emotional phase) بين الأفراد من نفس الجنس في مرحلة من (4 – 6 سنوات)، وفيها يكتشف الفرد أفراد جنسه، ويمتلئ بشعور الانتماء إلى جنسه، ويتواصل معهم ويكوّن خبرته الداخلية ومعتقداته التي ستظل داخله بقية حياته عن تلك الفئة. وإشباع هذه المرحلة ينتج عنه الانتقال إلى الميل العاطفي الغيري (Hetero-Emotional phase)، وفيها يختبر الطفل حب الطفولة، والذي يكون مجرّدًا من الدوافع الجنسية الواعية.

  • التواصل الفعّال:

التواصل مع الطفل، يا لها من جملة بسيطة … لكن صعبة التنفيذ، التواصل هو أعلى درجات العلاقات، فأول العلاقة التعلّق، ثم اللقاء هو أن تراني كما أنا، ثم التواصل هو أن تتصل حقيقتانا. التواصل هنا هو أن ترى طفلك كما هو، وبما هو عليه، وتتصل بطبيعته كما هي دون أن تحاول تغييرها.

  • نمط الأبوة المسيئة:

أبوة غير واعية – والد مشتت [أبوّة مبكرة]: غير متاح فعليًا أو وجدانيًا.

أبوة مسيئة: داعمة للخوف والخزي والذنب، أو تستعمل إساءات لفظية موجهة للذكورة (أنت ابن ماما، دلوعة).

أبوة نرجسية: اهتمام الوالد بذاته يفوق اهتمامه بالطفل.

  •  نمط الأمومة المسيئة:

1. أمومة غير واعية/ مبكرة: أم غير مسددة الاحتياجات، أو غير متفاعلة مع الطفل (الجدة المربية).

2. أم مسيطرة أو متحكمة: تقهر الذكورة الناشئة في أبنائها.

3. أمومة اعتمادية: لا تدعم استقلال الأطفال عنها، أو لا تتضح فيها الحدود الجنسية بين الطفل وأمه بشكل متعمد أو عفوي (ده ابني عادي يعني).

4. أم نرجسية: تضع احتياجاتها فوق احتياجات أبنائها.

  • نصائح مباشرة للوالدين:

1. الحب الأساسي:

إن أول احتياجات الطفل هو الحب، الحب الذي يجده في اهتمام من حوله به، والتقاء الأعين الراعية له بعينه، في أيامه الأولى في الحياة، صرخات الطفل الأولى هي نداءات استغاثة للحصول على الحب والدفء والأمان.

2. القبول غير المشروط، ودعم التلقائية:

يعني القبول غير المشروط أن تكون مقبولًا لذاتك لا لشيء آخر، ألا تحتاج للتجمل ولا التصنع ولا التكيف مع متطلبات الآخر من أجل أن تشعر أنك شخص مرغوب في وجوده. وأول من يسدد هذا الاحتياج هما الوالدان، عكس ذلك هي رسائل القبول المشروط: افعل كذا لأحبك.

وهذا هو المستوى الأول من الإشباع، أما المستوى الثاني فهو الحب، أن تكون لست فقط مرغوبًا لما تمثله بذاتك المجردة، وإنما محبوبًا أيضًا، وهو ما تكلمنا عنه في الحب الأساسي.

أما +، أن يشعر الطفل أنه منحة إلهية من الله لوالديه، وأنهما يفخران بكونهما والديه مع التأكيد على كون ذلك لما يمثله بذاته لا بأفعاله، ولا مانع من تقويم الأفعال والسلوكيات غير المرغوبة بشكل صحي بعد ذلك.

3. أبوّة آمنة:

في مرحلة السنتين تكون علاقة الطفل الذكر بأمه تفوق بمراحل علاقته بالوالد حيث يكون متحدًا نفسيًّا بها، بل يعتبره الكثير من المختصين أنه داخل الرحم النفسي، ويستعد للولادة في يد الأب، وإساءة الوالد للطفل أو للأم المتحد بها، تعطي رسالة أن العالم خارج هذا الرحم ليس مكانًا آمنًا، وأن الذكورة قيمة مسيئة، ويظل الطفل عالقًا في الرحم النفسي للأم. ما يحتاجه الطفل هنا هو أبوّة داعمة، مصدر حماية، درع يمكنه توجيهه للخارج للاحتماء به وليس موجها إليه.

4. مساحة من الحرية لكسر بعض القواعد:

هناك مرحلتان في تاريخ الطفل ينفصل فيهما عن بيئة الطفولة واعتماديتها، الأولى هي الاستقلال عن الأم (الرعاية) للاتصال بالأب، والثانية هي الاستقلال عن الأب (السلطة) لتكوين الأنا المستقلة.

تبدأ الأولى في العام الثاني للطفل، حيث يبدأ الطفل في محاولة الاستقلال عن رعاية الأم، فيبدأ في محاولة تناول طعامه بنفسه، ويرفض أن تناوله الأم الطعام بيدها، ثم يبدأ في اللعب بعيدًا عن ناظرها [في هذه المرحلة يكون الطفل قد استبطن أمه كمصدر أمان داخله، وأنه لن يفقدها بالابتعاد المادي عنها]، ويبدأ في إطالة المدة التي يقضيها بمفرده بعيدًا عن متناول يدها، لكن كل فترة يرجع بأي حجة [للشرب، او حتى مجرد التلويح بيده] ليطمئن إلى أنها لا تزال هناك. وسأترك لك هنا محاولة التفكير في كم الأخطاء التي يرتكبها الوالدان في هذه المرحلة!

المرحلة الثانية التي يميل فيها الابن للاستقلال هي مرحلة الاستقلال عن السلطة، والتي يمثلها الأب في أغلب الأحيان، يبدأ هنا المراهق في النظر لوالديه من منظور الندية، ويقارن رأيه بآرائهما، ومن المطلوب هنا إتاحة مساحة من الخطوط الإرشادية، مرحلة الضوء الأخضر وهي منطقة اختلاف الآراء، أن تكون للابن آراء خاصة قد تخالف آراء والديه [بعيدًا عن منطقة الثوابت، والتي ستنتقل لمنطقة الضوء الأحمر]، ثم منطقة الضوء الأصفر، وهي مجموعة من القواعد قابلة للكسر، ويترتب على كسرها نقاش هادئ، كترتيب غرفته، والأكل باليد بدل أدوات المائدة، وتأتي في النهاية منطقة الضوء الأحمر، وهي المنطقة المحظورة، ولا بد من تناولها بشكل تربوي، بمعنى تناولها بنقاش هادئ مع مركز السلطة (الأب أو من ينوب عنه) وتوضيح سبب اعتبار هذه المنطقة في الضوء الأحمر، وأن الحظر هنا ينبع من المسؤولية وليس القهر والإذعان، وأنه يسري على الجميع بمن فيهم مصدر السلطة نفسه، وأن له التنبيه على مركز السلطة إن تواجد هو في هذه المنطقة.

في كثير من حالات الميل المثلي، يكون مركز السلطة لدى الأم، والتي تقوم بإساءة استغلالها لترويض المراهق، وتشذيب مخالبه، وقولبته طبقًا لرؤيتها – الأنثوية بالبديهة – للعالم والحياة. هذا النمط يعطي للمراهق الذكر أن ذكورته خاضعة لسلطة الأم (الأنثى)، وهذا وحده مثبط للميل الغيري الصحي، كما يعطيه رسالة بالدونية والخزي. وحاول فهم هذه الفقرة في ضوء الحساسية الزائدة لهذا المراهق.

5. روحانية الطفولة واتزان تديّن المراهقة:

تكلمت سابقًا عن الإساءة الروحية للطفل، حيث يحتاج الطفل لإقامة علاقة حقيقية مع الله قبل أن يتعرّف على متطلبات التكليف والالتزام الديني. وما سأضيفه هنا هو أن النمو الروحي لهذا الطفل داخل في الحساسية الزائدة له، فهو مهيأ لإقامة علاقة مثالية مع الله، لكنه أيضًا شديد الحساسية للرسائل التي تصله عن الله.

– نُشر أولًا  بموقع صحتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *