كيف نتخطى حاجز الفكر؟

لماذا لا نخطوا في ميادين الآداب والفنون الخطوات الجريئة التي خطوناها في العلوم الطبيعية وكان من نتيجتها أن تخطينا حاجز الصوت وحاجز الحرارة؟ يجيب عن هذا السؤال رجل من رجالات التربية البارزين، هو الدكتور صمويل جولد، عميد كلية أنطاكية الأمريكية، ويلقي التبعة في هذا التقصير على التربية الجامعية!.

كيف نتخطى حاجز الفكر؟

تتبع الإنسان بدهشة ما طرأ على فن الطيران في السنوات الأخيرة من تطورات عظيمة انتهت إلى تذليل ما كان يعترض الطائرات من حواجز منيعة مثل حاجزي الصوت والحرارة… ففي دنيا الطيران اليوم طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت أضعافًا، وقد قطعت المحاولات للتغلب على حاجز الحرارة أشواطًا طويلة لم نكن لنتوقع حدوثها قبل انصرام بضع سنوات…

ومهما يبلغ من هزة طربي لتخطي حاجز الصوت في الطيران فإنني أشعر بهزة أشد عندما أجيل الطرف في مجال التربية متسائلًا: هل يمكن أن يتخطى الإنسان (حاجز الفكر)؟!.

ولن يتحقق هذا إلا إذا اتبعنا في ميادين الفنون الرفيعة هذا النوع من التفكير المبدع الخلاق الذي هو الآن الطابع المميز للعلوم الطبيعية، كالهندسة مثلًا.

وقد سبق للفيلسوف والعالم التربوي البريطاني (ألفريد هوايتهيد) أن وجد في تربية الأطفال والأحداث حركة ينتقل فيها العقل من حرية إلى حرية بعد تدريبه وتعويده الانضباط والنظام..

فالسنوات الاثنتا عشرة الأولى من سني الحياة، التي تنتظمها التربية الابتدائية، تمثل العقل في طور الكشف عن قواه… فالطفل في هذه المرحلة يأخذ لأول مرة في مشاهدة العالم الذي يحيط به، ويتلقى من الخارج سلسلة لا تنتهي من الانطباعات تتجلى في هذه الأسئلة التي لا حد لها والتي يستهلها دائمًا بلفظة (لماذا؟).

أما في الطور الثاني من أطوار التربية، وهو طور التعليم الثانوي، فيتميز العقل بعملية التركيز والتنسيق، وهي عملية تقوم بتنسيق الحوادث والوقائع وفقًا لمنهج قائم على علم وأصول، وهو منهج نتعرف فيه لأول مرة على الحواجز والعوائق، فضلًا عن أنه يمدنا بوسائل أقوى لتنمية معلوماتنا.

ويعقب هذا طور ثالث هو طور النضج الذي يناط بالتعليم العالي أو الجامعي، وفيه تخضع الحقائق أيضًا للتنسيب والتنسيق وتتفتح في النفس الأفكار العامة وفقًا لما استحدثته أفانين التربية الحديثة من أساليب التلقين والتهذيب.

ومن أغرب ما تتفتح عنه عملية التربية هذا الفضول، وهذه الحاجة الملحة للكشف ومعرفة الأشياء، وهذا التعطش للمعرفة والاطلاع الذي تجيش به نفس الطفل. ولكن هذا كله يكاد لا يظهر منه شيء في طور التعليم الثانوي، ولا يعاود الظهور البتة في دور التعليم العالي! لأن التربية تستحيل إلى مجرد عملية (تعليم) وتدريس، أي تزويد الطالب (أو الطالبة) بالوسائل الفنية دون أن تجعل من عقله أداة صالحة للخلق والإبداع!

فإذا كنا نرغب صادقين في تخطي حاجز الفكر، فعلينا أن نوجه عنايتنا- في مرحلة التعليم الجامعي- نحو تهيئة العقول للخلق، والإبداع، والابتكار.

وما هو الطريق الذي يسير عليه العقل الخالق؟… عليه قبل كل شيء أن يتبين الصعوبات التي تعترض سبيله، والوسائل التي تؤمن اجتيازها، وإنما يتأتى هذا من القدرة على ملاحظة الأمور وتفهمها عن طريق الأسئلة العديدة التي تطرح بشأنها، كما يفعل الطفل في مرحلة تفتحه العقلي الأولي!…

وبين شباب الجيل عقول في استطاعتها أن تفتح أمام الآخرين آفاق جديدة للأعمال العظيمة، وتضع أمامنا مقاييس جديدة للفن والجمال، والموسيقى… ومهمة التربية الحديثة الأساسية هي الكشف عن هذا الفريق المختار المعد لمثل هذه الرسالة المثلى، وتعهده بالرعاية.

(عن مجلة (ثنك) )

– نُشر أولًا بموقع حياتك.

 

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *