كتاب الشهر تأليف: وليم كنج

مؤلف هذا الكتاب رجل نشد السعادة في حياته الخاصة ووجدها… وهو هنا يهديك دستور السعادة الذي اهتدى إليه، ويضمن لك به الطمأنينة والسعادة.

  • دع القلق

اعتاد بعض الناس أن يجدوا دائمًا ما يتأففون منه وما تضيق صدورهم به. فهذه عجوز يروى أنها سئلت كيف حالها فقالت: (إنني في خير حال، ولكن شعوري هذا يجعلني في حال سيئة، فأنا أعلم أنني صائرة إلى حال أسوأ!) وامرأة أخرى سئلت عن زوجها، فأجابت أنه (يتمتع) بصحة سيئة منذ زمن ولكنه (يشكو) من أن صحته في تحسن الآن!

والواقع أننا لا نقضي أمرًا، ولا نحقق نفعًا عن طريق الهم والقلق، والعاقل من يدرك أنه من العبث أن يستحوذ عليه القلق من أجل أمور في وسعه أو ليس في وسعه أن يتجنبها. فعلينا ألا نحاول أبدًا أن نحمل فوق كواهلنا أكثر من هم واحد في وقت واحد. ومن الناس من يحمل فوق عاتقه صنوف الهم الثلاثة: هم الماضي كله، وهم الحاضر بأجمعه، وهم المستقبل بأكمله.

وليس عبثًا فحسب، بل أسوأ من العبث أن تمتلئ نفسك بالحسرة على ما فات، فلو اجتمعت هموم الدنيا وأكدارها ما استطاعت أن تغير من الماضي شيئًا، فاصرف همتك إلى تحسين حاضرك، وتهيئة مستقبل أفضل. واعلم أن ثمة يومين يجب ألا تهتم بهما: أمس والغد، أما الحاضر فاغنم منه لذاته. ومتى حاولت أن تتوقع حدوث ما يخبئه لك المستقبل في ثناياه، تجسم لديك ما يحتمل أن يأتي به من سوء، فيكفيك من اليوم همه، ولا تكن كحليف القلق، الذي يأبى إلا أن يملأ بالهم قلبه خشية أن يصيبه هم!

ولا نكون مبالغين إذا قررنا أن سوء الهضم والاضطرابات المعدية، نتيجة حتمية للقلق. يقول الدكتور (ألفاريز): أن القرحات المعدية تهيج وتهدأ تبعًا لشدة الضغط الانفعالي)، ويحدثنا عن أحد مرضاه من تجار الفراء، بأن قرحته كانت تزداد سوءًا في أول نوفمبر من كل سنة حين تطبق عليه سيدات البلدة مقتحمات حانوته للحصول على أرديتهن من المخازن)! وعن مريض آخر التهبت قرحته، عندما فقد ثروته، ثم تحسنت حالته لما توفى عمه، تاركًا له 5000 دولار! والملاحظ أنه عندما تهبط أسعار الأوراق المالية ترتفع نسبة السكر عند مرضى البول السكري من المساهمين!

إن هدوء البال عنصر لا غنى عنه لصحة النفس والجسم. فلماذا لا نستمتع بلذائذ الحياة، ونشكر الله تعالى على ما أولانا من نعم ومنح؟ لم لا نملأ كأس السعادة في هذه الحياة قبل أن يملأ كأس العمر كف القدر، ويعدو علينا عادي الموت ويغشانا بظلاله الرهيبة؟ ولم لا نسعد بأصدقائنا، وبحلو حديثهم قبل أن يخنق الموت أصواتهم إلى الأبد؟ لم لا ننعم بالتقوى في الدين، فنردد كل يوم الحمد والشكر لله على رحمته بنا ورزقه إيانا؟ لماذا لا نجتلي ما في بيوتنا من مسرة، قبل أن يفارقنا بعض أفراد أسرتنا، ويضربوا في فجاج الأرض الواسعة ومناكبها، أو قبل أن يفرق بيننا وبينهم هادم اللذات؟

إذا حدث لك أن استيقظت في الصباح، ووجدت نفسك مهمومًا، يستبد بك القلق، فلا تمتثل له، قف أمام المرآة وأكسب صفحة وجهك تعبيرًا سمحًا، وابدأ عمل اليوم وأنت على هذه الحال، وسترى أنه سرعان ما يسري منك تيار هذا الانشراح إلى الآخرين. وقد عبر عن هذه الحقيقة (وليم جيمس) حين يقول إنك إذا أردت أن تغدو مبتهجًا، فأضف على نفسك حلة من البهجة، وامض متهلل الوجه مستبشرًا، فلا تلبث أن تستشعر البهجة حقًا. وإذا افتقدت الشجاعة فاسلك مسلك الشجعان وجند إرادتك لبلوغ هذه الغاية، وسترى أن الشجاعة تحل محل الخوف والتهيب.

وفي الخلق أناس برعوا في نشر جو من الكآبة والتعاسة، يسير الشقاء في ركابهم أينما حلوا، ولا ينصرف اهتمامهم إلا إلى كل كريه من الأشياء: إلى ويلاتهم الشخصية وكشف مساوئ الناس ومخازيهم. وهذا الطراز من الناس، يفلح دائمًا في إثارة الانفعالات الهدامة، فإن تيار الكآبة لا يقتصر تأثيره على الفرد، ولكن عداوة تسري إلى الآخرين، مثله في ذلك مثل تيار السعادة سواء بسواء.. ولا يشع السعادة على الآخرين إلا من عمر بالسعادة. والواجب أن نفرق بين صنفين من الناس: صنف يجلب السعادة برحيله عنا!

إن الحاضر معناه اللحظة الراهنة التي أنت فيها، وإفراغك قصارى الجهد في استغلالها، هو خير ما تهيئ به نفسك للمستقبل، فإذا ما سعيت ووصلت في سعيك إلى حيث يتشعب بك الطريق، فتريث، ولا تتملكك الحيرة وتجمل بالصبر، فقد يعينك على البت في الأمر عقلك الباطن أو ظروف مواتية، أو صديق يخلصك النصح، أو تأخذ بيدك عناية ربانية تنير لك طريق الرشاد.

  • هل أنت في عملك المناسب؟

وليس القلق وحده هو المحطم للسعادة، بل قد يكون العمل معكرًا لصفوها، فأنت إن لم تكن منسجمًا مع عملك تمامًا، جررت على نفسك أسباب الشقاء، ولن تنجو من هذا الشقاء إلا إذا وضعت نصب عينيك دافعًا يحركك للعمل وليكن إسداء النفع للغير وللمجتمع من أهداف عملك.

وفي وسعك أن تكون سعيدًا حقًا، إذا تعلمت كيف تستمد السعادة من عملك. سئل أديسون عن سبب إجهاد نفسه في عمله إجهادًا مضنيًا، فأجاب (ما عملت يومًا واحدًا في حياتي، إنني كنت أقضي وقتًا ممتعًا) وفي هذه الإجابة ما يوضح لنا معنى السعادة!

وسئل الدكتور ألبرت ميكلسن -وكان لا يني يجري التجربة تلو الأخرى لقياس سرعة الضوء- عن سبب مثابرته على عمله، فأجاب: (إذا أردت حقًا أن تعرف السبب، فاعلم أنني أجدُ في عملي لذة!).

فلكي تجيد عملك وتتقنه يجب أن تحبه: فهذا الحب شرط جوهري للسعادة. وأسعد الزوجات والأمهات هن اللواتي يستطعن أن يحلن الكد والنصب إلى ابتهاج، وأسعد العمال هو الذي يستخلص المتعة في عمله!

على أنه يجب ألا يصل العمل إلى درجة الإرهاق، فقد أصيب كثير ممن أرهقوا أنفسهم بالعمل، بالنوريتانيا، وقد يدعي الشخص أنه يضني نفسه بالعمل في سبيل قضية عادلة، متخذًا من عدالتها مبررًا للإرهاق، فليعلم أن كل من ينتهك سنن الطبيعة، يدفع الثمن من صحته، فإذا ما أرهقت نفسك بالعمل-حتى ولو كان هذا العمل، هو الأخذ بيد الناس إلى الجنة- جثم الإرهاق على نفسك حتى لتتصور معه أن مصيرك أنت نفسك إلى جهنم.

والرجال والنساء -مهما تكن أهمية الأعمال التي يزاولونها- من حقهم أن يستمتعوا بقسط ملحوظ من الاسترخاء والترفية. وبهذا يهيئون أنفسهم لاستئناف العمل بهمة ونشاط. فلنتخذ لنا هواية تختلف اختلافًا بيِّنًا عن عملنا، لتدخل السرور علينا، ولنتجنب جنون السرعة القتالة التي تدفعنا إلى العمل.

والانصراف إلى عمل نافع من ضرورات السعادة، فالخاملون، والمتواكلون والمتطفلون لا يستشعرون الرضا قط.

وأشقى خلق الله في الأرض هم الذين ليس لهم مشغلة في الدنيا سوى الانغماس في المتعة! وأن ما تتجاوب به الصدور من أنات السآمة وزفراتها إنما مرجعه إلى الفراغ والبطالة، فالشقاء إذن قد يصيب الثري العاطل كما يصيب الفقير المتعطل، فالشخص العاطل، عرضة لأن ينفق نشاطه فيما يعود عليه وعلى المجتمع بالضرر.

إن البطالة والإرهاق يستويان في أن كلا منهما يحطم الأعصاب، ويمزق المعنويات.

  • لا تركز همك في نفسك

وصف (تشارلز كنجزلي) وصفة لمن يريد أن يشقى في حياته فقال: (فكر كثيرًا في نفسك، وفيما تريد، وفيما أنت في حاجة إليه، وفي مقدار الاحترام الذي ينبغي على الناس أن يولوك إياه، وفي آراء الناس فيك)!

ويقول (جنرال بوث) قائد جيش الخلاص: (إن الهلاك يأتي من المرايا، حيثما يلتفت الإنسان فلا يرى إلا نفسه، والخلاص يأتي من النوافذ حيث يطل الإنسان على شيء غير ذاته).

والسعادة والأنانية لا يمكن أن يعيشا جنبا إلى جنب! وليست السعادة في التركيز في الذات، وإنما هي في تكون معوانا على الخير للناس. يقول (هنري درمند) في هذا الصدد: (إن نصف الناس يضلون طريق السعادة. إنهم يتوهمونها مقصورة على الاستحواذ والتملك وتسخير الغير لخدمتهم. وإنما السعادة الحقة في البذل والإعطاء، وإسداء الخدمات، وخير الناس أنفعهم للناس).

إننا نكون في أبهى صورنا، عندما ننسى أنفسنا. وأعضاء الجسم تؤدي وظيفتها خير أداء عندما لا نلقي إليها بالنا، فالقلب مثلًا يؤدي عمله على أكمل وجه، عندما يشعر صاحبه أنه خلق بغير قلب! إنه يدق بمعدل 72 دقة في الدقيقة، أي نحو 103680 دقة في اليوم، أي نحو37843200 دقة في السنة! ويولد من الطاقة يوميًا، ما يكفي لرفع طن لارتفاع82 قدمًا، ومعنى ذلك أنك إذا بلغت الخمسين من عمرك، يكون قلبك قد ولد من الطاقة ما يكفي لرفع 18250 طنًا إلى ارتفاع 82 قدمًا.. ولا يهولنك هذا الرقم الضخم، فليس القلب مكلفًا بأن يبذل هذه الطاقة كلها دفعة واحدة! فاسترخ، وتجنب الاهتمام الزائد بما يدور في أحشائك!

والحسرة على النفس، تأتي عادة في أعقاب التركز في النفس، فالمشفق على نفسه يرى أنه أشقى الخلق بما تنطوي عليه نفسه من مآسي وأحزان، ويشغله شقاؤه عن التفكير في متاعب الغير!

قصت علي عجوز حادثًا وقع لجارتها. دعي طبيب ليعود جارتها، وكانت طريحة الفراش لا تقوى على النهوض، فلما حضر، اقتاد زوجها خارج حجرتها وأشار عليه أن يعمل ما من شأنه أن يصدم زوجته بصدمة نفسية، فلما عاد الزوج إلى الحجرة، وكانت امرأته كعادتها تئن، بادرها بقوله: (لقد فكرت في أن أتزوج (هاتي) خادمتنا، فهي بلا شك خير من يرعى أطفالنا خلال مرضك). وما سمعت الزوجة هذا الكلام، حتى انتفضت من فراشها لأول مرة منذ أسابيع، وأجابت غاضبة (لا لن يكون ذلك!).

وشدة الحساسية وليدة تركز المرء في فراشه. فالشديد الحساسية، مخلوق يستجيب لمثيرات تافهة، ومكدرات وهمية، فالفتاة الحساسة مثلًا، إذا ضمها مجتمع ورأت اثنين يبتسمان في اتجاهها، استشاطت غضبًا وحسبتهما يتضاحكان منها!

أما أنا، إذا حدث أن كنت في جماعة من الناس ورأيت البعض يبتسمون متجهين إلى، ارتفعت بنفسي فوق كل سخافة، وقلت محدثًا نفسي: (إنني لا أستطيع أن أسمع ما يتهامسون به، ولكنني متأكد أنه لو قدر لي أن أسمعه، لما كان إلا خيرًا)… وإذا ما دعيت لإلقاء خطبة في حفل، ورأيت اثنين يتهامسان، فلن يذهب الغضب بلبي ولن يتملكني غيظ، ذلك لأنني لا أسمع ما يدور بينهما من حديث؛ إلا أنني أثق أن أحدهما يسر للآخر بأنني أشرت إشارة طيبة في خطابي!

وقد تكون هذه الفكرة مغالطة، إلا أنها على كل حال مغالطة محببة إلى.

يقول العالم النفساني (ماك دوجال) أن نقد النفس حصن لنا من الاضطراب العصبي، وهو أمر لا غنى عنه إذا أردنا أن نحيا حياة سعيدة.

وبعض مشكلاتنا العريضة، مبعثها أننا نُلاين أنفسنا، وندأب على اختلاق المعاذير لها. فنحن نعلم أن لنا عيوبًا، ولكننا راغبون عن الاعتراف بها حتى لأصدقائنا، أو لأفراد أسرتنا، والأدهى من ذلك أننا لا نود أن نقر بعيوبنا وتكون نذير سوء يهدد كياننا في مستقبل حياتنا.

فتحين الفرص واختل بنفسك، وتحدث إليها عن مثالبها، كأن تقول لها: (والآن لقد ظفرت بك، ولن تستطيعي أن تفلتي مني! وسأحدثك عن رأيي فيك: إنك يا نفسي مغرورة عابثة، حسود، سريعة الغضب، يتركز اهتمامك في شخصيتك، شحيحة، تفترسك الغيرة، وقد آن الأوان أن آخذك بالجزم).

فانتقاد أنفسنا هو سر رقينا، وسبيل انتصارنا على تركزنا في ذواتنا!

  • ظلال الخوف الرهيبة!

الخوف مأساة من مآسي الحياة الدنيا! كتب (بارل كنج) في كتابه (التغلب على الخوف) يقول (إذا ما ذكرت أنني كنت في معظم أيام حياتي، فريسة للخوف، فإنما أعبر بذلك عن حالة شائعة بين معظم الناس!).

والواقع أننا بدأنا ونحن أطفال نخاف من شيئين: السقوط، والضحية الصاخبة.. ولكن سرعان ما تضاعفت مخاوفنا وتنوعت، فأصبحنا نخاف من المرتفعات أو من الحيوانات!

وفضلُا عما تنوء به نفوسنا من صنوف المخاوف؛ فما زال كثير منا، في عصرنا هذا، تسيطر على عقولهم أوهام الخرافات المختلفة وعلى الرغم من التقدم العلمي الذي بلغناه ما زال البعض يتشاءم من الرقم 13، فيصور لهم الوهم أن المصيبة نازلة حتمًا بعضو من أعضاء فريق يتألف من هذا العدد!

ومن أمثلة سيطرة الأوهام على العقول ما حدث لفريق من هواة ركوب السيارات. كان السائق يسير بمعدل ستين ميلًا في الساعة عندما اعترضته قطة سوداء، فتشاءم سائق السيارة وقال لإخوانه (يا لسوء الحظ! ابصقوا فوق كتفكم الأيسر). ولكن ذلك حدث بعد فوات الأوان، فإن السيارة انقلبت وهي تدور في منحنى من المنحنيات، وغاب السائق عن وعيه، ولما ثاب إلى رشده وأزال التراب عن فمه قال: (إن لئيمًا منكم لم يبصق)!

علاج الخوف

إن صنوف الخوف عديدة، وقد لا يستطيع العقل من بعضها فكاكا. فهل هناك من ضوء يلقى على ظلال الخوف الدكناء فيبددها؟ وإلى أين يمكن أن نتطلع للعلاج من الخوف؟

إن الأمراض البدنية مجلبة للخوف، لذا وجب أن نعني بصحتنا، وأن نعمل على تنشيط قوانا الجسمانية. واللهو والراحة يذهبان الخوف، ويقضيان عليه وعن طريق الألعاب الرياضية تتضاءل المخاوف، وتنجاب.

والانشغال بالعمل النافع، لا يترك فرصة للعقل لكي يضل وينساب في تيار الأوهام. فقراءة الكتب التي تزيد حصيلتنا من المعرفة من شأنها أن تولد في النفوس اطمئنانا، وتحصين العقل من المخاوف الزائفة.

واصطفاؤك إخوان مبتهجين، درع يقيك من الخوف، فاختلط بأصحاب الشجاعة المتفائلين، فإن شجاعتهم تسري إليك، فتكسبك بأسًا، والروح المتفائلة تشع الأمل وتفسح له.

كاشف بمخاوفك صديقًا راجح العقل، يستطيع أن يتغلغل في تضاعيف نفسك بحكمة وعطف، واعلم أنه إذا قاسمك صديق صدوق ما يساورك من مخاوف، خفت وطأتها عليك. ألا ترى أن (جون راثبون أوليفر) في كتابه عن الخوف، أجرى على لسان الشخصية الرئيسية فيه، بعد أن كاشف طبيبه بما في نفسه (لكأنما فتح الطبيب صنبورًا، فاضت منه تلك المخاوف التي كانت راسبة في أعماقي)!

ولن تصل إلى طريق التحرر من ربقة مخاوفك، ما لم تواجهها مواجهة صريحة، فلا تحاولن الهرب منها بل جابهها بشجاعة.

وهناك صنوف من المخاوف يمكن التغلب عليها بإزالة أسبابها، فعلم الطب قد أزال مخاوف كثيرة من المرض..

وعلى الرغم من أن العلم أفلح في القضاء على بعض أوهام الخرافة، إلا أنه يجب أن تعترف أن هناك مخاوف لم يصل العلم بعد إلى علاج لها، والإيمان وحده كفيل بأن يزيلها عنا، وما كان أقوى إيمان داود وهو يقول في مزاميره: (لقد دعوت الله فاستجاب لي. ونجاني من جميع مخاوفي).

  • تقبل نفسك على علاتها

إذا تقبلت نفسك على علاتها تقبلًا صحيحًا، فإنك بهذا تكون قد سلكت طريق حياتها. هو اليوم الذي كفت فيه عن محاولة تجميل نفسها! وهذه وجهة نظر لم تخطر على بال كثير من سيداتنا!

فكثيرون هم الساخطون على مراكزهم في الحياة، الناقمون على عملهم فيها وهم يحسدون الآخرين ممن أوتوا قسطًا أوفى من السعادة والرخاء، وقد يكون منشأ تبرمهم بالحياة إلى ما أصيبوا به من خيبة الأمل في تحقيق أطماعهم وفي تطلعهم إلى ما ينشدونه من تفوق ونبوغ في ميدان العمل. وإذا كانت المواهب تتباين في نوعها وتختلف في قوتها، فإن من الواجب علينا أن نؤدي العمل الذي وكل إلينا، مهما يكن هذا العمل تافهًا، على أن نحتفظ بوقارنا؛ ولا حق لنا أن نجيء بالشكوى، ما دمنا لا نستغل المواهب التي أفاءها الله علينا استغلالا كاملًا.

والواجب يقتضيك ألا توائم بين نفسك، وبين مواهبك فحسب، بل أن تقوم نفسك بحيث تغدو صالحًا للمركز الذي تواجهه، وقد تدعى على الرغم من مواهبك العديدة لتشغل مركزًا ثانويًا، فيحول سلطان الطمع بينك وبين تكييف نفسك لهذا المركز، وعندئذ يفوتك تحقيق هدفك الأسمى.

خذ مثلًا (دانيل وبستر)، وهو من عمالقة الفكر، وقادة الرأي. كان يطمح في أن يكون رئيسًا للجمهورية، فلما أن عين (هاريسون) رئيسًا وعرض على (دانيل) أن يكون نائبًا للرئيس، أبى عليه صلفه أن يكون دون الرئيسي في المرتبة، فأحيلت الوظيفة إلى (جون تيلر) الذي أصبح بحكم مركزه رئيسًا بعد وفاة (هاريسن) الذي لم يعمر في الرئاسة غير شهر واحد! وعلى العكس من ذلك قبل (كولدج) أن يكون نائبًا للرئيس، فأصبح بعد (هاردنج) رئيسًا!

إنك إذا تقلبت نفسك على علاتها كنت أقرب إلى طبائع الأشياء بكل ما في هذا التعبير من معنى.. وعندما تتصرف في أمورك من غير كلفة أو اصطناع، تكون بذلك أمينًا لطبيعتك الروحية، إذ أننا نحن كائنات روحية، وكل تصرف طبيعي هو في الواقع تصرف روحي.

وعليك أن تتقبل تقبلًا حسنًا ما لا يمكن تجنبه من المقادير، وتعلّم أن تتقبل الهزيمة تقبلًا سمحًا كما تقبلها مرشح في الانتخابات مني بهزيمة ساحقة، وبدلًا من أن يحز ذلك في نفسه، علق إعلانًا ساخرًا في مكتبه، هذا نصه (مائة دولار جائزة لمن يجد الشخص الذي أعطى صوته لي).

إن المشكلة هي في أن توفق بين نفسك وبين ما لا مفر منه، فإذا حالت القيود بينك وبين رغباتك، أو وقف المرض حائلًا دون بلوغ أمانيك، فلا تبتئس، وقابل ذلك بالشكران، وتعلم أنه إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون، فإن ساق الله إليك مطرًا، فليكن المطر رغبتك، وإذا حرت بين مركزين أيهما تختار، فارض بما يختار لك، وإذا لم يتحقق ظنك في رقي تنتظره فاعتقد أنه كان من الخير ألا ترتقي، فإن الأمور مرهونة بأوقاتها!

وتقبل النفس على علاتها لا يتضمن الاستسلام والقناعة الزائفة التي تعرقل كل تقدم. فعليك أن تشن حربًا عوانًا على كل ما يصيب الحياة البشرية بأذى. وقد سجل التاريخ قائمة طويلة ممن ارتقوا فوق متاعبهم وانتصروا على النكبات التي رماهم الدهر بها، لقد أبوا أن يستسلموا للهزيمة، فظفروا بالنصر على الكوارث.

خذ مثلًا (روبرت لويس ستفنسون) فما رأى قط في حياته يومًا سعيدًا، ولكنه لم تخر عزيمته، وعكف على العمل، حتى ترك للعالم تراثًا ضخمًا من الإنتاج الأدبي الرائع.. و(تشارليس لام)، وكانت له أخت في عقلها لوثة، فما زال بها حتى شفاها، مستعينًا في ذلك بما أوتي من صبر، وقد تمكنت أخته بعد شفائها من أن تتحف العالم بكنوز نادرة من روائع الأدب.

والجنرال وليم بوث مثل طيب في هذا المقام: قال لابنه (برامول) وقد أخبره طبيبه بأن بصره سوف يغيض: (لقد أديت ما أستطيع نحو الله والناس وأنا مبصر، والآن سأعمل ما أستطيع وأنا أعمى).

وعامل الصحة من العوامل المهمة، وكما أن الصحة طريق للسعادة، فإن السعادة بدورها تفضي إلى الصحة. وكم من أناس أرهقتهم العلل والأسقام فاحتفظوا بهدوء النفس وسلامتها، وصفاء الروح وقوتها.

ألا ترى أن (بيتهوفن) تحالفت عليه أمراض الروماتزم وعسر الهضم، وضعف البصر والاستسقاء ولم يكن في يوم من أيامه متمتعًا بصحة جيدة. لقد بدأ يفقد حاسة السمع وهو في سن الثانية والثلاثين، فكان لا يستطيع أن يسمع مقطوعاته الموسيقية التي ألفها.. كتب مرة يقول (مسكين بيتهوفن! ليس لك من المؤثرات الخارجية ما يغمر نفسك بالسعادة، فعليك أن تخلق أنت بنفسك هناءتك)! وقد أصيب المسكين بالصمم المطلق بعد ذلك، إلا أنه ظل منسجمًا مع موسيقاه إلى آخر يوم من أيام حياته، ومات وهو في سن السابعة والخمسين ولفظ آخر أنفاسه وهو يقول: (سوف أرتد سميعًا في جنة النعيم).

وسير (والتر سكوت) هو الآخر أصيب بشلل الأطفال وسنه ثمانية عشر شهرًا، فتقبل هذا العجز البدني في غير مرارة: لقد ألف المقعد مائتي مجلد! وقد رماه الدهر بالنكبات تلو النكبات: ذهبت معظم ثروته مع الريح، وفقد حفيده العزيز، ومرضت امرأته بداء لا يرجى برؤها منه ولكن هذا لم يفت في عضده. فإذا كان في مقدورك أن تعلو فوق الكوارث، فقد سلكت طريق السعادة. وليس أنبل في قصة الإنسانية من أولئك الذين تقعد بهم العلل، فيتقبلون أنفسهم على علاتها، ويحققون انتصارًا على متاعبهم يُخجل الأصحاء الذين يعيشون على هامش الحياة..

فتقبل نفسك بخيرها وشرها. تقبلها في إيمان، فإن الروح المؤمنة لا يمكن قهرها.

  • تذرع بروح الفكاهة

إن روح الفكاهة، هبة فطرنا الله عليها لتكون حصنا لنا من الزهو والغرور، ولعلها كانت أقوى من أي عامل آخر في أن يحتفظ أولئك المرهقون في عملهم باتزانهم العقلي. فالحياة يجب أن تؤخذ دائمًا مأخذ الجد، ألا ترى أنه إذا ما اشتد التوتر في الحياة وتعقدت أمورها، فإن ضحكة من القلب كفيلة بأن تسري عنا، وتخفف عبء الضغط الذي نرزح تحته؟

وقد تكون فكها دون أن تكون سعيدًا، ولكن قلما تكون سعيدًا دون أن تكون فكهًا.

والإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يضحك ويبكي، وهو الذي يستطيع أن يكشف عن وجه المفارقات في الأمور، وفي إمكانه أن يفاضل بين الأشياء كما يراها وبينها كما يجب أن تكون. وفي حالات الخبل واختلال القوى العقلية تختفي روح الفكاهة كلية! والفكاهة تفضي إلى سلامة العقل وسلامة البدن، وهي كفيلة بأن تذهب روح البغضاء، وتوثق الصلات البشرية.

وأنت لا تكاد تذكر من بين الشخصيات التي اشتهرت بقوة العزم والدأب، شخصية لم تؤت قسطًا وفيرًا من روح الفكاهة.

سئل الكاتب الفكِه (مارك توين) عن سبب طول عمره وما يبدو عليه من علامات الصحة فأجاب (إنني أتبع في حياتي قليلًا من القواعد التي تصلح لي، وقد لا تصلح لغيري. فأنا عندما أتناول شيئًا من الطعام لا يوافقني، أمضي في أكله غير عابئ إلى أن يتغلب أحدنا على الآخر! وأنا لا أدخن أبدًا.. غير سيجار واحد في وقت واحد! ولا أشرب أبدًا.. وحدي! ولا آوي إلى مضجعي أبدًا.. ما دام هناك جليس معي! ولا أستيقظ أبدًا.. إلا إذا كنت مضطرا لذلك!).

هذا الكاتب النابه نشر كتابه (جان دارك) وخشى أن يضع اسمع عليه، لأن شهرته –ككاتب ساخر- جعلته يعتقد أن الجمهور لن يأخذه مأخذ الجد!

إن النكتة العذبة تصدر عن الذهن، أما الفكاهة فمصدرها القلب!

إلا أنه من الواجب أن يخصص كرسي للفكاهة في مدارسنا، وكلياتنا! وإلا فخبرني أي طريق آخر غير طريق الفكاهة، يمكن أن نسلكه مع شخص يمشي في الأرض مختالًا فخورًا ويمسي عجبًا بنفسه؟ وهل هناك وسيلة أخرى غير الفكاهة نستطيع أن نتخذها لكي نفش بها نفخة التعاظم الأجوف والتفاخر الكاذب؟ وأي طريقة أفضل من التندر، يمكن أن ننتهجها كي نجرح بها صفاقة رجل متظرف ثقيل الظل، أو رجل متزمت يتصنع الرزانة ويبالغ فيه؟

إن روح الفكاهة تزيل عنك الاكتئاب والملال وضيق الصدر وإذا نظرت عبر الزمن، اقتنعت بأن انتفاء عنصر الفكاهة منه كان خليقا بأن يقلل من أسباب السعادة للأجيال المقبلة. ما الذي يوجب علينا أن نعتبر الوقار والجمود والانطواء ظاهرة ممتازة من ظواهر البشر؟.. والدنيا مملوءة –بكل أسف-بنفر غير قليل من الناس يبدو لك أنهم يهيئون أنفسهم لحياة مظلمة خالية من إشراقة البسمات، وهم يتطلعون إليها ويهيئون أنفسهم لها بأن يزيلوا عن وجوههم علامات التهلل والاستبشار، وعن قلوبهم كل مسرة وابتهاج!

نعم إن الرزانة ضرورة من ضرورات الحياة، ولكن يجب أن نفرق بينها وبين الاكتئاب!

وكم من خلافات ومشاحنات شخصية أمكن تجنبها، لأن طرفًا فيها أوتي روح الدعابة! وكم من حوادث للطلاق يمكن منعها لو أن روح الفكاهة سادت في بدء الخلاف بين الزوجين!

ولا يمكن أن ننكر أن هناك أطيافًا من الكآبة، لا ينفع في تبديدها المرح الطبيعي وأن من الأحزان ما يبلغ من الشدة والعمق حدًا لا تفلح الفكاهة في إذهابه بل أن بعض عظماء الساخرين كانوا في حياتهم الخاصة، من أشد خلق الله كربًا!

أصيب (تشارلز ماتيوز) أعظم ممثل هزلي في زمنه بمرض هد كيانه البدني والذهني، فاستدعى اختصاصيًا ليعالجه، وقال له متعجبًا (أيها الطبيب ماذا أنت صانع بي؟ لقد برح بي الحزن يخيل لي معه أن قلبي يتمزق)، وما إن فحصه الطبيب فحصًا دقيقًا حتى قال له: (نصيحتي إليك أن تذهب لتسمع (تشارلز ماتيوز) أنت في حاجة إلى أن تضحك ولست في حاجة إلى دواء!).

  • احذف كلمة (لو) من قاموسك!

(لو أنني عملت هذا بدلًا من ذاك).. (لو أنني التحقت بمدرسة أخرى).. (لو أنني عينت في مركز آخر).. (لو أنني ظفرت منذ عشر سنوات بهذه الوظيفة) (لو أنني استغللت مالي في وجه آخر).. بل يذهب البعض إلى أبعد من هذا ويقول: (لو أنني تزوجت (فلانة) بدلا من (فلانة).. وهكذا تمتلئ حياتهم بلفظة (لو). إن كلمة (لو) لا مكان لها في حياتنا. فما مضى مات ولا يمكن تبديله.

فاحذف كلمة (لو) من قاموسك إلى الأبد. وعوضًا عن أن تفكر تفكيرًا أساسه (لو) بفعل شرطها وجوابه. كن واقعيًا، وفكر تفكيرًا عمليًا تستوحيه من صميم تجاربك، واعلم أن (لو) كفيلة بأن تقلب ميزانك النفسي!

إن السعادة تنبثق مما تنطوي عليه سريرتك، إنها نتيجة الشعور بأنك ممن يألفون ويؤلفون. عبر بعضهم عن الشقاء بكلمات هذا نصها: (لم يكترث إنسان بحياتي).

إن حياة بعض الناس شبهت بدوامة: دوران مستديم يتبعه دوران ليس إلا، وحياة البعض الآخر كالحلقة المفرغة، تنتهي من حيث تبتدئ.

فلكي نحقق سعادتنا في الحياة، علينا أن نتحرك قدمًا إلى الأمام!

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

 

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *