الكاتب

ديباله شوبرا

في كل مرة يعترض طريقك تحدٍ ما سواء كانت نتيجة العلاقات أو العامة أو التحولات الشخصية أو أي أزمة؛ يُتطلب رد فعلٍ معينٍ، والخطوة الأولى لأي نضجٍ روحي تتمثل في إدراك مستويات الوعي التي تُملي عليك تصرفاتك الحالية، وهناك 3 مستويات من الوعي:


المستوى الأول: الوعي المنغلق:
مستوى المشكلات، ولذا هو ما يجذب انتباهك فورًا، هناك خطأ ما، وأنت تواجه عقبات تأبى أن تتزحزح ومع ارتفاع مستوى المقاومة لن يطرأ تحسن على وضعك، وإذا تفحصت المشكلة بانت لك العناصر التالية:
رغباتك غير محققة، هناك شيء تريده، لكن هناك عقبات تحول دون تحقيقه.
تشعر وكأن كل خطوة إلى الأمام هي بمثابة معركة.
هناك قلق متنامٍ وخوفٍ من الفشل.
أنت مشوش الذهن، مرتبك، مرهق، تعاني صراعًا داخليًا.
ومع تعاظم الإحباط يزداد استنزاف طاقتك، وتشعر بالإحباط أكثر فأكثر.
يمكنك التأكد من أنك عالقٌ على مستوى الوعي المغلق من خلال اختبارٍ بسيط: كلما كافحت للتخلص من المشكلة، وجدت نفسك في شِرَاكها.


المستوى الثاني: الوعي المنفتح:
هذا المستوى حيث تبدأ الحلول في الظهور، النظر إلى ما هو أبعد من المشكلة يمنحك المزيد من النقاء، بالنسبة إلى الأعم الأغلب من الناس هذا المستوى غير متوافرٍ فورًا، والسبب هو ردة فعلهم الأولية تجاه الأزمة، إذ يصبحون في حالة دفاع، حذرين، وخائفين، ولكن إذا ما سمحت لنفسك بالانفتاح سوف تجد أن العناصر التالية تصبح جزءًا من وعيك:
تتضاءل الحاجة إلى الكفاح.
تبدأ بالتحرك نحو الانعتاق.
يتواصل المزيد من الناس معك، وتسمح لهم بالمزيد من المنافع.
تتخذ قراراتك بثقةٍ تامة.
تواجه الخوف بواقعية، مما يجعله يتناقص.
لن تشعر بالمزيد من الإحباط والصراع الداخلي بوجود رؤية واضحة.
يصبح بمقدورك القول أنك قد بلغت هذا المستوى حين لا تعود متمسكًا بالخوف.


المستوى الثالث: الوعي النقي:
هذا المستوى حيث لا معضلات ولا مشاكل، وحيث كل تحدٍ فرصة للخلق والإبداع، باستطاعة الوعي أن يتمدد بلا قيود، وعلى الرغم من أنه يبدو أن الأمر قد يستوجب خبراتٍ طويلةٍ في المسار الروحي للوصول إلى الوعي، فالحقيقة هي عكس ذلك تمامًا.
في كل لحظة يتواصل الوعي معك يرسل نبضات إبداعٍ خلاّقة، المسألة كل المسألة تتعلق بكيفية تجاوبك مع الإجابات التي ستُقدم، وحين تكون متجاوبًا كليًا سترى العناصر التالية:
لا صراع مطلقًا.
تتحقق كل الأمنيات تلقائيًا وبشكلٍ عفوي.
ما تريده تاليًا هو أفضل الأشياء التي قد تحدث إنك تقدم المنفعة لنفسك وللمحيطين بك.
يعكس العالم الخارجي ما يحدث بعالمك الداخلي.
تشعر أنك في أمانٍ كلي، أنت في منزل الكون.
تنظر إلى نفسك وإلى العالم نظرة تعاطفٍ وفهمٍ.
الوعي الذي يتوقف عمله بسبب الخوف أو القلق أو الغضب أو الاستياء أو المعاناة من أي شيء هو غير قادر على اختبار الوعي المنفتح، وبمقدار أقل الوعي النقي.
لكل من هذه المستويات نوعٌ خاصٌ من الخبرات وهذا ما يمكن ملاحظته بسهولة في حال حدوث تناقض حاد، أو تغير مفاجئ.
الحب من النظرة الأولى ينقل الإنسان من دون سابق إنذار من حالة الوعي المنغلق إلى حالة الوعي المنفتح، وبدلًا من التواصل (مع الآخرين) وفقًا للطرق الاجتماعية التقليدية، تجد نفسك فجأة مشدودًا بقوةٍ إلى إنسان آخر، فرد في العمل الإبداعي، هناك تختبر تجربة الاندهاش، وبدلًا من السعي بجد ستجد يقدم نفسه فجأة حيًا وجديدًا، لا أحد يشك أن مثل هذه التجليات قد تكون تغيرًا حياتيًا كما هو الحال في ما يسمى بذروة التجربة: حين يغمر الضوء الحقيقة، وما لا يراه الناس هو وجوب أن يكون الوعي المنفتح حالتنا الطبيعية، وليس مجرد لحظات استثنائية، ومن هنا جعل حالتنا الطبيعية هو بيت قصد الحياة الروحية.
الإصغاء إلى الناس وهم يرون قصصهم مع المشكلات ويتحدثون عن العقبات والفشل والإحباط –وكأنهم محاصرون بداخل مستوى الوعي المغلق- يجعل المرء يشعر أن إمكانية التوصل إلى رؤية جديدة أمرٌ بالغ الأهمية، من السهل جدًا أن يضيع المرء في التفاصيل ولكن غالبًا ما تكون العقبات التي تحول دون مواجهة التحديات غير ذات قيمة.
ليس مهمًا كيف تشعر بالحرج من وضعك الذي يعاني من صعوبات فريدة من نوعها، انظر يمنة ويسرة تر الآخرين محاصرين ضمن أوضاعهم الخاصة التي تشبه وضعك، كل ما عليك هو ترك التفاصيل جانبًا، وما تبقى، والذي من المحتمل أن يكون سببًا لمعاناتك هو: نقص الوعي، وحين أقول (نقص) فأنا لا ألمح إلى تقصير ذاتي.
ما لم تسع إلى توسيع أفق وعيك، فلن يكون لديك أي خيار سوى معايشة تجربة حالة الانغلاق أو الانكماش.
تمامًا كما ينقبض الجسم في حالة التعرض لألمٍ مادي؛ يشعر العقل وكأن هناك من يحاول إعادته إلى الوراء في حال تعرضه إلى خللٍ ذهني، وهنا أيضًا نشير إلى أن التغيير المفاجئ، ولو للحظةٍ يجعل من السهل اختبار ما يمكن أن يُشعر به بأنه انغلاق وانكماش.


الوعي لا يتصرف بسلبية إنه يؤمر بالقيام بالفعل (أو بعدم القيام به) كيفية فهمك للمشكلة هي التي تحدد حتمًا كيفية محاولتك حلها.
كل موقف يحصل وكل حالة تجعل من نفسها سببًا لتمدد وعيك واتساعه، وكلمة تمدد لا تعني أبدًا أن الوعي سينفجر مثل: البالون، على العكس بمقدورنا توزيع الوعي على مجالات محددة، حين تدخل حالة ما، تستجيب من خلال محطات وعيك التالية:
التصورات.
المعتقدات.
الافتراضات.
التوقعات.
الأحاسيس والمشاعر.
بمجرد تغيير هذه المظاهر، المحطات –ولو القليل منها- يحدث تغيير في الإدراك، وكخطوة أولى في محاولة التوصل إلى حل، من الأهمية بمكان تفتيت المشكلة تمهيدًا للقضاء على كل المظاهر التي تغذيها.
التصورات: كلٌ ينظر إلى حالةٍ ما من زاويةٍ مختلفةٍ، فالذي قد يُشكلُ كارثة بالنسبة إليَّ قد يكون فرصة سانحة بالنسبة إليك.
وما أعتبره أنا خسارة قد تعتبره أنت رفعًا لحملٍ كبيرٍ عن كاهلك.
التصورات ليست جامدة ثابتة، بل هي وجهة نظر شخصية.


من هنا السؤال الأهم الذي يُطرح حين بلوغك درجة الوعي؟


ليس (كيف تبدو الأمور؟) بل (كيف تبدو الأمور لي؟)
الشك في مصداقية تصوراتك، يجعلك تنظر إلى المشكلة عن بعد، وهذا ما يجعلك تحكم بموضوعية، مع العلم أنه ليس هناك موضوعية مكتملة.
إننا كلنا ننظر إلى العالم من خلال نظارات ملونة، وإذا أخطأت في النظر إلى الحقيقة، فالسبب يعود إلى عدم وضوح الرؤية.


المعتقدات: كونها تختبئ دائمًا خلف الستارة، فهي تؤدي دورًا سلبيًا، نحن جميعنا نعرف أن هناك أناسًا يدّعون أنهم لا ينطلقون من أحكام مسبقة: عنصريًا، دينيًا، سياسيًا، أو ذاتيًا، لكن تصرفاتهم تدل على أنها بناء على أحكام مسبقة.


من السهل جدًا عدم الإفصاح عن معتقداتك، ولكن ليس من السهل عدم الاعتراف بها.
إن ما يسميه علماء النفس جوهر الاعتقادات يكون من الصعب عليك التخلي عنه بسهولة، على سبيل المثال كان اعتقاد بتفوق الرجال على النساء مما يؤدي لمنعهم من كثيرٍ من الحقوق، وحين بدأت النساء يطالبن بحق الاقتراع ومع اتساع نطاق هذه الحملة، وجد الرجال أن جوهر معتقداتهم معرضٌ للخطر، فكيف كان تصرفهم؟ كان: وكأنهم تعرضوا لهجومٍ شخصي، والسبب: اعتبار معتقداتهم هوياتهم، “هذا هو أنا” مفهومٌ مترسخٌ في العقل إلى جانب مفهوم “وهذا ما أؤمن به”.
حين تتصرف تجاه تحدٍ على أنه تحدٍ شخصي، فتتخذ موقفًا دفاعيًا، وتغضب، وتعاند لمجرد العناد فاعلم أن هناك مسًا بجوهر بعض المعتقدات.


الافتراضات: تسمى كذلك لأنها تتغير وفقًأ للموقف الذي أنت فيه.
الافتراضات أكثر مرونة من المعتقدات، خاصًة وأنها لم تخضع لاختبار المصداقية، فمثلًا لو طلب منك رجل الشرطة الوقوف إلى جانب الطريق، أفلا تفترض أنك ارتكبت خطأً ما، وأن عليك الاستعداد للدفاع عن نفسك؟
ذلك لأنه من الصعب عليك الاقتناع بأن رجال الشرطة يتصرفون بإيجابية.
هذه هي طريقة عمل الافتراضات، إنها أشبه بقفزةٍ في المجهول.
أما بالنسبة للعلاقات الاجتماعية فالأمر يختلف، لأنك حين تدعو صديقًا تناول العشاء يمكنك افتراض كيف سيكون اللقاء؟
على عكس ما كنت ذاهبًا إلى موعدٍ مع شخصٍ لا تعرفه.
وكما هي الحال مع المعتقدات فإذا تحديت افتراضات شخص ما، فهناك احتمال أن تكون النتائج بعكس ما كنت تتوقع، برغم أن افتراضاتنا دائمة التغير، لا نحب عادة أن يقال لها أنها بحاجة إلى التغيير.


التوقعات: ما تتوقعه من الآخرين مرتبطُ بالرغبات والخوف.
التوقعات الإيجابية هي تلك المحكومة بالرغبات، كأن تتمنى شيئًا وتتوقع أن يتحقق.
نحن نتوقع أن نكون محبوبين ونتوقع الرعاية الكاملة من قبل زوجاتنا، كما نتوقع النجاح في العمل الذي نقوم به.
أما التوقعات السلبية فهي تلك التي يتحكم الخوف فيها ، كما هي الحال عندما يتوقع بعض الناس وقوع أحداثٍ سيئةٍ.
الخوف والرغبات أكثر التصاقًا بالعقل، لذا فتوقعاتك أكثر واقعية من معتقداتك وافتراضاتك.


الأحاسيس والمشاعر: مهما حاولنا التنكر لها فهي تطفو دائمًا على السطح.
يراها الآخرون ويشتمونها لحظة يلتقون بنا، لذا نحن نمضي وقتًا طويلًا نحارب المشاعر التي لا نرغب فيها، أو تلك التي نخجل منها.
بكل بساطة امتلاك العديد من الناس مشاعر غير مرغوب فيها يجعلهم يعتبرون أنفسهم عرضة للخطر، ومُهانين.
وكون الانفعالات تصرفات خارجة عن نطاق السيطرة ، يجعلها تعتبر مشاعر غير مرغوب فيها.


إدراكك أن لديك مشاعر هو خطوة على طريق الحصول على الوعي الأسمى، تليها خطوة تالية، قد تكون أكثر صعوبة، وتتمثل بتقبل أحاسيسك، وهذا يضعك وجهًا لوجهٍ أمام المسؤولية.

تحملك مسؤولية مشاعرك بدلًا من إلقائك اللوم على إنسان آخر هو دلالة أنك إنسان انتقل من حالة الوعي المغلق إلى حالة الوعي المنفتح.
إذا كنت قادرًا على اختبار حالة وعيك فستبرز هذه العناصر الخمسة.
حين يكون هناك من هم واعون لذواتهم فعًلا، يمكنك طرح أسئلة مباشرة عليهم، مثل: كيف يشعرون، وما هي افتراضاتهم، وماذا يتوقعون منك؟ وكيفية تأثير ذلك في جوهر معتقداتهم؟ وفي المقابل لن تكون مضطرًا لاتخاذ موقفٍ دفاعي.
*إذا كان الوعي يعمل كالآلة، فلن يكون قادرًا على التعافي من حالة العذاب والمعاناة.
ومثل علبة التروس التي تتآكل بفعل الاحتكاك تسير أفكارنا من سيء إلى أسوأ، حتى نصل إلى يوم تكون فيه الغلبة المطلقة للمعاناة.
بالنسبة إلى عددٍ لا يحصى من الناس الحياة هي هكذا، ولكن إمكانية الشفاء تبقى موجودة دائمًا: التغيير والتحول هما حقٌ لك، ليس من قبل أي وسيلة خلاص، بل من قبل ثوابت الحياة العصية على التلف والتخريب، التي هي من الوعي النقي.
أن تكون حيًا؛ يعني أنك في حالة تغيير مستمر، حتى نشعر أننا متجمدون تبقى خلايانا تُنتج المواد الضرورية لاستمرار الحياة.
الشعور بالخدر والاكتئاب قد يجعلان الحياة تبدو وكأنها جامدة متوقفة، وكذلك الخسارة المفاجئة والفشل.
مهما تكن الصدمة قاسية، والفشل متماديًا، فلن يتأثر أساس الوجود لا من قريب ولا من بعيد.
*في الواقع، كل واحد منّا تائه في عالم نسميه العالم الحقيقي.
العقل ليس شبحًا ولا طيفًا، إنه جزء لا يتجزأ من الوضع الذي تجد نفسك فيه.
لمعرفة كيف يعمل عليك أولًا الفصل بين الفكر وخلايا الدماغ التي تٌنتج الأفكار، وردّة فعل الجسد حالما يتلقى رسالة من الدماغ والنشاط الذي تقرر أن تقوم به.
كل هذه هي جزء من عملية مستمرة.
الطريقة الأكثر فعالية لتغيير حياتك هي في الانطلاق من وعيكن حين يتغير إدراكك يتغير وضعك كله ومركزك، كل وضع هو مرئي، وغير مرئي معًا.
الجانب الخارجي هو ما يحاربه الأغلب الأعم من الناس، لماذا؟
لأنه “هناك” واضحٌ وجليٌ، وفي متناول الحواس الخمس، إنهم لا يحبون مواجهة الجانب غير المرئي من أوضاعهم، لأنه “هنا” حيث المخاطر غير المرئية، والمخاوف بالمرصاد، في الرؤية الروحية للحياة تتشابك الـ “هنا” والـ “هناك” بعدد لا يحصى من الخيوط، وقماشته الوجود.
معظمنا يتجنب المواجهة مع أنفسنا، إننا غير قادرين على تحديد نوعية رؤيتنا للحياة، التي بدلًا من ذلك نواجهها كما هي، متأقلمين معها بأفضل ما يمكن، معتمدين على أخطاء الماضي، ونصائح الأصدقاء وأفراد العائلة، والتعلق بالمستقبل.
أننا نستسلم في حين علينا التمسك بعناد بما نعتقد أننا نرغب فيه، ونتمناه.
إذا كان هناك مقولة واحدة من الحكمة العملية نقولها:


“أن الحياة تتولى إعادة إنتاج ذاتها بشكلٍ دائم، وتتطور في الوقت نفسه، هذا ما يجب أن يكون واقع حياتك الخاصة”.
وحين ترى أن كل سعيك وكل ما بذلت من مجهودٍ، وما أصابك من إحباطٍ، قد حالت دون تمكينك من اللحاق بمسار التقدم، فهذا أهم سبب يدعوك لوقف السعي، وبذل الجهد هراء.


قال أحد الحكماء الهنود: (الحياة أشبه بنهرٍ يتدفق بين ضفتي الألم والعذاب)

كل شيء سيكون على أفضل حال حين نتدفق مع مياه النهر، لكننا نصر على التمسك بالألم والعذاب اللذين نعايشهما، كما لو أن ضفة النهر توفر لنا الملجأ الآمن، والسلامة التامة.
تتدفق الحياة من داخل ذاتها، وهي تعي تمامًا المفاهيم الجامدة التي تتعارض مع استمرار مسيرة الحياة، من هنا، كلما أعطيتها المزيد من الحرية؛ تمكنت حقيقة ذاتك من التعبير رغبتها في التطور.
وعندما يتم ذلك بكل سلاسة يتغير كل شيء؛ عالمك الخارجي وعالمك الداخلي سيعكس كل منهما الآخر من دون منازعات، أو مشاكل؛ ذلك لأن الحلول المنبثقة من المستوى الروحي لا تعترضها عقبات كل ما تتمناه سيوصلك إلى ما هو أفضل لك وللمحيطين بك.
في النهاية السعادة مستمدة من الحقيقة والواقعية، وليس هناك ما هو أكثر حقيقة وواقعية من التغيير والتطور.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *