إن المخبوزات والمعجنات التي نصنعها في المنزل لا تشبه في تذوقِّها أبدًا تلك التي نشتريها من المتاجر! ولعل ذلك يرجع إلى أن مجموعة من المكوّنات الإضافية تُضاف عادةً إلى تلك المعجنات لتحسين جودتها في الصناعة، فالعديد من مصانع الأغذية تهتم باستخدام الأنزيمات تحديدًا كمكون إضافي بديلًا عن الاضافات الكيميائية؛ وخصوصًا أن عوام الناس ينظرون إليها على أنها طبيعية أكثر من تلك الإضافات الكيميائية.

فما هي تلك الأنزيمات؟ وكيف يمكن أن تسهم جودة المعجنات والخبز في الصناعة والاقتصاد؟!

ولكن، وقبل الحديث عن تلك الأنزيمات، علينا في البداية أن نتعرف على عملية تصنيع المعجنات، وما الإضافات السابقة التي كانت تسهم في إعدادها قبل التوجه للإنزيمات.

  • احتواء الطعام من خبز ومعجنات على ما يعرف بروابط التشابك أو المترابطات أو الشبكة الغلوتينية (crosslinking in food):

إحدى الخصائص التي يهتم بها صانعو الأغذية هي التحكم في نسيج الطعام (ما تشعر به عند تناول الخبز مثلًا من ليونته أو قسوته)، فيمكن تغيير ذلك عن طريق تغيير كمية روابط التشابك في الطعام، حيث إن دقيق القمح يحتوي على بروتين الغليانين أو الغلوتينين الذي يمتص الماء بسهولة؛ ليكوِّن مركّبًا متماسكًا غرويّ الصفات، يُطلق عليه غلوتين، وهو الذي يربط باقي مكونات العجين مع بعضها.

فما هي المترابطات أو روابط التشابك؟

هي الروابط التي تُصنع بين جزيئات البروتين في الخبز والمعجنات، وهي تُعد جزءًا طبيعيًّا من عملية تصنيع الطعام؛ حيث تؤثر على تماسك المخبوزات، فبدونها سوف يتفتت ويتهشم ولن تكون المعجنات والمخبوزات ذات قوام متماسك. وكلٌّ من النقانق والمعجنات وحبوب الجيلي تحتوي على روابط التشابك تلك.

 إذًا مم تُصنع روابط التشابك؟

كان يتم عمل تلك المترابطات باستخدام برومات البوتاسيوم، ولكنها ارتبطت بمرض السرطان ولم تعد تُستخدم في مكونات الطعام حاليًا.

و يمكن أن تُصنع المترابطات أيضًا من حمض الاسكوربيك(فيتامين C )، ولكنه في أثناء التفاعل قد يحدث له تغيُّر في الشكل، مما يعني عدم عمله كفيتامين في مرحلة خبز المعجنات النهائية، بالإضافة إلى الحاجة إلى الأكسجين لكي يعمل حمض الاسكوربيك كرابط تشابكيٍّ فعال، وهذا يعني الحاجة إلى خلط ومزج المكونات بقوة ولفترة طويلة؛ للسماح بالتهوية المناسبة للحصول على الأكسجين الكافي، حيث إنه يعد تحدٍّ كبير للحصول على كمية المترابطات المناسبة، فإنها عندما تكون أقل من الكمية المناسبة لن تستطيع الحصول على أي مزايا، وعندما تكون كمية المترابطات أكثر من المطلوب فإنها ستكون صعبة المضغ.

  • ومن أجل هذا لجـأ علماء التغذية إلى الأنزيمات، وكان أهمهاtransglutamase (TGA):

إن أنزيم TGAمن المعروف عنه أنه يسبب الترابط في البروتينات، على الرغم أنه يعمل على أجزاء مختلفة قليلًا من جزيئات البروتين عن تلك الأجزاء التي تعمل عليها الإضافات الكيميائية المستخدمة حاليًا، وهو أيضًا لا يحتاج للأكسجين لكي يصبح فعّالًا مثل حمض الأسكوربيك، مما يعني أن مشكلة التهوية المناسبة أثناء تصنيع المعجنات قد حُلَّت، ومما يُنتج عملية تصنيع أرخص وأكثر كفاءة، فضلًا عن أن الأنزيم يصبح غير نشط أثناء عملية الخبز، مما يعني التحكم في كمية المترابطات. ميزة أخرى: إنه من المتعارف بين المستهلكين أن الأنزيمات طبيعية أكثر من بعض الإضافات الكيميائية المستخدمة، فضلًا عن أنك لا تحتاج لإضافة الكثير من هذه الأنزيمات؛ لأنها عوامل مُحفِّزة (تسرِّع من حدوث التفاعل الكيميائي).

كيف كان أداء أنزيم TGA حسب التجارب المعملية؟

  1. وفي التجارب المعملية لاختبار تأثير TGA على الخبز والمعجنات كانت النتائج مذهلة، والصورة في الأسفل توضح تأثير TGA على معجنات الكرواسو؛ حيث إنها تسبب انتفاخها وتظل هشة، وقد ظل هذا الانتفاخ ظاهرًا حتى بعد التجميد، وهذا الأمر يُعد مهمٌّ بالنسبة للأسواق في اليابان، والتي تشتري أعدادًا ضخمة من الكرواسو النيوزلندي.

2. وقد ساعدTGA أيضًا على تحسين قوة التفتت Crumb strength في المخبوزات، والتي تعني الطريقة التي يتماسك بها عجين الخبز، بحيث يصبح قابل للمط دون تمزق أو تفتت، على سبيل المثال: عندما ينكسر الخبز حين تضع عليه زبدة يعني أن لديه قوة تفتت ضعيفة.

3. بالإضافة إلى أن العجين المضاف إليه TGA لا يحتاج لكثير من الخلط والمزج، وقد تم قياس هذا باستخدام آلة الخبز، والتي يمكنها تحديد كمية الطاقة المستخدمة في الخلط حتى تمام القوام المثالي؛ مما يترتب عليه خفض فاتورة الكهرباء؛ ولهذا كان أصحاب المخابز والمعجنات متحمسين لهذا الأنزيم الجديد.

إذًا فالتجارب التي أُجريت نتائجها مبشِّرة للغاية، فماذا بعد؟

الخطوة التالية هي: الأخذ في عين الاعتبار الطرق التي يمكن بها للتجارب المعملية رفع مستوى الإنتاج التجاري، وتحسين الصناعات الغذائية بالمزيد من الأبحاث، وليس هذا فحسب، بل إن هناك مجموعة من الضوابط التنظيمية والاختبارات التي يجب الوفاء بها قبل طرح هذه المكونات الجديدة للأسواق، وهذا يتم حاليًا من قِبل معايير الغذاء القياسية لأستراليا ونيوزلندا Food Standards Australia New Zealand، فقَبل طرح المنتج للأسواق واختبار المستهلك واختبار تذوق المنتج يجب موافقة الجهات التنظيمية أولًا.

ولكن لا يوجد شيء كامل، فـ TGA مثلما لديه العديد من الميزات الصناعية، هناك أيضًا بعض الشكوك التي أثيرت حول عيوبه؛ ولهذا يجب الأخذ في عين الاعتبار بعض الاحتياطات والدروس قبل طرحه للسوق.

  • الدرس الأول: ابحث عما لا تتوقع رؤيته:

التجارب المعملية كانت تبدو مدهشة عند اختبار TGA وعما أبداه من تغيّرات في العجين: من تحسين قوة التفتت، وزيادة حجم المعجنات، فضلًا عن أنه يمكن أن يدخل للصناعات الغذائية بسهولة نسبيًا، وذلك باستبدال بعض الإضافات الكيميائية المستخدمة حاليًا به. ومع هذا ففهم كل التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الغذاء يُعتبر تحدٍ كبير، حيث إنه من الصحيح أن TGA يحفز تفاعلات المترابطات crosslinking بين جزيئات محددة من البروتين، إلا أنه يغيّر بعض الأحماض الأمينية في جزء آخر من نفس البروتين، خصوصًا مجموعة الأمين الجانبية من الغلوتامين (CONH2 of glutamine )، حيث يحوّلها لمجموعة حمضية COOH ! ومع هذا فإنه من غير المعلوم مدى تأثير ذلك على المدى البعيد!

  • الدرس الثاني: التفاعلات الجانبية مهمة!

بعض الأمراض المعويِّة واضطرابات الهضم ناتجة من الالتهاب الحاد للمعدة، فالتقارير الطبية تشير إلى أن TGA موجود طبيعيًّا في المعدة، ويعمل كمحفز لبعض الأمراض لدى بعض الناس؛ فقد أظهرت الأبحاث أن TGAالمِعديّ يُحدث تغييرًا في جزيئات بروتينات القمح المأكولة، وهذا التغيير يحدث في جزء محدَّد من بروتين القمح، حيث يحفِّز الاستجابة المناعية لدى بعض الناس، مما يسبب الالتهاب.

حيث إن TGA – المستخدَم لتحسين منتجات الخبز- عند إضافته للعجين يسبب أيضًا تغييرًا في البروتين الموجود في دقيق القمح، والذي يُصنع منه المعجنات والخبز، مما يعني أن استخدام TGA مع منتجات القمح قد يكون ضارًا جدًا، وخصوصًا لمن يعانون من الأمراض المعويّة واضطرابات الهضم، وعلى الرغم أنه لا توجد تجارب معملية فعلية تؤكد على اقتراح أن الخبز المُصنّع بواسطة TGA يحفّز الأعراض المرضيّة -تم استنتاج ذلك أثناء ملاحظة التفاعلات- فإننا لانزال في حاجة لإجراء المزيد من الاختبارات، بالإضافة إلى أن الاستجابة المعويّة قد تكون نتيجة استخدام الحبوب الزراعية الكاملة، ولكنه قد لا يسبب خطورة في المنتجات الأخرى كالتوفو والمنتجات السمكية.

  • الدرس الثالث: التنظيم أمر مهمّ:

في نيوزلندا يجب اعتماد جميع المكونات الغذائية الجديدة وفقًا لمعايير الغذاء القياسية تبعًا لأستراليا ونيوزلندا؛ فهي المسئولة عن وضع معايير تصنيع الأغذية والمعالجة والإنتاج الأوليّ وتوفير المعلومات للمستهلكين؛ ليستطيع المستهلك اختيار الأفضل، بالإضافة إلى تنسيق المراقبة الوطنية على المنتجات الغذائية والمنافد، واسترداد المواد الغذائية، وإجراء تقييم للمخاطر التي قد تسببها بعض المنتجات. وكنتيجة لتصاعد الاسئلة حول TGA عند إضافته لمنتجات القمح، وَضعت مؤسسات صناعة الخبز تحقيقاتهم في استخدام TGA لتحسين منتجات الخبز، وتم إخطار هيئة معايير الأغذية بالخطر المحتمل لاستخدام هذا الأنزيم.

إن بعض المكونات لديها تأثيرات مذهلة على الأطعمة، ولكن إذا لم تكن آمنة فلا فائدة من متابعة استخدامها، فمن المهم إمكانية القيام بفحص سلامة كامل لكل عنصر جديد قبل طرحه للسوق.

المصدر:

The chemistry of croissants — Science Learning Hub

إعداد: آية مأمون

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *