إلى أي حد يؤثر تقدم السن على قدراتنا العقلية والبدنية؟

لكي نجيب عن هذا السؤال، ينبغي أن نحدد أولًا ما هو المقصود بالشيخوخة؟

إن الشيخوخة مرحلة من مراحل العمر تبدأ في اللحظة التي نحس فيها بمضي الزمن، وبما يصاحب المرحلة من تغيرات بدنية وعقلية تميزها، تمامًا كما تميز مرحلتي الطفولة والبلوغ مميزات بدنية وعقلية وعاطفية معينة.

وفيما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين تصل قوى الإنسان البدنية إلى ذروتها، وهذا هو السبب في أن معظم الرياضيين الذين يمارسون ألعاب القوى يبلغون بأجسامهم في سن الثلاثين مستوى لا يتعدونه. أما القدرة العقلية فتصل إلى ذروتها فيما بين العشرين والأربعين..

وماذا عن العاطفة؟

من الصعب أن نخضع العاطفة إلى مقياس دقيق، ولكن من الثابت أن الطاقة الانفعالية في الطفل الصغير تظل أقوى عنده من الطاقة العقلية حتى يصل إلى سن البلوغ. ومع تقدمه في السن، تبدأ العواطف مرة أخرى في السيطرة على سلوك الإنسان، وتحتل مركز الصدارة في مرحلة الشيخوخة ولهذا يسمونها أحيانًا (الطفولة الثانية)!

التغيرات البدنية

ولا شك في أن بعض التغيرات البدنية التي تنجم عن تقدم السن تؤثر بطريق غير مباشر في القوى العقلية، والانطباعات العاطفية للإنسان.. ومن أهم التغيرات البدنية ضعف الحواس، كالسمع والبصر… وكثيرًا ما تؤثر هذه التغيرات في الشخصية كأن يأبى الشخص مثلًا أن يضع على عينيه النظارات، أو يستخدم السماعات وإن يكن في حاجة ماسة إليها.. كذلك من التغيرات البدنية المهمة تلف الأسنان وسقوطها أو خلعها…

كما أثبتت التجارب أن كثيرًا من المتقدمين في السن، يضايقهم فضلًا عما ذكرناه، سقوط الشعر أو ابيضاضه، وقد يلجأون إلى الوسائل الصناعية ليظلوا محتفظين بمظهر الشباب… بل قد يتطرفون فيسلكون مسلك الشباب، وهم بذلك إنما يخدعون أنفسهم ويرسخون إحساسهم بالنقص..

أما من الناحية الجنسية، فقد أثبتت الدراسات والإحصاءات أن القوة الجنسية تبدأ في الهبوط ابتداء من سن العشرين وفي سن الخامسة والستين يفقد نحو 50% من الرجال رغبتهم الجنسية أما في النساء فإن الرغبة الجنسية تظل قائمة حتى سن الخامسة والخمسين، ثم يبدأ اضمحلالها واضمحلال القوة الجنسية يؤثر تأثيرًا بالغًا على كثير من الناس، فبعضهم يقاومون هذا التدهور بمحاولات يائسة ليوهموا أنفسهم أنهم ما زالوا محتفظين بقدرتهم الجنسية.. بينما لا يزيدهم ذلك في الواقع إلا إحساسًا بما اعترى حياتهم من نقص وقصور.

أما ذوو الشخصية الناضجة فإنهم يتخذون من فتور الرغبة الجنسية دافعًا إلى بذل النشاط وتركيز الاهتمام في أداء رسالاتهم في الحياة.

وهكذا نرى أن الاضمحلال الجنسي يعقب النشاط الإيجابي عند البعض، ويؤثر تأثيرًا مدمرًا على حياة البعض الآخر، وفقًا لدرجة احتمال الفرد لمميزات المرحلة الجديدة التي دخلها.

القدرة العقلية

وقد أسفرت الدراسات، عن أن الفوارق الفردية عامل ينبغي أن يدخل في الاعتبار ونحن نقرر بصفة عامة متى تبدأ القوى العقلية في التدهور وقد عبر عن ذلك أحد الأخصائيين بقوله:

(في كل مجموعة من المسنين العاديين، فيما بين الستين والثمانين، ثق أنك ستجد نسبة كبيرة منهم تفوق قدراتهم العقلية قدرات الشباب في أي وظيفة عقلية يؤدونها!).

وثمة حقيقة أخرى، وهي أنه ليس هناك شخصان يبدآن الحياة برصيد واحد، ويسيران في حياتهما بالطريقة نفسها، والسرعة نفسها.

وما دمنا في صدد البحث عن تدهور قوى الذكاء عند المسنين فينبغي أن نعرف ما هو الذكاء.

صحيح أن الذكاء قوة تقاس اليوم بمقاييس، ولكن الحكمة وبعد النظر لا يمكن أن يخضعا لمقاييس هذه الأيام، ولو أنهما صفتان أكثر ما يكونان وضوحًا عند المسنين ومن الصعب أن نفصل فصلًا تامًا بين القوى العقلية والقوى الجسدية، ولكننا نستطيع أن نصف التغيرات التي تطرأ على القوى الجسدية في الشيخوخة وأثرهما في التغيرات العقلية.

علاقة القوة الجسدية بالقوة العقلية

في وسعنا أن نعرف المدى الذي يستغرقه أي شخص منا في استهلاك خلايا جسمه، إذا عرفنا مدى استهلاكه للأكسجين.. وهو استهلاك يزداد مع تقدم السن، وهو أشد في الرجال منه في النساء، وربما كان ذلك من الأسباب التي جعلت النساء أطول أعمارًا من الرجال.

وبرغم ما يبدو من ترابط بين قوة الجسم وقوة العقل تؤيده اختبارات الذكاء التي أجريت على المسنين، إلا أن للمران العقلي أثرًا كبيرًا في الاحتفاظ بالقوى العقلية في مستوى طيب مع تقدم السن.

فالصراف العجوز في البنك -بحكم مرانه العقلي- يستطيع أن يحل الألغاز الحسابية بأسرع وأدق مما يحلها شباب ذو ذكاء ممتاز، ليس له هذا المران!

وباستثناء القلب، فإن كل أعضاء الجسم تقريبًا تبدأ في الضعف فيما بين سن الثلاثين والخامسة والثلاثين.. ولكن هناك حقيقة معروفة في عالم الطب وهي أن الإنسان العادي يستطيع أن يعيش بكلية واحدة أو خصية واحدة تؤدي وظيفة الاثنين.. وكذلك الحال بالنسبة للمبيض في المرأة، فإنها تستطيع أن تحيا حياة جنسية عادية بمبيض واحد، فهل كانت الطبيعة سخية هكذا في مكونات المخ؟

إن المخ يصل إلى أقصى حجمه فيما بين سن الخامسة والعشرين والثلاثين -من الوجهة العضوية- ومع سن الخامسة والثلاثين يبدأ الهزال، فهل هناك علاقة بين هذا الهزال، وبين النشاط العقلي؟

لقد أثبت تشريح أجسام المتوفين من المتقدمين في السن أن هناك حالات متعددة لا يستتبع فيها انهيار القوى العقلية أي تلف في المخ.

وقد استطاع كثيرون من ذوي القوى العقلية الكبيرة أن يظلوا محتفظين بقدرتهم على التحكم في هذه القوى حتى سن السبعين أو الثمانين! ولكن هناك بعض القدرات الذهنية تبدأ في الضعف مع تقدم السن كما هي الحال في الذاكرة، إذ تشرع في الاضمحلال ابتداء من سن الثلاثين، وإن كان البعض يعزون هذا الضعف إلى قلة المبالاة التي تصاحب تقدم السن..

والرغبة في التعلم تقل بدورها مع تقدم السن.. ومرة أخرى قد ينجم هذا عن فقد الاهتمام والمبالاة، وغالبًا ما ينصرف كبار السن عن تحصيل العلم تحت تأثير شعورهم بقصر الفترة المتبقية لهم في الحياة، وعدم جدوى ما يمكن أن يحصلوه من معلومات.

والقدرة على التعليل والإدراك يعتريها كذلك الضعف مع تقدم السن، ولكن الحصيلة اللغوية والمعلومات العامة لا تتأثر تأثرًا يذكر.

أما قوة التخيل، وصدق الحكم على الأشياء، والحكمة، فيبدو أنها تتأثر بدرجات مختلفة مع تقدم السن.

وإذا استبعدنا البطء في الاستجابة العقلية الذي يصاحب تقدم السن، فإنه يمكن القول بوجه عام إن العقلية تحتفظ بكيانها وبمستواها في الإنسان ابتداء من سن العشرين حتی الخمسين..

ولما كان الضعف العقلي، والجسدي الناجم عن التقدم في السن، أمرًا نسبيًّا كما رأينا، فمن الحكمة إذن أن يتقاعد الناس فيما بين سن الستين والسبعين.. وقد أظهرت الإحصاءات أن أكثر من 56% من الذين يتقاعدون في سن الخمسين فأكثر، يتقاعدون مرغمين. والعالم يحفل اليوم بأمثلة متعددة على أن تقدم السن لم يحل دون نجاح المسنين في الأعمال التي يتولونها مهما يكن نوعها!

 – عن مجلة (ساينس دايجست)

الحب الأول

        حسنها في العيون حسن جديد                                                          فلها في القلوب حب جديد
          ضلة للفؤاد يحنو عليها                                                                        وهي تزهو، حياته وتكيد

        سحرته بمقلتيها فأضحت                                                                         عنده، والذميم منها حميد
(ابن الرومي)



 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *