حين يبلغ الأب منتصف العمر، تصبح صحته هي رأسماله.

فبالصحة الجسمية والنفسية يمكنه أن ينهض بأعبائه ومسئولياته، ويستمتع في الوقت نفسه بحياته.

القلق عدو الآباء اللدود

هذا أب في الثانية والأربعين يشعر بضعف عام في صحته، ولا يحصل على عطلته السنوية إلا بعد شهور طويلة من العناء والعمل المضني.. وهو رجل محب لبيته يتطلب عمله دقة ورعاية للمسئولية، وقد بدأ في هذه السن يجني ثمرات عمله الشاق الذي قضى فيه شبابه.

وهو أيضًا رجل ذو علاقات اجتماعية، ولهذا فإن البيت لا يعتبر المكان المناسب الذي يمارس فيه حياته كما هي الحال بالنسبة لزوجته… هذه الزوجة التي تضيع الكثير من وقته بمطالبها، وتحتاج لرعاية أكثر مما كانت تحتاج حينما كان الأولاد صغارًا.

وهذا ابنه في الثانية عشرة وقد بلغ المرحلة التي يتعلق فيها بالأبطال، وفي نظره أن أباه هو البطل.. وابنته التي تتوق لحياة عطوفة يوفرها لها الوالد، فإنها في سنها هذه- الخامسة عشرة- تحجم خجلًا عن إظهار الاحترام والحب اللائقين بوالدها.

الأب إذن في هذه السن يشعر بأعباء كثيرة، وبرغم أن حياته ليست مركزة تمامًا في البيت إلا أن المحافظة على سلامة صحته الجسمية والعقلية تحتم عليه أن يعيش وسط عائلة سعيدة..

إن أهم ما يجب وضعه في الاعتبار أن يبلغ الأب منتصف عمره دون أن يفقد شيئًا من شبابه وحيويته. وأحيانًا تنتاب الوالد أزمات عاطفية، مشابهة لتلك التي تنتاب الزوجة، عندما يرى أنه تجاوز ذروة شبابه. وبعض الرجال لا يستطيعون مجابهة هذه الفترة، ذلك أن خوفهم من الشيخوخة يجعلهم يتحدونها بالتطرف في الإقبال على ملذات الحياة تطرفًا يعجل بدنو ما يخافون منه، وهو الشيخوخة!

إن الطريقة التي تحفظ عليك شبابك هي أن تواجه عمرك وتستعد له. وهذا ليس معناه أبدًا أن يعتزل الأب حياة النشاط التي كان يعيشها قبلًا، وإنما يجب أن يتجنب المشاق التي تسبب له المزيد من التعب والإرهاق… فهو مثلًا يجب أن يكف عن العدو وراء القطارات وسيارات الأوتوبيس وخاصة عندما يكون الجو باردًا.. كما يجب عليه أن ينفض يده من كل الألعاب المجهدة، وإن كان هذا لا يعني امتناعه عن الرياضة الخفيفة كالمشي أو زراعة الحدائق مثلًا التي تفتح أمامه عالمًا من الصحة.

وأغلب الناس في هذه المرحلة من العمر يسيطر عليهم وهم أمراض القلب. ومن الطبيعي أنك إذا شعرت بانبهار أنفاسك يجب أن تعرض نفسك على الطبيب. ولكن ليس ثمة مجال للانزعاج إذا سمعت دقات قلبك أحيانًا. فإن هذا كثيرًا ما ينشأ من الاضطراب العاطفي. ومعظم اضطرابات القلب التي يخشاها الناس لا تعدو أن تكون ضربًا من الخيال، والقلق كفيل بزيادتها وليس أبدًا الوسيلة للتخلص منها. وأحسن نصيحة نقدمها للقلقين على قلوبهم أن يشغلوا أنفسهم باستمرار حتى لا يجدوا الفرصة للتفكير في أمراض قلبهم المزعومة!

والرياضة مفيدة في منتصف العمر، ويجب أن تكون شيقة في حد ذاتها. كذلك ننصح بالتنفس العميق، واستنشاق الهواء النقي في الليل أو النهار فلذلك فائدة عظيمة وخاصة لأصحاب الصدور الضعيفة.

وعندما تشكو البرد أو السعال بادر بعرض نفسك على الطبيب ومن الضروري عندئذ أن تعتني بطعامك وتمتنع عن التدخين والمشروبات، والذين يصابون بالبرد بسهولة يؤذون أنفسهم إذا أفرطوا في التحوط والاحتزاز ولكنهم طبعًا يجلبون لأنفسهم المتاعب إذا خلع الواحد منهم ملابسه في العراء بعد أن يتجاوز سن الأربعين! أو إذا نام وحجرة نومه مفتوحة النوافذ وخاصة في الليالي الرطبة!

وقد أصبح من المحقق الآن أن الزيادة في الوزن عن الحد المناسب مصدر للخطر، ويجب أن يهتم الشخص الذي يتعرض لهذه الزيادة بعمل (رجيم) خاص تحت إشراف طبيب يثق به، ويجب أن يستجمع إرادته لاتباع ذلك النظام الغذائي بدقة تامة وإلا دفع الثمن من صحته وسعادته في الحياة.

ومن الأفضل أن يسارع كل شخص يزيد وزنه عن الحد المناسب بعمل تحليل لنسبة السكر في البول وفي الدم.

وبعد الأربعين قد يجد الوالد أن عينيه تقلقانه وقد يصاب بالصداع، وربما احتاج الأمر إلى نظارة طبية أو تغيير النظارة القديمة.

ومشكلة أخرى هي مشكلة الأسنان، فربما احتاج الأمر لخلع بعضها وتركيب أسنان صناعية، ولكن يجب ألا تسرع إلا بعد التأكد من ضرورة هذه الخطوة، فالأسنان الصناعية ليست بديلًا مكافئًا تمامًا للطبيعية.

وأحيانا يشكو الذين تجاوزوا الأربعين من اضطرابات الكبد، ويعترفون بأنهم حاولوا علاج الحالة بحبوب من النوع الشائع، ونحن نؤكد أن معظم هذه الاضطرابات الكبدية المزعومة ناشئة عن اضطرابات انفعالية قد تكون لا شعورية في بعض الأحيان. وقد ينشأ ذلك الاضطراب الكبدي عن الكبت الذي يلاقيه الفرد في البيت أو في العمل، أو لعل مصدره إدمان الخمر.

وبعد… إن الحلقة الخامسة هي آخر فرصة لك لكي تتعلق باهتمامات جديدة في الحياة، فإن هذا التعلق من الصعب أن يبدأ في الحلقة السادسة وما بعدها.. فابدأ بتكوين اهتماماتك من الآن، تتخلص من القلق الذي هو ألد أعدائك متى بلغت منتصف العمر.

– نُشر أولًا بموقع حياتك.

 

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *