للأستاذ طه عبدالباقي سرور
الإنسان في أرقى صوره، أو أن شئت فالإنسان السعيد، هو الإنسان الحر المطمئن.
ولن يذوق الإنسان طعم الحرية- في أوسع معانيها، وأشمل مدلولاتها- ولن يتذوق حلاوة الاطمئنان- بكل ما في هذه الكلمة المضيئة من معان- إلا من ينابيع الإيمان بالله، والالتجاء إليه، والثقة المطلقة به.
فالمؤمن إنسان حر، حرية مطلقة غير محددة، قد تحرر وجدانًا وضميرًا وروحًا وعقلًا، لا تستعبده شهوة، ولا تسترقه قوة، ولا ترعبه صولة، ولا تغريه نزوة.
إن عبوديته لربه، جل جلاله قد أطلقت أسره، وفكت قيده من كل عبودية لسواه.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة).
ويقول سهل بن عبدالله التستري (كيف يصح الإيمان، وكلما ملكت شيئًا ملكك)!
ويقول إبراهيم الخواص (أنت عبد لما تشتهي، وعبد من تخاف وعبد ما تطمع فيه، فمن ارتفع فوق الاشتهاء والخوف والطمع أصبح عبد الله).
وتقول رابعة العدوية (الحر من لا تسترقه الدنيا، والحر من لا يخاف إلا الله).
وسئل زعيم الهند العظيم (غاندي) عن السر في أن الإنجليز لم يستطيعوا أن ينالوا منه، أو يخضعوه لسلطانهم، مع ضعفه وقوتهم، فقال:
(يرجع ذلك إلى سببين، الأول أني لا أملك شيئًا يستطيع الإنجليز أن يأخذوه مني فحرصًا عليه أخضع، والثاني أني لا أطمع في شيء يستطيع الإنجليز أن يمنعوه عني، وطمعًا فيه أخضع)!
ويقول الشاعر الصوفي:
سجدة لله تنجيك يا إنسان من ألف سجدة للعبيد.
هذه هي حرية المؤمنين، حرية كاملة، لا ترهب قوة في الوجود ولا تخضع لجبار في الأرض، ولا تسترقها شهوة من شهوات التراب، أنها آمنت بربها فتحررت من كل شيء سواه، وذاقت وحدها لذة الحرية وسعادتها.
والمؤمن فوق حريته، إنسان مطمئن، لا يعرف القلق القاتل، ولا الهم المسموم، ولا الشك المضل، ولا اليأس المميت.
لقد عرف ربه، ووثق به اطمأن إليه، واتجه إليه وحده، وعنده جل جلاله خزائن السموات والأرض.
أنه ليس وحده في الكون، أنه في رعاية الله، وفي كنفه وحمايته، وحسبه هذا ثقة واطمئنانًا.
يمر الإمام الجنيد على رجل فيراه مهمومًا مكروبًا، ينطق وجهه بالشقاء واليأس، فيبتسم الجنيد ويقول:
(يا أخي، أتخشى أن ينقص من أجلك ساعة؟) قال: (كلا) قال: (أيفوتك رزق قدره الله لك)، قال: (كلا)، قال: (أيحدث لك شيء لم يقدره الله لك)؟ قال: (كلا)، قال: (فعلام همك وحزنك).
المؤمن إنسان حر حرية مطلقة غير محدودة؛ قد تحرر وجدانًا وضميرًا، وروحًا وعقلًا، لا تستعبده شهوة، ولا تسترقه قوة، ولا ترهبه صوله، ولا تغريه نزوة
ويقول أبو حازم، رجل الروحية الإسلامية الكبير: (إنما بيني وبين الملوك يوم واحد… أما أمس فلا يجدون لذته، وأنا وهم من غد على وجل، وإنما هو اليوم، فما عسى أن يكون اليوم)!
ويقول عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، لابن البيطار في غطرسة الملك وغروره: (أنا عبد الملك، فارفع حوائجك إليَّ)!.
فيقول له ابن البيطار في عزة المؤمن واطمئنانه: (وأنا أيضًا عبد الملك، فهلم نرفع حوائجنا إلى من أنا وأنت عبدان).
ويسعى علي باشا والي مصر إلى الإمام الشعراني في زاويته، ثم يقول له: (إنا مقربون لدي الخليفة في تركيا، ونحن على سفر إليه فهل لك من حاجة نرفعها إلى عتباته؟)
فيقول الشعراني في ثقة المؤمن: (إنا مقربون إلى الله جل جلاله، الذي بيده نواصي العباد جميعًا، فهل لك من حاجة فنرفعها إليه؟)
وتقول ريحانة بيت النبوة، السيدة نفيسة، رضي الله عنها، في التسليم لله، وعدم تمزيق النفس جريًا وراء ما يأتي به الغد:
(في أمور تكون أو لا تكون لم تنم أعين ونامت عيون إن الذي كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غد ما يكون).
ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده، لقد أوحي إليَّ أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاحملوا في الطلب).
ويقول، صلوات الله وسلامه عليه (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس).
أي عزة يلهمها الرسول للناس! إن الذل لن يأتي بالرزق وإن الضراعة للبشر لم تثمر إلا القلق والعبودية والهوان، والمؤمن لا يعرف قلقًا ولا عبودية ولا هوانًا.
ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم، لابن مسعود: (لا ترضين أحدًا بسخط الله تعالى، ولا تحسدن أحدًا على فضل الله عز وجل، ولا تذمن أحدًا على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله تعالى لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا يرده عنك كراهة كاره، وإن الله تعالى بعدله وقسطه جعل الرَّوْح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط).
ذلك سر الإيمان وسحره، يحرر الإنسان من كل عبودية في الأرض، ويلهمه الرضا والاطمئنان.
إنه يملك شيئًا لا تستطيعه هذه الحضارة ولا تقدر عليه، يملك أن يسعد الإنسان، وحسب الإيمان أن يحدث تلك المعجزة طرديًا مع نصيب الفرد من الصفات الشخصية التي قدمناها أو بصفة عامة، اتضح أن الناجحين هم أصحاب الشخصيات القوية الناضجة.
وفيما يلي نسوق إليك اختبارًا مستمدًا من الاختبار الذي قامت عليه الدراسة السالفة الذكر، لتقف أنت أيضًا على نصيبك من صفات الشخصية الناضجة القوية، ومن ثم تستطيع أن تحدد مدى تهيؤ الفرص أمامك للنجاح.
وكل ما عليك أو أن تجيب بكلمة (موافق)، (أو غير موافق)، على كل (بند) من البنود التي يتألف منها الاختبار… ثم انظر النتيجة بعد ذلك:
1- إنني أحاول أن أعرف وجهة نظر الآخرين قبل أن أحدد موقفي.
2- أفضل أن يكرهني الناس على أن يحتقروني.
3- أعترف بأنني- إلى حد ما- كثير الثرثرة.
4- أقرأ على الأقل عشرة كتب في السنة.
5- النجاح في رأيي مسألة إرادة قوية.
6- أحب العلوم.
7- المدرسون عادة يحملون تلاميذهم أكثر من طاقتهم.
8- أحاول دائمًا أن أنجز من العمل أكثر مما يتوقع مني.
9- كنت أسر كثيرًا عندما كان مدرس الفصل يقرأ إحدى أوراقي.
10- الرجل الفقير أحسن حالًا من الغني في كثير من الوجوه.
11- وضع برنامج للمستقبل يفقد الحياة كثيرًا من بهجتها…
12- عندما ترتفع الأسعار لا ألوم إنسانًا يشتري كل ما يريد طالما أن ذلك في إمكانه.
13- فرصة النجاح في مهنتي متاحة لكل رجل ممتاز…
14- أشك فيما إذا كان في استطاعتي أن أغدو ذات يوم شخصًا مذكورًا في محيط عملي.
15- سرعان ما أغدو عصبيًا مكتئبًا عندما أجد نفسي مضطرًا لأن أخوض منافسة مع أي إنسان.
* * *
والآن…. هل أنت في طريقك إلى النجاح؟
إن هذا الاختبار لا يعطيك جوابًا محددًا، ولكنه يحدد موقفك من معظم القضايا… فكن أمينًا مع نفسك، ولا تجزع إذا وجدت أن صلتك بالنجاح تكاد تكون معدومة… فستفهم معنى ذلك حالًا..
امنح نفسك درجة عن كل جواب بالموافقة عن الأسئلة 2، 3، 4، 6، 8، 9، 13، وصفرًا عن كل جواب بالنفي على أحد هذه الأسئلة.
وامنح نفسك درجة عن كل إجابة بالنفي، وصفرًا عن كل إجابة بالإيجاب عن الأسئلة الباقية، وهي 1، 5، 7، 10، 11، 12، 14، 15.
فإذا كان مجموع ما حصلت عليه في النهاية يتراوح بين 13 و15 درجة ففرص نجاحك ممتازة… وإذا تراوح مجموعك بين 9 و12 درجة، ففرص نجاحك فوق المتوسط، وإذا تراوح بين 4 و8 درجات ففرص نجاحك متوسطة. وما أقل من ذلك معناه أن فرص نجاحك أقل من المتوسط.
ماذا يعني الاختبار؟
وإليك ما يعنيه هذا الاختبار:
الأسئلة من 1 إلى 3 وضعت لتبين هل أنت مؤمن بأن الآخرين ينبغي أن يقوموا بنصيبهم أولًا، ثم لا مانع عندك بعد ذلك أن تقوم أنت بنصيبك، أو العكس!
والأسئلة من 4 إلى 7 تبين مدى اهتمامك بالمسائل العقلية… ومن 8 إلى 11 تحدد طموحك ورغبتك في النجاح، والسؤال 12 يبين قدرتك على تحمل المسئولية، ورغبتك في أن تتولى أمورك وأمور غيرك… والأسئلة من 13 إلى 15 تبين موقفك من القدر ومدى اعتمادك عليه…
وإجاباتك الصحيحة كفيلة بأن تطلعك على مدى ما تتصف به شخصيتك من الصفات المؤهلة للنجاح. على أنه من الواضح أن هناك بعض الظروف التي تكون فيها إحدى صفات الشخصية أكثر أهمية من الأخرى… فالقدرة على تحمل المسئولية ميزة يجب توفرها في موظف يشرف على محل ضخم للمبيعات، وقد رسب 70 شخصًا في اختبار عقد للمرشحين لتولي هذا العمل، ولكن ذلك لا يعني أن هؤلاء ظلوا عاطلين، فثمة أعمال أخرى يستطيعون القيام بها برغم تجردهم من هذه الصفة!
وبقدر اختلاف الوظائف، تختلف مميزات الشخصية المطلوب توافرها في المرشحين لها.
والذكاء ضروري بالطبع، ولكن القوى العقلية وحدها ليست ضمانًا لأن يعيش الإنسان حياة طيبة…
ونحن لا نستطيع أن نزعم أن هناك إنسانًا كاملًا، ولكن هناك مجموعة من الصفات الموضوعية التي تعين على النجاح، وهي تلك الصفات التي يهدف الاختبار إلى معرفة درجة توفرها فيك.
لا تعليق