للدكتور مصطفى فهمي

أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس

يتجه علم النفس الحديث إلى اعتبار المراهقة مرحلة غير مستقلة من مراحل النمو تتضمن تدرج النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي.. ومعنى ذلك أن الدعامات الأولى لجوانب النمو المختلفة قد بدأت في فترة الطفولة ثم أخذت تسير نحو النضج في فترة المراهقة…

وهنا نستطيع أن نقول أنه من غير الصواب أن نعتبر المراهقة فترة مستقلة من فترات النمو، ونفترض وجود خط فاصل بين خصائص النمو فيها، وبين خصائص النمو في المرحلة السابقة، على أساس أن لكل مرحلة خصائص بارزة مستقلة تميزها عن سابقتها ولاحقتها…

هذا هو الاتجاه الأول لعلم النفس الحديث عند معالجته لموضوع المراهقة، اعتبار هذه المرحلة فترة بعث جديد في الحياة، لأننا إذا أخذنا بهذا الرأي القديم، أدى بنا إلى القول بأن الطفل يولد مرتين: مرة في الطفولة ومرة أخرى في مرحلة البلوغ، الأمر الذي يتعارض مع وحدة الحياة والنمو.

المراهقة فقزة نحو النضج.

حقًا إن الفتى المراهق (والفتاة المراهقة) يتعرض لمجموعة من التغيرات الجسمية والعقلية والانفعالية تختلف عن تغيرات مرحلة الطفولة، إلا أننا يجب أن ننظر إلى هذه التغيرات جميعًا على أنها تغيرات تبعية، تقدمية، تهدف نحو تحقيق هدف واحد هو النضج، الذي ينتهي عادة بتكوين كائن حي له شخصيته وكيانه… ومن الإسراف في القول المناداة بأن الشخصية نتاج مرحلة بذاتها من مراحل النمو، إذ هي في الواقع نتاج التفاعلات المختلفة التي يتعرض لها الكائن الحي في أدوار نموه المختلفة.

تمرد المراهق وجهل المربين

أما الاتجاه الثاني لعلم النفس الحديث فقد نحا مَنحى عارض فيه الاتجاه القديم الذي كان ينظر إلى طور المراهقة باعتباره فترة من فترات النمو التي تتميز بالتمرد والثورة، تمرد موجه نحو الوالدين، وتمرد آخر موجه نحو المسئولين في المدرسة…

إن تمرد المراهق على السلطة العائلية والسلطة المدرسية ينشأ بسبب جهل المشرفين على تربيته بنفسيته، فيفرضون عليه القيود التي تحول بينه وبين تطلعه إلى التحرر والاستقلال، ولذلك يعتبر كل شيء في المنزل أو المدرسة مصدر ضيق له، ويثور دائمًا على كل ما يوجه إليه إذا ما أحس أن هذا التوجيه يتضمن المساس بشخصيته…

الثقة بين المراهق ومربيه

وعلم النفس الحديث لا ينظر إلى مرحلة المراهقة على أنها فترة من فترات النمو مصحوبة بمظاهر سلوكية تدل على الانحراف أو العجز عن الملاءمة، بل هو يعتبر أن كل ما يحدث في هذه الفترة من اضطرابات يرجع في أساسه إلى ما يصادفه المراهق من توترات بسبب العوامل الإحباطية المختلفة التي يتعرض لها سواء كان ذلك في الأسرة أو المدرسة، ولذلك يجب على الوالدين أو المعلمين أن يخلقوا جوًا من الثقة بينهم وبين أولادهم أو تلاميذهم، فإن هذا كفيل بإبعاد بعض العثرات التي يتعثرها المراهق خلال فترة المراهقة.

إن الوسيلة الوحيدة بأن نجعل المراهق يعيش في اتزان دائم مع نفسه من جهة، ومع أفراد المجتمع من جهة أخرى، لا تكون بلومه ومعارضته وتأنيبه، ولكن بمناقشته على قدم المساواة ومعاملته معاملة كريمة.

وقد يحدث أن يثور المراهق على أهله أو مدرسيه لظرف طارئ ونحن في هذه الحالة لا ننصح أن تكون استجاباتنا لمثل هذا النوع من السلوك عن طريق الإذلال، بل يجب أن تعطيه الفرصة لأن يعبر عن أحاسيسه وانفعالاته…

ومهما يكن من أمر فإن أفضل سياسة تتبع مع المراهق هي سياسة احترام رغبته في التحرر والاستقلال دون إهمال أمر رعايته… كما يجب ألا نشعره بأننا أثناء توجيهه نفرض إرادتنا عليه، لذلك يحسن أن نناقشه دائمًا في آرائه، ونأخذ رأيه دائمًا في القرارات التي تتصل به، وأن ندعه يتكلم في كل الموضوعات؛ فهذه أصوب طريقة لاكتساب ثقته، وتوجيهه، دون إشعاره بالضغط والإحباط.

المراهقة مرحلة نمو طبيعي

ولعل مما يؤيد الرأي الذي ندعو إليه من أن المراهقة مرحلة نمو طبيعي، وأن المراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو طالما سار هذا النمو في مجراه الطبيعي، ما لاحظه الكاتب على سلوك فتيان وفتيات بعض البيئات البدائية التي قام بدراستها في عام 1954 عندما أرسل في بعثة علمية للقيام بدراسات اجتماعية ونفسية في المنطقة التي تعيش فيها قبائل (الشيلوك) و(الدنكا) بمديرية أعالي النيل بجنوب السودان… إن هذه المجتمعات البدائية لا تعرف ما هو معروف لدينا باسم (أزمة المراهقة)؛ وكل ما نجده عندها لا يزيد على فترة بلوغ قصيرة يكتمل فيها نضج الفرد من الناحية الجنسية والاقتصادية نضجًا يسمح للمراهق بعده بالانخراط في مجتمع البالغين وتحمل مسئولياتهم.. وعلى ذلك فلا غرابة إذا أصبح طفل العام المنصرم، وقد تزوج في السنة التي تم فيها بلوغه، مسئولًا عن الخروج إلى الصيد لكسب رزقه ورزق زوجته.. وليس يفصل بين فترة الطفولة في المجتمعات البدائية وطور الرجولة إلا أن يكتمل نضج الصبي جنسيًا ويشترك في حفلة راقصة من تلك الحفلات التي ينصب فيها الصبيان رجالًا. ولا شك أن سلوك الكبار نحو المراهقين في المجتمعات البدائية التي قمنا بدراستها لا يقوم- كما أوضحنا- على إثقال كاهل المراهق بقيود وتقاليد اجتماعية ومادية، تجعل من طور المراهقة طور أزمات واضطرابات نفسية، كما هو مشاهد في بعض المجتمعات الحديثة…

لكل ما سبق أستطيع القول بأن تصوير طور المراهقة على أنه أزمة لا شك فيه قصور في فهمنا لمرحلة مهمة من مراحل النمو. إن هذه الأزمة كما يتصورها القدامى من رجال علم النفس ترجع إلى الفكرة الخاطئة التي كان يعتقد بها بعض علماء النفس الألمان حيث كانوا يشبهون هذه الفترة من فترات النمو بالعواطف الهوجاء التي لا يمكن تلافيها إلا بإقامة الحواجز المضادة… ولا شك أن هذا رأي خاطئ لأن مرحلة المراهقة كما بينا هي مرحلة طبيعية يعاد فيها تنظيم القوى النفسية والعقلية كي تجابه مطالب الحياة الرشيدة… فإن وجد المراهق التوجيه السليم خلت حياته من الاضطراب، والفوضى النفسية، والانهماك في المشاغل الجنسية، والعدوان المدمر، والتمرد الهدام…

أما إذا كانت معاملتنا للمراهق تقوم على الكبت والإحباط فإن هذا يدعوه إلى العناد، والسلبية، وعدم الاستقرار، أو الالتجاء إلى بيئات أخرى قد يجد فيها منفذًا للتعبير عن حريته المكبوتة…

وخلاصة القول: أن خصائص النمو في المراهقة، كما كشف عنها علم النفس الحديث، يجب استغلالها لصالحه بدلًا من أن تكون حربًا عليه.

كيف نعامل المراهق

ولكي يستطيع المرء تحقيق هذا المبدأ، يجب عليه مراعاة ما يلي:

أولًا: أن يخفف من رقابته على المراهق، وأن يحمله من المسئوليات ما يشبع رغبته في الشعور أنه قد دلف إلى حياة الرجولة وتخلص من حياة الطفولة، وأن تكون النواحي التي يحمله مسئوليتها، أو يجعله يستقل بمباشرتها، في حدود إمكانياته وقدراته…

ثانيًا: أن يتيح له الفرص الطيبة ليشركه مع غيره في النقاش والمناظرات بغية الوصول إلى الحقيقة، كما يعمل على إدماجه في الفرق الرياضية، والأندية الثقافية، وإشراكه في المشروعات الخيرية أو الاجتماعية، واتخاذ ما يحس به من مشكلات نواة لدراسة واسعة تشمل جميع البيانات، وأخذ آراء المتخصصين، وجعلها محورًا تدور حوله دراسته في المواد الدراسية المختلفة.

ثالثًا: أن يشجع فيه الميل إلى الزعامة عن طريق استغلال ميوله وتوجيهها نحو زعامة من الزعامات المدرسية المختلفة… كالزعامة الاجتماعية، والزعامة الذهنية، والزعامة الرياضية، ولا شك أن لكل نوع من هذه الزعامات، صفات خاصة تميزها عن غيرها. فالزعيم الذهني، يمتاز بأن يحصل على درجات عالية في علومه المدرسية، وفي اختبارات الذكاء، كما تتصل ميوله بالتحصيل والمعرفة، بينما الزعيم الاجتماعي، يميل إلى العناية بمظهره الخارجي، وقدرته على التعامل مع الناس.. أما في حالة الزعامة الرياضية فيجب أن يتوافر فيها خصائص جسمية تتصل بالوزن، والطول، والقوة البدنية.

رابعًا: أن ينمي فيه الرغبة إلى مساعدة الآخرين، لأن عدم رضاء المراهق عن النظم السائدة في المجتمع يجعله يتجه نحو الآخرين اتجاهًا إنسانيًا، ويقوم نحوهم بدور إيجابي بدون النظر إلى أن هؤلاء تربطهم به رابطة صداقة أو معرفة… وقد يحدث في الكثير من الأحيان أن يفترض نفسه في مركزهم فيتخيل أنه يعاني من نفس الأسباب التي تسبب لهم الشقاء، فهو في كل هذا يشعر بشعورهم، ويتألم لألمهم، وهذا الشعور يدفعه إلى الاشتراك في أعمال البر في المؤسسات الاجتماعية التي ترعى الفقراء والمحتاجين والمرضى.

خامسًا: أن يشجع فيه الميل إلى النقد والرغبة في الإصلاح. فمن الشائع في دور المراهقة أن تجد المراهق يبحث في أخطاء الآخرين مع ميله إلى نقد تصرفات الغير… ولا يتخذ هذا النقد شكلًا سلبيًا بل نجده لا يتورع في الإفصاح عما شعر به، ويكون هذا النقض في بعض الأحيان مصحوبًا باقتراحات عملية في الإصلاح.

 

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *