يدخل في التركيب الكيميائي المعقد لأجسامنا، أكثر من عشرين نوعًا من المعادن… خمسة عشر نوعًا منها على الأقل تقوم بوظائف أساسية في الجسم، أما الأنواع الباقية فتوجد بكميات ضئيلة ولا تكاد تؤدي عملًا واضحًا، وإن كان العلماء يعتقدون أنها تقوم بوظائفها بطرق لم يكشف عنها العلم بعد.

الألمونيوم يولد النشاط العقلي

خذ مثلًا تلك البقع الضئيلة من معدن (الألمونيوم) الموجودة بالمخ، والتي لا يعرف سبب واضح لوجودها… فلو تسنى لنا تتبع آثارها بوسائل قياس النشاط الإشعاعي، فربما وضحت لنا أهميتها كمولد للنشاط العقلي.

ويقدر العلماء المعادن التي تحتويها أجسامنا بنحو ستة أرطال وربع الرطل، لا يزيد ثمنها على أربعين قرشًا!.

ولعله مما يثير الدهشة أن هذه المعادن، التي لا تزيد في الجسم عن ملء قبضة اليد، هي دعامة العمليات الحيوية التي تبقينا على قيد الحياة فكمية ضئيلة من الكلسيوم كفيلة بأن تبقي القلب منتظم الضربات، وبدونها تضطرب الضربات حتى يتوقف تمامًا..

وما يوجد من اليود في الجسم يكاد لا يغطي رأس الدبوس، ولكن تلك الكمية المتناهية في الضآلة، هي مبعث الفارق بين الشخص العادي النمو والذكاء، وبين القزم أو المسخ المشوه الخلقة والعقل!

الأنيميا ونقص الحديد

وفي الجسم نحو عُشر أوقية من الحديد… ومن النحاس ما يعادل وزن قطعة صغيرة من العملة، موزعة بدقة متناهية في الشرايين، حيث تدخل في تكوين (الهيموجلوبين)… وهذه الكمية الدقيقة من الحديد، تستخدمها الشرايين في توزيع الأوكسجين على الجسم… ولو حدث ما يسبب هبوط نسبة الهيموجلوبين في الدم إلى الصفر فالنتيجة هي الوفاة..

وتقوم كريات الدم الحمراء الحاملة للحديد، برحلة مستمرة في الجسم، ذهابًا وجيئة، تقطع خلالها نحو سبعين ألف ميل في الشرايين والشعيرات الدموية، حاملة معها الأوكسجين من الرئتين في الذهاب، ملتقطة ثاني أكسيد الكربون في الإياب…

وتنهك هذه الحركة المستمرة الخلايا الحمراء بحيث يتعين علينا أن نقدم بدلًا منها، نحو 900 بليون خلية جديدة يوميًا!.. يحصل عليها الجسم بطريقتين: الأولى هي استخلاص الحديد من الخلايا التالفة وإرسالها إلى نخاع العظام حيث تستعمل في تكوين الخلايا الجديدة… والثانية، هي استخلاص الحديد مما تتناوله من طعام…

ويحدث أحيانًا أن يقل الحديد في أجسامنا عن حاجة الجسم، فنصاب بالأنيميا، ويقل عدد خلايا الدم عن الحد اللازم – وهو خمسة ملايين خلية في الملليمتر- إلى أن يصبح مليونًا أو أقل، فتظهر علينا أعراض نقص الأوكسجين تدريجيًا أو يعترينا الضعف، والإحساس بالتعب، وسرعة العصبية، وربما الصداع وضيق التنفس.

وقد تظهر أعراض الأنيميا الناشئة عن نقص التغذية في الشهور الستة الأولى من حياة الطفل، وذلك عندما ينتهي المخزون في جسمه من الحديد، ويظل احتمال الإصابة بهذا المرض مستمرًا في مختلف مراحل العمر.

والنساء أكثر تعرضًا للأنيميا من الرجال، بسبب ما يفقدنه من الدم خلال فترات الطمث، والولادة، وبسبب ما يفقدنه من حديد يحصل عليه الجنين خلال فترة الحمل…

والطعام يستطيع أن يزودنا بما يكفي من الكريات الحمراء وبخاصة الكبد، والعسل الأسود والمحار، والشوفان، ولحم الأبقار، والبيض، والزبيب، والبطاطس، والسبانخ، والكرنب، وأنواع البقول…

وبرغم أهمية الحديد للجسم، فإنه يفقد هذه الأهمية بدون النحاس… الذي يساعد على تحويل الحديد إلى (هيموجلوبين) وترميم أنسجة الجهاز العصبي التالفة.

الكلسيوم والهيكل العظمى

والكلسيوم والفسفور من أهم مقومات الهيكل العظمى، فهما يحفظان لكل عظمة في الجسم صلابتها وقوة احتمالها…

خذ مثلًا عظمة الساق التي تتلقى كثيرًا من الصدمات… فهذه العظمة تستطيع أن تتحمل ثقلًا زنته 3600 رطل!..

ويحتوي الجسم على ثلاثة أرطال تقريبًا من الكلسيوم يذهب منها نحو 99% في العظام، والأسنان، والباقي يقوم بعمل ضخم، يصفه الدكتور (هنري تشيرمان) الاختصاصي في علم التغذية بأنه (ضروري لكل نبضة من نبضات القلب، وأنه أشبه بالأسمنت للبناء… إذ يربط خلايا الجسم بعضها ببعض، فضلًا عن أنه دعامة العمليات الكيميائية المعقدة الخاصة بتخثر الدم… فإذا انخفض مستوى هذا المعدن في الدم انخفاضًا كبيرًا زادت قابلية الدم للتجميد).

ويسبب نقص الكلسيوم في الجسم داء (التيتانوس) وهو مرض يصيب الأعصاب والعضلات فتصبح مشدودة متوترة وقد تؤدي إلى حدوث التشنجات.. فللكلسيوم تأثير مهدئ على الأعصاب.

ونحن نعتمد إلى حد كبير على ما في عظامنا من الكلسيوم لسد أي نقص منه في الجسم… وكثيرًا ما يؤدي استعمالنا بكثرة لهذا المخزون منه إلى إضعاف هيكلنا العظمي…

فهل نحصل من الكلسيوم على ما يكفي حاجتنا؟

يرى بعض الاختصاصيين أن في الطعام العادي نقصًا في الكلسيوم ومن ثم وجب أن نعوض هذا النقص بالإكثار من تناول اللبن… فالمراهق ينبغي أن يحصل على جالون وربع الجالون من اللبن أو ما يعادله من مستحضراته، كل أسبوع… أما الحوامل، والمسنون، والأطفال فيحتاجون لكميات أكبر.

وثمة مصادر أخرى غنية بالكلسيوم مثل الكرنب، والقرنبيط، والخس، واللفت، والبيض، والمحار، والبطاطس، والعدس، والجرجير، والسمك أما أصحاب الأمزجة المرهفة فيستطيعون الحصول على الكلسيوم من (الكافيار)!..

والفسفور لا يوجد في أجسامنا بصورة نقية بل مركبة وهو ضروري لكل حركة حيوية. فهو في (بروتوبلازما) الدم، وفي نواة كل خلية، وفى التكوين المعقد للبروتين، وفي التلافيف الشحمية… والجسم يحتاج إلى رطلين تقريبًا من هذا المعدن، ويكفي أن يحتوي طعامنا على الكلسيوم، لنضمن وجود الفسفور فيه.

والشهرة التي يحظى بها السمك باعتباره غذاء مفيدًا للمخ، تعتمد على وجود الفسفور فيه، ولو أنه ليست هناك أدلة واضحة على أن الأطعمة المستخرجة من البحر تؤدي إلى زيادة الذكاء أو نمو القوى العقلية.

اليود وفتور الجسم والعقل

ولعل نقص اليود هو أكثر أنواع نقص المعادن ظهورًا على الجسم… فكل ذرة من هذا المعدن يمتصها الدم بشراهة بواسطة الغدة الدرقية التي تستخدمه في إفراز هرمونها.

وزيادة إفراز هذا الهرمون تسبب ازدياد سرعة ضربات القلب، واضطراب الأعصاب… كما أن نقصه يؤدي إلى فتور عقلي وجسدي… وأبرز أعراض نقص اليود في الجسم هو تورم الغدة الدرقية في أسفل الرقبة… وقد تؤدي شدة التضخم أحيانًا إلى مرض (الأوذيما المخاطية) الناشئ عن اضطراب هذه الغدة التي تؤثر في نشاط الجسم كله.

والكمية التي يحتاجها الجسم من اليود ضئيلة إلى حد لا يصدق… إذ يكفى الاستعمال العادي لملح الطعام لسد حاجة الجسم من هذا المعدن! أما مصادره الطبيعية فهي الأطعمة البحرية، والخضروات التي تنبت على الشواطئ.

ملح الطعام مكون أساسي للدم

والملح يقوم بدور مهم في الجسم… أكثر أهمية من مجرد إرضاء حاسة الذوق فينا… فهذا المعدن بوصفه خليطًا من الصوديوم والكلور، مكون أساسي من مكونات الدم. ونحن نستهلك منه كمية تصل إلى ستة أرطال في العام… والزيادة فيه لا تؤذينا، اللهم إلا في حالات اضطراب الكلى حيث يصبح الملح عبئًا على هذا العضو…

المعادن الثانوية

والزنك، والسليكون، وغيرهما من المعادن التي لا تدخل في بناء أجسادنا إلا بكميات قليلة، ولا تؤدي وظائف مهمة لا تستدعي من الجسم أن يرسل صيحات الاستغاثة عندما يحس بنقص فيها… وهي لا تقتضي منا غير حديث مختصر.

فالمنجنيز مثلًا، المعتقد أنه ضروري لتسهيل عملية امتصاص فيتامين (ب1) وهو يدخل أيضًا في مركبات الكلسيوم لتنظيم عمليات القلب، وقد يشترك في عمليات تحويل الطعام إلى طاقة…

والكبريت يدخل في مركبات بعض الأحماض لتكوين الأنسجة وحفظ الشعر والأظافر سليمة..

و(الأدرينالين) ضروري لعمل الغدتين الأدرينالين -وهما فوق الكليتين- ويقوم بدور مهم في مساعدتنا على النوم.

والكوبالت يدخل في تكوين الدم… والزنك له تأثير مشابه لتأثير النحاس…

أما السليكون فيحفظ للجلد مرونته… والفلورين يساهم في متانة الأسنان وصلابتها.. والخارصين له دور مهم في نمو الشعر.

والخلاصة أن وجود المعادن في غذائك لا يقل أهمية عن وجود الفيتامينات، وأنت تستطيع أن تحصل عليها بوفرة إذا عرفت كيف تنوع قائمة طعامك بحيث تتضمن عددًا من الأطعمة الغنية بها… فلا يجب أن يخلو طعامك من اللحم، والسمك أو البيض، واللبن ومستخرجاته، ثم الفاكهة الطازجة، والموالح، والخضر الطازجة والجافة، والزبد أو الدهن، وأنواع البقول والخبز.

فلكي تحتفظ بوزنك طبيعيًا، وتتيح لجسمك الفرصة ليعوض أي نقص يعتريه، راع أن يتألف من هذه الأغذية.

عن مجلة (تودايز هلث)

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

 

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *