مهما يكون نوع العمل الذي تمارسه، ففي وسع الخيال الخلاق أن يدفعك إلى النجاح فيه..
كان عملي لمدة تزيد عن الثلاثين عامًا من أكثر الأعمال تطلبا للإبداع والابتكار. فقد كنت أشتغل بالدعاية في إحدى المؤسسات الضخمة، وألتقي يوميًا بمجموعة من الشخصيات المشهورة باستخدامها الموفق للخيال الخلاق. ومن خلال خبرة ثلاثين عامًا أستطيع أن أذكر أن الخيال ليس موهبة تولد معنا بقدر ما هو طريقة منظمة للتفكير.
إن أعمال الإعلان والدعاية قوامها الأفكار.. فقلم الحبر مثلًا يحتاج إلى عبارة ملفتة توضح ميزاته، كأن تكتب في إعلانك (كتابة جافة بحبر سائل)، وشركة فورد للسيارات سرعان ما تحرك خيالها تلك الصورة الشهيرة التي تظهر فيها الكرة البلورية التي تستخدمها الساحرات فتكتب تحتها هذه العبارة (في مستقبلك سيارة فورد جديدة).
ولقد طالما سألت نفسي: كيف تمكن رجال الإعلان أن يصبحوا من رجال الفكر؟ هل هي عبقرية موروثة تولد معهم؟ أم هي نتيجة دراسات متخصصة اجتازوها بنجاح…؟
والجواب: لا هي العبقرية، ولا هي الدراسات المتخصصة، وإنما هو الخيال يستخدم الاستخدام الصحيح!… ولو استطاع أحد أن يفعل ما يقوم به رجال الإعلان، فاستخدم خياله الاستخدام الصحيح لأحرز من التقدم ما يفوق الوصف، بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي يشتغل به.
لقد التحقت بمؤسسة الإعلان وفي ذهني أنني مجرد إنسان على مقدرة عادية في التخيل والابتكار. وكيف لا وقد أمضيت دراستي في مدرسة القرية، ولم أستفد من هذه الدراسة إلا القليل وكانت وظيفتي السابقة كموظف في السكة الحديدية تخلو هي الأخرى من التفكير، بعيدة كل البعد عن أن تقدم لي أقل القليل من الخيال. وكان هذا ببساطة هو ما جعلني أقنط من قدرتي على الخلق والابتكار.
ولكن ما حدث بعد ذلك جعلني أؤمن حقًا بأن الحاجة أم الاختراع فالمؤسسة تطلب مني أفكارًا جديدة الأمر الذي جعلني مخيرًا بين الخيال أو البطالة! فجعلت أرقب من حولي محاولًا أن أعرف ماذا يفعلون. وكان ما اكتشفته عجيبًا حقًا. إن التفكير الخلاق ليس في نهاية الأمر سوى نوع من اليقظة المدربة، والتفكير العقلي المحدد، وطريقة معتادة للنظر خلال الأشياء للبحث عن الأفكار.. إنه مجرد إحساس تام بما حولنا!
ووجدت نفسي بعدما أدركت الأمر أبتكر الكثير من الأفكار. كنت أنظر إلى ما حولي نظرة تعودت على مر الأيام أن تكون فاحصة متخصصة. وسرعان ما استطعت أن ألمح بكل سهولة ما تحتاج إليه السلعة المعدة للبيع من إعداد حسن وتغليف جيد، وطريقة معينة للدعاية لها وتصريفها.
وبمضي الأعوام استطعت أن اكتسب الخبرة، بل أساعد بخبرتي عددًا ضخمًا من الشبان والشابات الذين يبغون التدرب على شئون الإعلان. ورأيت الكثير من ابتكاراتهم الخلاقة.. والأمر الذي أذكره أنهم جميعًا كانوا بلا مواهب خاصة في بادئ الأمر وإنما استطاعوا أن يخلقوا الأفكار لأنهم تصارعوا معها وتمرسوا بها..
فهل حاولت، أيها القارئ، أن تبتكر كل يوم فكرة جديدة؟ هل حاولت أن تأخذ مخيلتك بالتدريب والإعداد؟ إنك لو فعلت لأحرزت نتائج مدهشة.
فحاول أن تمارس التدريب الآتي على التخيل الخلاق لمدة شهر واحد: انظر فيما حولك يوميًا، وراقب ببصيرة واعية ما تقع عليه عيناك من أشياء عادية مثل زجاجات اللبن، وأزرار القمصان، والستائر… واسأل نفسك (هل هي في موضعها الطبيعي أم يجب أن نغير شيئًا؟) ولا تجزع إذا لم تبتكر في أول الأمر شيئًا.. فإن ما ننشده من هذا التدريب هو أن تدرب عينيك على رؤية المشكلات من خلال فهم جديد، ومن زاوية جديدة.. كل ما يهمنا أن تنمي مخيلتك..
وعلى سبيل المثال: هذه السكين الموضوعة على مائدتك، التقطها وانظر إليها وقلبها بين يديك. حملق فيها متأملًا لمدة ساعة.. أو يوم.. أو أسبوع. أعرف شخصًا كان يفعل مثلك.. ظل يحمل السكين معه لعدة أيام، ويراقب زوجته وهي تقطع بها الخضروات فتنحرف السكين وتصيب أصبعها فتجرحه وتسيل منه الدم.. وفي النهاية ابتكر سكينًا جديدة مزودة بفاصل يجعل إصابة الأصابع أثناء استخدامها أمرًا عسير الحدوث. إن هذه الفكرة ليست بنت الإلهام وإنما هي نتيجة التعود على التفكير الخلاق.
وأنصحك أن تفعل مثلما فعل ومثلما يفعل أي إنسان مبتكر.
اجعل إحدى عاداتك أن تبتكر أفكارًا جديدة. وانظر فيما حولك بعينين متطلعتين كأنما ترى الأشياء لأول مرة! ابحث في المنزل، والمخزن، والمكتب، والحانوت… اجعل التفكير الخلاق هوايتك ولا تكف عن هذه الهواية.
ولا تنتظر حتى تقع على مشكلة عالمية ضخمة لكي تحلها، بل ابدأ بالأشياء الصغيرة. فإن الرجل الذي اخترع السكين ذات الأمان لم ينتظر، بل أعمل فكره فيما وقع عليه بصره فنجح… واعلم أن شهرًا من التعود على أعمال الفكر سيكون بداية طيبة يصل بك آخر الأمر إلى النجاح.
وليس من الضروري أبدًا أن تقتصر على الابتكارات الآلية شأن كبار المخترعين، فإن صنع رف للكتب، أو تركيب نافذة في مخزن كفيلة بتنشيط فكرك على الخلق والابتكار.
إن الخيال أمر جوهري في عملك اليومي تمامًا كما هو بالنسبة للرسام، والكاتب، والمؤلف. فاقتحم مملكة الخيال وستجد ما يملؤك بالدهشة والعجب. واعلم أن اللحظة التي تشغل فيها ذهنك بالتفكير الخلاق هي أثمن لحظات عمرك..
(عن مجلة (يورلايف))
– نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق