سلط العلم أضواء أخيرًا على التدخين في معرض سعيه المتواصل للقضاء على الداء الوبيل: السرطان. وتفرق الأطباء والعلماء شيعا: بعضهم يقطع بالصلة بين الاثنين، وبعضهم الآخر يتأرجح بين القطع وعدم القطع!..
وأيًا كان وجه الأمر، فإن الذي لا شك فيه أن التدخين عادة تبدأ غالبًا في مطلع الشباب، وأن أكثر المدخنين يودون لو أبطلوا هذه العادة لأسباب مختلفة، قد تكون صحية، وقد تكون نفسية وقد تكون اقتصادية..
وإلى المدخنين من القراء نسوق فيما يلي رأيين طبيين في الضرر الصحي للتدخين، ورأيين لأستاذين في علم النفس في التدخين كعادة وكيف يمكن الإقلاع عنها. كما نقدم في باب (معرض التجارب الإنسانية) قصة واقعية لربة بيت أقلعت عن التدخين، راجين أن يفيد الراغبون في الإقلاع عن التدخين من تجربتها، وفاتحين الباب أمام الذين سبقوا إلى الإقلاع عن هذه العادة ليفيدوا بتجاربهم إخوانهم الراغبين في الإقلاع عن التدخين.
هل هناك علاقة ثابتة بين التدخين وسرطان الرئة أو غيره من الأمراض؟
العلاقة ثابتة بين التدخين والسرطان
للدكتور إبراهيم أحمد الأتربي
أخصائي الأمراض الصدرية
ثبت من التجارب التي أجريت في البلاد الأجنبية مثلا أمريكا أن هناك علاقة بين التدخين وسرطان الرئة.. وثبت أيضًا أن الشخص الذي يدخن 40 سيجارة يوميًا، أكثر عرضة لهذا المرض من غير المدخن بمقدار سبعين مرة!
على أن التدخين برغم أنه أحد أسباب مرض سرطان الرئة، إلا أنه ليس السبب الوحيد في حدوث هذا المرض.. فهناك أسباب أخرى منها الداخلية، مثل استعداد الشخص نفسه لهذا المرض، وذلك مثلاً عن طريق الوراثة أو التركيب الجسماني.. ومنها الأسباب الخارجية، مثل الهواء الملوث الذي نستنشقه، وعلى الأخص هواء المصانع..
والمادة التي تسبب سرطان الرئة هي القطران الموجود في الطباق.. وهناك تجارب تجري لاستخلاص هذه المادة العضوية من الدخان حتى يمكن تقليل نسبة الإصابة بسرطان الرئة بين المدخنين.
والطباق باعتباره من المواد الغريبة التي تدخل الجهاز التنفسي تسبب التهابًا بالشعب، مما ينتج عنه نزلات شعبية مزمنة فضلاً عن أنه يحدث التهابًا في الحلق مما يتسبب عنه السعال، وكثرة الإفرازات (البلغم).
ولا يمكن منع التدخين طبيًا، ولكن يمكن علاج الحالات التي تنتج عن التدخين..
لم تثبت العلاقة بين التدخين والسرطان!
للدكتور أحمد غريب
مدرس الأمراض الباطنية بطب القصر العيني
لم يستقر الرأي بصفة نهائية على وجود علاقة ثابتة بين سرطان الرئة والتدخين… وقد أجريت أبحاث وإحصاءات في مختلف الدول وخاصة إنجلترا وأمريكا عن هذا الموضوع وانتهى الباحثون إلى نتائج أهمها:
* من الناحية (الإكلينيكية) وجد أن سرطان الرئة يكثر في المدخنين عن غيرهم.
* وجد أن نسبة الإصابة بالمرض تقل في مدخني الغليون (البايب) وترتفع في مدخني السجاير العادية.
* يعتقد أن درجة الاحتراق العالية (ما بين 500 – 700 درجة مئوية) تنتج مواد كيمائية خاصة كمركبات القطران، وهذه بدورها ثبت أنها تؤذي خلايا الغشاء المخاطي المبطن للقصبة الهوائية.
* ثبت بالأبحاث التي أجريت على الحيوانات وخاصة الفيران أن هذه المواد تحدث سرطانًا ولكن تجاوب الحيوانات تختلفت عن تجاوب الإنسان في مثل هذه الأبحاث..
هذا عن العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة.. أما عن المضايقات الصحية الأخرى للتدخين، فالمعروف أن التدخين يقلل من الشهية وقد يحدث فقدانًا تامًا لها.. ويقلل من الدورة الدموية عامة وخاصة الشرايين التاجية للقلب، ومعظم مرضى القلب يعلمون ذلك.. كما أنه يؤذي مرضى الرئة، وخاصة الربو وأمراض الصدر بصفة عامة، ويؤثر على أعصاب العين…
عادة التدخين.. كيف تبدأ من الوجهة النفسية، وكيف يمكن أن تنتهي؟ الخوف يدفع إلى الإقلاع عن التدخين
للدكتور يوسف مراد
أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة
يبدأ التدخين بمحاكاة الكبار كوسيلة من وسائل إثبات الذات وتدعيم الشعور بالاستقلال الذاتي… والمراهق يدخن في بادئ الأمر على الرغم من عدم تمتعه بالدخان.. أي أنه لا يجد لذة بدنية في بادئ عملية التدخين وهذا دليل على أن الدافع الأساسي إلى التدخين هو دافع معنوي، وهو الدافع الذي أشرت إليه..
وكذلك نجد أن المرأة تدخن لكي تحاكي الرجل وتشاركه بعض الصفات المميزة للرجولة، مثل الاستقلال، والسلطة، والقوة..
وبعد ذلك تحدث عملية تكيف (فسيولوجي).. فإن الدم يتشبع بكمية من (النيكوتين) وعلى هذا يطالب الجسم بالتدخين وحينئذ تصبح العادة قائمة على أساس فسيولوجي بالإضافة إلى الأساس الاجتماعي الذي أشرت إليه..
وقد ظللت أنا شخصيًا أدخن أكثر من ثلاثين عامًا، ثم أقلعت عن التدخين بناء على أوامر الطبيب ولكن بعد جهد ومشقة.. وما دفعني إلى الإقلاع إلا الخوف من مضاعفة المرض.. ومعنى هذا أن الخوف يكون دافعًا قويًا إلى الإقلاع عن التدخين.. وليس معنى هذا أن فكرة العلاقة بين سرطان الرئة والتدخين سوف تخيف المدخنين، فإن هذه الحالة عامة وليست فردية.. وقد دلت التجارب على أن هناك نسبة معينة تصاب بهذا المرض من بين المدخنين.. ولذلك سيحاول كل فرد أن يقنع نفسه بأنه خارج هذه النسبة!
ويمكن الإقلاع عن التدخين بطرق طبية، وذلك بوساطة دواء يجعل طعم السيجارة كريهًا جدًا.. أما بالطرق السيكولوجية فالعادة إما أن تقلل بالتدريج أو تقطع مباشرة على شرط أن تحل محلها عادة أخرى..
ونحن نجد أن بعض الناس يدخنون عشر سجائر في اليوم، ثم نجدهم في أوقات أخرى يدخنون ثلاثين سيجارة مثلاً.. وعند الفحص نجد أن هناك بعض التوترات أو الأخبار السيئة التي تضايقهم، وهنا نستطيع أن نقلل من التدخين أو نبطله إذا أبطلنا أو تحكمنا في العوامل التأثيرية في عادة التدخين..
التوتر النفسي يبعث على التدخين
للدكتور محمد عماد الدين إسماعيل
مدرس الصحة النفسية بجامعة عين شمس
تبدأ عادة التدخين أساسًا كأسلوب من الأساليب التي يشبع بها الفرد إحدى حاجاته النفسية… والملاحظ أن هذه العادة تنتشر بين مراهقي المدارس الثانوية وهؤلاء عادة في حاجة إلى أن يتشبهوا بصفات الرجال التي لا يتيح لهم الآباء فرص تحقيقها وإذا كان الغلام متخلفًا أو يعامل معاملة قاسية من والديه فإنه قد يلجأ إلى التدخين كأسلوب من أساليب إثبات الذات..
وتبدأ عادة التدخين عند بعض الكبار إذا كان هناك فراغ نفسي… كأن يقدم شخص لآخر سيجارة ويشير عليه بتدخينها.
والخلاصة أن التدخين وسيلة لإشباع بعض الحاجات النفسية أو لإزالة التوتر النفسي… وبعد ذلك تحدث عادة التدخين بعض التغيرات الفسيولوجية التي تجعل الجسم يتطلبها دائمًا.. أي تجعله أكثر حساسية للعوامل المثيرة للتوتر، فيلجأ إليها الفرد وتصبح عادة، لأنها أفادت ولو وقتيًا في إزالة التوتر..
وهناك عدة وسائل عملية لمنع التدخين، منها الأقراص التي تجعل طعم السيجارة كريهًا جدًا.. أو أن يدخن المدخن في الوقت الذي لا يريد أن يدخن فيه فتصبح العملية مؤلمة باعثة على الضيق!
وإلى جانب هذا يجب أن تعالج الحالة النفسية التي أدت إلى التدخين باعتبار التدخين وسيلة للهروب من عوامل مقلقة.. فيواجه المدخن هذه العوامل نفسها ويدرس أسباب التوتر ويحاول إزالة هذه الأسباب بأن يسعى مثلاً إلى شغل وقت فراغه بأعمال إنشائية وهوايات، أي يجد لنفسه مجالاً اجتماعيًا وإنشائيًا لإثبات ذاته. ويمكن إحلال عادة جديدة محل هذه العادة السيئة، ويصح أن تكون هذه العادة شبيهة بعادة التدخين كأن يضع المدخن بعض قطع الحلوى في علبة السجائر مثلاً..
معرض التجارب الإنسانية
ليس في وسع إنسان أن يحيا حياة خالية تمامًا من أسباب المنغصات، ولا من التجارب التي تصيبه بالهم، والقلق، والألم؛ ولا أظن إنسانًا يرضى بهذه الحياة لو عرضت عليه، فهي بحياة الحيوان أشبه!.. ولكن في وسع كل إنسان أن يحول كل (سالب) يصادفه في حياته إلى (موجب)… في وسعه أن يواجه تجارب الحياة مواجهة إنشائية بقصد استخلاص العبرة، والفائدة العملية… فالسعادة -كما قال أحد الحكماء- ليست في المتعة وإنما في الظفر… في الانتصار على ما يعترض الطريق من منغصات وعقبات… وأقوى ما تتسلح به ليتم لك النصر هو أن تنتفع بتجارب الناس… ولتجارب الناس أفردنا هذا الباب، أو هذا (المعرض)، وفتحنا أبوابه للقراء.
وإليك نموذجًا لتجربة إنسانية صادفتها ربة بيت وكانت حادثة عارضة كافية لأن تخرجها منها سعيدة راضية… فاقرأها، ثم أرسل لنا تجربتك أنت ليفيد منها إخوانك القراء واظفر بإحدى الجوائز.
هكذا أبطلت التدخين
بقلم (ربة بيت)
بدأت التدخين، كما تبدأه أكثر المدخنات من سيدات البيوت، لأنه استطاع أن يريحني من عشرات الأعمال المنزلية التي أقوم بها… فقد وجدت فيه مؤنسًا وصديقًا!
ولم أتنبه إلى أن أدخن بكثرة إلا حين اكتشفت أن هناك كثيرًا من أعقاب السجاير في كل مكان بالمنزل: في المطبخ، وفي حجرة النوم، وفي الردهة… كنت أشعل سيجارة كلما بدأت عملاً جديدًا!
وفي ذات يوم أخبرني ولدي الصغير أنه لا يحب أن يقبلني لأن رائحتي تفوح بالدخان دائمًا!
في ذلك الوقت كنت أدخن علبتين من السجاير في اليوم، وكنت أقوم في الفجر لأدخن أحيانًا، وكلما تأخرت في النوم كنت أنتهى من العلبة الثالثة!
كنت أدخن ما يقرب من خمس سجاير قبل أن أنتهي من شرب القهوة بعد الإفطار… وكنت ألقي بالرماد في كل مكان حتى أني أوشكت أن أحرق السرير الذي أنام عليه أربع مرات… كما أحدثت ثقوبًا كثيرة في معطفي المصنوع من الفراء، وفي كل مفرش وسجادة في المنزل تقريبًا!
ورغم أني استطعت أن أهزأ بالتلف الذي تحدثه السجاير في أحشائي وفي أعصابي، إلا أن الثقوب التي في ملابسي وفي محتويات المنزل جعلت من عادتي لعنة، ومخاطرة باهظة الثمن.. وبجانب هذا فقد حرمت قبلة ابني الصغير!..
ثم أقلعت عن التدخين…
أقلعت عنه في اليوم الذي أخذت فيه طفلتي الصغيرة سيجارة مشتعلة من إحدى المنافض ووضعت الطرف المشتغل في فمها الوردي الصغير!.. حينئذ ألقيت بكل العلب والسجاير في الطريق بينما بكاء ابنتي يحرق قلبي!..
وفي تلك الليلة كدت أجن… وددت لو أبيع روحي من أجل (نفس) واحد… وقد دفعني يأسي إلى أن ألف بعض الأعشاب في ورق رقيق!.. وهنا ضحكت من نفسي، وهبط التوتر الذي كنت أعانيه… وفي تلك اللحظة واتتني فكرة جعلتني أبتعد عن السجاير ما يقرب من سنة… لقد سألت نفسي (لماذا أدخن؟) وكان الجواب (لأشغل يدي)… ومن ثم شغلت يدي بعمل آخر… أخذت أعزف على البيانو… رحت أعزف في جنون!
ولكني لم أكن أستطيع أن أعزف على البيانو في الليل… ومن ثم كان عليّ أن أبحث عن أعمال أخرى تشغل يدي، وقد وجدتها…
ففي الليلة الأولى غيرت نظام كل شيء في المنزل…. زينت أطراف الورق على رفوف المطبخ، ولصقت مقتطفات كثيرة من الصحف التي تتحدث عن الأكلات في كراسة كبيرة… ومن شدة التعب ومن شدة شوقي للتدخين رقدت على السرير… ونمت!
وفي صباح اليوم التالي عاودتني الرغبة في التدخين بكل قوتها… واهتززت مثل شجرة في مهب الرياح… ثم جاءتني الفكرة مرة ثانية.. أن أعزف على البيانو… ولكنها كانت فكرة مجنونة فإن فكرة إشغال يدي بالعزف المتواصل كانت فكرة مضحكة حتى للأعصاب المتوترة، ولكني رغم هذا تمسكت بأن أشغل يدي دائمًا…
وحين سئمت من العزف عمدت إلى غسل النوافذ، وكي الثياب وتعليق الصور، وتنظيف الحجرات… وكانت هذه أعمالاً لم أقم بها في السنوات العشر التي قضيتها في بيت الزوجية!
وعند الظهر شعرت كأني كنت أعمل في منجم… وجاء نوم هذه الليلة مبكرًا، ورحبت به جدًا..
وفي نهاية الأسبوع كنت أقوم بعمل منتظم في المنزل، بجانب عشرات الأعمال التي ابتكرتها… وكانت بعض الأعمال ترغبني في التدخين، ولكني كنت أتركها فورًا وأقوم بأعمال أخرى لا تشعل في نفسي رغبة التدخين، وتقدمت بعد فترة تقدمًا ملموسًا…
وكان أسوأ وقت بالنسبة لي هو الليل… فلم يكن النوم يواتيني بسرعة، وكنت أقضم الوسائد محدثة بها ثقوبًا كثيرة… ولكن هذا لم يكن يمنعني عن الرغبة الجامحة التي تشتعل في نفسي، ومن ثم كنت أنهض رغم تعبي الشديد وأشغل نفسي بأي عمل ولو كان تافهًا…
ولكن فكرة أن أعمل كخادمة مجنونة في الليل والناس نيام، نغص عليَّ عيشتي فترة من الزمن حتى استطعت أخيرًا أن أتخلص منها. كنت أتكاسل عن القيام في الليل لأكنس، وأنظف الأرض… واستطعت أن أمكث في السرير عندما آوى إليه… وأخيرًا غلبت كراهيتي لتلميع الأرض في منتصف الليل رغبتي في التدخين!…
وفي خلال شهر كان كل شيء قد انتهى…
ولكن هل يستحق إبطال التدخين كل هذا العناء؟!
نعم، فإني لأشعر بارتياح كبير.. أصبحت أعصابي هادئة كالنسيم الرقيق، وأصبحت آكل بشهية كطفل نهم… وعاد ابني إلى أحضاني لأقبله، وأصبح يعلن بين زملائه أن أمه ليست أحلى أم في الوجود فقط بل إن رائحتها حلوة أيضًا!
والآن… أيها القارئ
هل كنت أنت أيضًا مدخنا، ودفعك عامل ما إلى الإقلاع عن التدخين؟
- ابعث لنا بتجربتك… واذكر الظروف التي دفعتك إلى الإقلاع عن التدخين، وكيف…. وليكن رائدك أن يفيد من تجربتك إخوانك القراء.
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق