ما هو دور الأب في تربية الطفل وإعداده للحياة؟
سؤال يجري على ألسنة الأمهات حينًا، ويدور في خواطرهن حينًا، ويثير بينهم وبين الآباء الخلاف أحيانًا!.. وعلى تساؤل الأمهات عن دور الأب في تربية الطفل، يجيب هنا الدكتور (ملتون سن) مدير مركز أبحاث الطفولة بجامعة (ييل) الأمريكية، وأستاذ الطب النفسي بها، ومدير قسم الأطفال بمستشفى (جريس نيوهافن)
س: أشعر أن زوجي يستطيع أن يمنح أطفالي شيئًا معينًا، ولكن ما هو هذا الشيء؟
- يتلقى الأطفال أدوم مشاعرهم عن الزواج وحياة الأسرة من النموذج العملي الذي يقدمه الوالدان، كل منهما على طريقته وفي اختصاصه، بالرغم من بعض الخلافات التي قد تعترض حياتهما معًا…
ومن الأب يتعلم الأطفال أن الرجولة تعني كذلك أن يكون الرجل زوجًا يمنح الحماية والحنان لزوجته. ومن علاقة الأب بالأطفال يكتشفون أن الأب لا يمنح أولاده الحماية والحنان فحسب، بل يمنحهم كذلك الصحبة الطيبة، والرعاية، والقيادة الرشيدة.
والوالد في الغالب أفضل من الأم فهما لمطالب العالم الخارجي وهو أشد إحساسًا من الأم بأن هؤلاء الصغار سيكون عليهم في يوم من الأيام أن يشقوا طريقهم في الحياة. فمعاملته لهم –لهذا السبب- أخشن نوعًا من معاملة أمهم لهم، لأن الأم في الواقع هي الحارس الأمين على القيم الإنسانية ذات الطابع الشخصي.
وبالتدريج تتكون لدى الأطفال صورة شاملة للكيفية التي يواجه الوالد بها مشكلات الزوجية والأبوة وكسب المعاش، واحتلال مكانه بين الرجال؛ وتثير هذه الصورة في نفوسهم ما يحفزهم على رسم خططهم الخاصة.
س: هل من العدل أن أنتظر من زوجي العون في العناية بطفلنا وهو في الشهر الثالث من عمره؟ إن زوجي يعتقد أن سن المهد من شأني وحدي؟
- كثيرون من الآباء يجدون –على غير ما كانوا يتوقعون- لذة كبيرة متى بدأوا في مشاركة الأمهات العناية بالوليد. وهناك فائدة عملية لا تنكر من وجود من يشارك الأم في العناية بالطفل، حتى إذا مرضت الأم أو خرجت فجأة لم ينزعج الطفل ولم يشعر بنقص… ولكن لا ينبغي أن تطلب الزوجة ذلك بوجه الإلزام، بل يجب أن تستدرج زوجها بأسلوب التشجيع والإغراء، بحيث لا يشعر بأنها تلقي عليه الأعباء.
س: من المسئول عن تأديب الأطفال؟ الأم؟ أم الأب؟ أم كلاهما؟
- يبدو لي أن الأفضل هو قيام الآباء والأمهات معًا بتأديب الأطفال ورقابتهم.
فإن الأب إذا ترك للأم المهمة كلها بدا في عيني صغاره أضأل أهمية وإن استطابوا صحبته رفيقًا في ألعابهم!.. بيد أن قيام الوالد بمسئوليته التربوية ليس على الدوام أمرًا سهلًا. فأكثر الآباء يقضون أوقاتهم بعيدين عن البيت بحيث تقع الأعباء كلها على الأم، وينشأ الأطفال وفي ذهنهم أن المرأة هي التي تسوس الأمور كلها في البيت، وأن الرجل ما هو إلا متفرج سلبي. وهذا الالتواء عن السبيل الأمثل للتربية يمكن أن يؤدي إلى شقاء كثير في المستقبل، للرجال والنساء على السواء..
وعلى كل حال، إذا بدر من الطفل ما يستحق عليه التأديب في حضور الوالد، فهذه فرصته لإثبات وجوده. ويلزم لذلك أن يكون الوالد على دراية بطباع كل طفل من أطفاله وظروفه، ولهذا يجب على الأب أن يصغى بانتباه لتقرير زوجته المفصل كل مساء عما جرى من أولاده طول النهار، وأن يتشاور معها فيه، وينتهيا إلى (فلسفة عامة) على الأقل، لتأديب الأولاد، بحيث لا تحدث خلافات من حيث المبدأ، في أسلوب كل منهما في التربية والتأديب.
س: أنا وزوجي لا نتفق دائمًا على ما هو أفضل للأطفال، فرأي من منا يجب أن يسود؟
- فيما بين زوجين على قدم المساواة في الاعتبار الإنساني، لا محل للقول بسيادة رأي فرد منهما مبدئيًا.. والاتفاق بينهما على المبادئ خليق ألا يقيم خلافات عسيرة الحل. أما الخلافات على التفاصيل فيمكن دائمًا تسويتها بالإقناع والاطلاع والاستشارة، ما لم تتوفر روح العناد!
س: هل ابنتي الصغيرة بحاجة إلى صحبة أبيها مثل شقيقها الغلام؟
- الأطفال من الجنسين يحتاجون إلى الأب باعتباره قوة إيجابية في حياتهم.
فإن شعرت الفتاة أن أباها يقدر لأخوتها الغلمان قيمة أعظم من قيمتها، نشأت وفي ذهنها أن أنوثتها عاهة مستديمة ولهذا أبعد الآثار في نموها مستقبلًا، ولا سيما من جهة علاقتها بالرجال! فالرجل الذي يهتم بصحبة ابنتها وبملامح أنوثتها ويشجعها فيها، يقوى احترامها لنفسها تقوية كبيرة، ويساعدها على نمو متكامل نحو مستقبل مرض.
س: أحد أولادي ينتحل الأعذار دائمًا كيلا يكون في صحبة أبيه، مع أن ابني الآخر يسعده غاية السعادة أن يشارك أباه في الألعاب، فكيف حدث ذلك؟
- قد يكون والدهما رجلًا طموحًا يتوقع من أولاده مستوى عاليًا من الكفاية في الذكاء أثناء اللعب. ومثل هذا الأب قد يكون مثيرًا لنشاط نوع معين من الأطفال، وفي الوقت نفسه مثبطًا لهمة نوع آخر من الأطفال الذين لا يأنسون في أنفسهم الكفاية العالية التي تضمن لهم إعجاب الأب، ولهذا أستنتج أن ابنك الممتنع عن مصاحبة أبيه بطئ النمو، شديد الحساسية، من الطراز الانطوائي.
فاتحي زوجك في الأمر، وضعا معًا خطة جديدة، بحيث يدخل الأب في ألعابه أنواعًا أكثر اتفاقًا مع مزاج هذا الطفل واستعداده مثل جمع الطوابع، وسماع الموسيقى، وركوب الدراجة، أو مجرد الحديث. فليس من الممكن أن يتهرب الطفل من أبيه ما دام الأب قادرًا على اكتشاف الوسائل لاجتذابه.
س: ماذا أصنع لتحسين العلاقات بين زوجي وابنتنا البالغة من العمر ثلاث عشرة سنة، أي أنها في السن المتعبة الحرجة؟ ثيابها مثيرة للسخط بإهمالها، وحركاتها مثيرة للسخط بفوضاها وتعبيراتها سوقية بشكل متعمد.
ومن هنا تثور العاصفة!
- استعيني بروح الفكاهة، وأفهمي زوجك أنها نوبة عابرة، فسرعان ما تنمو الطفلة وتستقر في أنوثتها. وفي الوقت نفسه لا تحرمي ابنتك من صداقتك، وحبك، وإعجابك بها. تحدثي إليها. اخرجي معها. استقبلي صديقاتها بالترحاب. فالصفاء بينكما مهم جدًا لمساعدتها على اجتياز أزمة المراهقة لا تزعجيها، كأبيها، بلفت نظرها باستمرار إلى الجلوس باعتدال، وتردّي شعرها، وتنسيق ثيابها وإصلاح لهجتها. ولكن انتهزي بعض الفرص لتلك التنبيهات، حين تكون المناسبة جدية. ويا حبذا لو استطعت أن تدبري فرصة تنفرد فيها في البيت مع أبيها، مثل ذهابك في زيارة طويلة، أو اعتذارك عن السينما فجأة فيذهبان معًا وحدهما.. وسيكتشف كل منهما ولا شك نواحي جديرة بالإعجاب في شخص آخر، ويكون هذا بمثابة (رأس جسر) لعقد الصلح بينهما. المهم أن يكف الأب عن الظهور أمامها بمظهر العدو أو المناهض، ويقترب بقدر الإمكان من صورة البطل..
س: مات زوجي منذ عام تاركًا لي ولدين وبنتًا بحاجة إلى التربية. والجميع يقولون أن الأطفال بحاجة دائمًا إلى أب. وأنا واثقة من صواب هذا القول. فإن لم أتزوج ثانية، فماذا باستطاعتي أن أفعل لتوفير (الأبوة) لهم؟
- تحدثي إلى أولادك دائمًا عن أبيهم الراحل، كي تبقى ذكراه حية في قلوبهم قدر استطاعتك. حديثهم عن آماله فيهم حين كان حيًا، ومشروعاته بخصوصهم وحمايته وحبه لهم.
بيد أن الذكريات تبهت ألوانها تدريجيًا. ويجب أن تتقبلي هذه الحقيقة ويتقبلوها. فانتهزي الفرصة وادعي إلى البيت ذوي القربى من كبار الرجال، وشجعي اتصال أولادك بهم. فالعم، والخال، والجد، في كل منهم عنصر من عناصر الأبوة.
ولا أنصحك أن تحاولي القيام بدور الأب والأم معًا. فإن راحتك النفسية لها أهميتها، وفي دورك كأم الكفاية.
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق