اقتُرِحت النظرية النسبية الخاصة (The Special Theory of Relativity) في عام 1905 من قبل ألبرت أينشتاين (1879-1955). السبب في إطلاق مصطلح “خاصة” هو أنها جزء من أو “حالة خاصة” من النظرية النسبية العامة (The General Theory of Relativity) الأكثر شمولية وتعقيدًا. والأخيرة -النظرية العامة- اقترحها أينشتاين في عام 1915.

ألبرت أينشتاين (1879 – 1955)

  • المكان والزمان

في أي نظام إحداثيات يومي، مثل: الخريطة، من الممكن تحديد موقع ما باستخدام فقط أبعاد مكانية بسيطة. على سبيل المثال، بالنسبة لشخص يبحث عن كنز مدفون يمكننا أن نقول: “اتجه شرقًا مسافة 20 ميلًا، ثمّ شمالًا مسافة 5 أميال، ثم احفر لعمق 30 قدمًا”. لقد حددنا للتو نظامًا إحداثيًا ثلاثي الأبعاد. ولهذه الأبعاد المكانية الثلاثة، أضاف أينشتاين بُعدا رابعا ألا وهو الزمن. وهذا منطقي في عالمنا اليومي؛ فمثلًا عندما نقول: “اذهب شرقًا مسافة 20 ميلاً، ثم شمالًا مسافة 5 أميال، وهناك احفر لعمق 30قدمًا، ثم انتظر حتى الساعة الثالثة عندما ألتقي بك لمشاركة الكنز!”.

ولكن، عندما نتحرك بسرعات عالية جدًا -بسرعة قريبة من سرعة الضوء- تبدأ الأمور (الأشياء) في التغير بطريقة غير متوقعة. فكلما زادت سرعة تحركنا، كلما تباطأت الساعة بالنسبة لشخص ساكن (الراصد أو المراقب)؛ أي أنّ الزمن يتغير بالنسبة للشيء المتحرك. فبدلًا من كون المكان والزمان كيانين منفصلين – كما في الميكانيكا الكلاسيكية- فإنهما الشيء نفسه، ويُطلق عليهما الزمكان (space-time). باختصار: «يمر الزمن بصورة أبطأ في الساعات المُتحركة».


يمر الزمن بصورة أبطأ في الساعات المُتحركة

  • فرضيتا النسبية الخاصة لأينشتاين

تقوم النظرية على مبدأين (فرضيتين):

1القوانين الفيزيائية هي نفسها في جميع الأُطر المرجعية: أي أنه يمكن تحديد أي حدث داخل حيز معين من الفضاء (الإطار-Frame) بواسطة ثلاثة أبعاد مكانية (three spatial dimensions) وبُعد زمني واحد: الوقت (Time). وأيضًا، القوانين التي تنطبق علينا في الظروف اليومية -مثل قوانين نيوتن- تنطبق (صالحة) أيضا ضمن كل إطار مرجعي.

(وتذكّر دائمًا أنّ الإطار المرجعي (The Frame of Reference) هو الإطار الذي يُطبق فيه القانون الأول لنيوتن أو قانون القصور الذاتي).

2– ثبات سرعة الضوء: سرعة الضوء في الفراغ -كما هو الحال في الفضاء- هي قيمة ثابتة في جميع الأُطُر القصورية بغض النظر عن سرعة مصدر الضوء أو الراصد.

.تبدو الفرضية الأولى بسيطة ومبتذلة. إذا جلستُ وانتظرتُ لمدة ساعة في نيويورك، فسوف تمر ساعة من الوقت. وإذا جلست وانتظرت لمدة ساعة في لندن، فسوف تمر الساعة نفسها أيضًا. والحال هو أنني- بالضبط تقريبا- في نفس المكان من الفضاء (الإطار المرجعي)، والذي يتحرك حول الشمس بنفس السرعة أينما جلست على الأرض. حيثُ تخضع طريقة مرور الوقت في جميع الأُطر المرجعية لنفس القوانين

في حين أن الفرضية الأولى هي -إلى حد كبير- ما قد نتوقعه، ولكن لثانية قد تحتاج إلى مزيد من التوضيح. من المعروف أن سرعة الضوء قريبة جداً من 300 ألف كيلومتر في الثانية (حوالي 186أ لف ميل في الثانية). وتُخبرنا التجربة اليومية أنه إذا تحركت الحافلة شمالًا بسرعة 30 ميلاً في الساعة ونحن نسير شمالًا بسرعة 5 أميال في الساعة، فإن الحافلة تبتعد عنا بسرعة 25 ميلًا في الساعة.

       

لكن ماذا لو تحركنا في نفس الاتجاه كموجة ضوئية؟ لنفترض أننا ننتج نبضًا من الضوء إلى الفضاء عن طريق وميض شعلة (مصباح يدوي) على نحو متقطع. ثم نَتبع شعاع الضوء عن طريق صاروخ سريع جدا يتحرك بسرعة 100 ألف كيلومتر في الثانية. ما مدى سرعة حركة شعاع الضوء مبتعدًا عنا؟ تُخبرنا الفطرة أنه يبتعد عنا بسرعة 300 ألف كيلومتر مطروحًا منها 100 ألف كم في الثانية (أي بسرعة 200 ألف كم في الثانية). ولكن يؤسفني القول أن هذا «خطأ».

لتضع في اعتبارك دائمًا أنّ سرعة الضوء هي نفسها دائمًا بغض النظر عن سرعتنا الخاصة. ومن موقعنا على الصاروخ، سنرى أن شعاع الضوء لا يزال يتحرك بعيداً عنا بسرعة 300 ألف كم في الثانية! وبالمثل، إذا كنا نتحرك نحو شعاع الضوء بسرعة عالية جدًا، فإننا لا نزال نرى الضوء الذي يصل إلينا بسرعة 300 ألف كم في الثانية! بل لو كان الصاروخ يتحرك بنفس سرعة الضوء، وبينما نحن على الصاروخ إذا أطلقنا شعاع ضوء، فإن سرعة شعاع الضوء ستظل ثابتة. هذا له آثار هائلة، ولكنها ليست واضحة دائما.

           

التمدد أو الإبطاء الزمني (Time Dilation)

طبقًا لميكانيكا نيوتن (الميكانيكا الكلاسيكية) فإن الزمن لا يتغير، وهو ثابت في أي مكان مهما يكن. وهو ما يُسمى ب «الزمن المُطلق». ولكن لما قام العالمان ألبرت مايكسلون (Albert Michelson) وإدوارد مورلي (Edward Morley) بتجربتهما الشهيرة والمعروفة بين الفيزيائين ب«تجربة مايكلسون مورلي- Michelson–Morley experiment» لتعيين سرعة الضوء عن طريق تعيين سرعة حركة الأرض في الأثير أثناء دورانها حول الشمس، توصلا أن سرعة الضوء قيمة ثابتة لا تتغير. وكان لا بد لتتم حساباتهما بشكلٍ صحيح، أن يتم تغيير الزمن، أي بطلان نظرية نيوتن بأن الزمن مُطلق.

إذا نستطيع القول بأنه إذا ظلت سرعة الضوء قيمة ثابتة، عندها يجب تغيير شيء آخر، ألا وهو الزمن. من الغريب كما يبدو أن الوقت ليس ثابتًا. وبشكل أكثر دقة، فإنّ نسيج الزمكان غير ثابت. من الممكن أن يتغير؛ إما أن ينحني أو يتشابك. وكلما زادت سرعة حركتنا، فإن الوقت يتباطأ (يمر الوقت بصورة أبطأ في الساعات المتحركة) أي أنّ الوقت يتمدد (dilated). ويُلاحظ هذا التأثير فقط في السرعات العالية جدا، مثل تلك التي تقترب من سرعة الضوء: 300 ألف كم في الثانية (186 ألف ميل في الثانية)، أو قرابة الدوران 7 مرات حول الأرض في الثانية الواحدة.

واحدة من أكثر النتائج الدراماتيكية لعدم ثبات الزمن؛ هي أن الوقت نفسه سوف يسير بسرعات مختلفة حسب ما يتم قياسه بأي ساعة، بما في ذلك الساعة البيولوجية لأجسامنا. أضف إلى ذلك، أنه ستقوم الساعة الثابتة (غير المتحركة) بقياس سرعة مرور الوقت بمعدل مختلف عن الساعة المتحركة، حتى إذا لوحظت كلتا الساعتين آنيًا. تتصرف الساعات بشكل طبيعي في الإطارات الخاصة بها، ولكنها تختلف عن بعضها في الإطارات المحتلفة أو النسبية ((Relative Frames، ومن هنا جاء مصطلح “النسبية- Relativity”.

مفارقة التوأم

دعونا نضرب مثالًا: تنطلق ماري -وهي رائدة فضاء في الثلاثين من عمرها تعمل في ناسا- في صاروخها عالي السرعة في عام 2040 في بعثة لمدة 10 سنوات إلى نجم قريب. بعد وقت قصير، بلغت سرعة صاروخها 270 ألف كم في الثانية، أي 90٪ من سرعة الضوء. بالنسبة لماري فكل شيء يبدو طبيعيا في صاروخها. الساعة تبدو طبيعية ويمر الوقت بالنسبة لها بالطريقة المُعتادة على الأرض.

وأخت ماري التوأم المتطابق، سوزان، تعمل في وحدة التحكم الأرضية المسؤولة عن البعثة التابعة لوكالة ناسا. وبعد مرور عشر سنوات على الأرض، فإنه قد مضى من عمر سوزان التي ترتبط بالأرض 10 سنوات، بينما أختها التوأم ماري لم تتجاوز 5 سنوات فقط! كيف يمكن أن يحدث هذا؟


           السرعة العادية (0 ٪ من سرعة الضوء) 90% من سرعة الضوء

حسنًا، فلنعود سويًا مرة أخرى إلى مقولتنا أنْ «يمر الوقت بصورة أبطأ في الساعات المُتحركة». عند التحرك ب90٪ من سرعة الضوء، فإنّ الزمن يتباطأ إلى حوالي النصف وذلك بالنسبة لشخص ثابت (الراصد أو المراقب). لذا، في حين مرت 10 سنوات على سوزان لم تمر سوى 5 سنوات بالنسبة لماري لأن “ساعة ماري” كانت تعمل بنصف سرعة أولئك الذين على الأرض. وهذا هو ما يُسمى بمفارقة التوأم (twin paradox). تذكّر أنه على الرغم من أن ماري لم يمر عليها سوى 5 سنوات إلا أنها لا تزال تشعر أن الوقت يمر بشكله طبيعي، أي بمعدله المعتاد. لم تكن ساعة تسير ببطء بالنسبة لأي مراقبين على الأرض، ولكن وقتها نفسه كان يمر ببطء.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا كانت ماري وصاروخها يعانيان من تمدد الوقت وليس سوزان؟

وبعد كل هذا، ألا يمكننا أن نعتبر ماري على نفس القدر من الثبات وسوزان والأرض يبتعدان عنها؟

الجواب هو أن السرعة لا يمكن تحقيقها لحظيًا، بل هي التسارع الحادث لجسم ذي كتلة معينة بعيدا عن الجسم الآخر، والتسارع الحادث هو ما يُحدد أي من الجسيمين سوف يعاني من تمدد الزمن.

وأفضل الأمثلة على هذا توجد في المُعجلات الذرية (The Atomic Accelerators). على سبيل

 المثال، فإنّ عمر النصف (the half-life) للنيوترون الحر هو نحو 10 دقائق. (وعمر النصف هو

مقدار الوقت اللازم للكمية لتنخفض إلى نصف قيمتها التي تم قياسها في بداية الفترة الزمنية الإشعاعية).

أي أنه بعد 10 دقائق سيتحلل (ينهار) عدد النيوترونات إلى النصف. ومع ذلك، إذا تسارعت النيوترونات

إلى نحو 90٪ من سرعة الضوء، فإن فترة نصف عمر النيوترونات تزداد إلى قرابة 15 دقيقة،أي كما تقتضي النسبية الخاصة بأنه (يجب أن تكون ساعاتها تسير ببطء). إن العلماء الذين يراقبون

ويقيسون فترة عمر النصف للنيوترونات المُعجّلة يكونون في وضع سكون (ثابتين)، بالنسبة إلى

النيوترونات المتسارعة، وبالتالي لا يعانون من أي تمدد للوقت.

 وبنفس الطريقة، تسارعت ماري بعيدًا عن سوزان، ولذلك فهي التي تعرضت لتمدد الزمني (هناك سبب

جيد جدًا وراء تسمية الأجهزة مثل تلك الموجودة في CERN بالمُعجلات).

مدى السرعة التي يمكن أن نتحرك بها

هناك بعض النتائج الأخرى للنظرية النسبية الخاصة منها:

  • تقلص المسافات وانكماش الأطوال في اتجاه الحركة.
  • تزايد الكتلة بزيادة السرعة.
  • لا يمكن لأي شيء أن يتحرك بسرعة أسرع من الضوء.

تُخبرنا النقطة الأولى أنه -على سبيل المثال- ستتقلص المسافة إلى أي نجم بعيد كلما سافرنا نحوه بشكل أسرع. باختصار، إذا سافرنا بسرعة قرابة 90٪ من سرعة الضوء، فإن المسافة ستتقلص للنصف تقريبًا (كما يراها المسافر).

ترتبط النقطتان الأخيرتان ببعضهما: فطبقًا لـ “قواعد” النسبية الخاصة؛ فإنّ كتلة أي جسم (بالنسبة لمراقب ثابت) تبدو أنها تزداد بزيادة سرعة الجسم. حيثُ عند 90٪ من سرعة الضوء، سوف تتضاعف الكتلة الظاهرية للجسم، بينما عند 99٪ من سرعة الضوء ستزداد الكتلة الظاهرية للجسم إلى نحو 7 أضعاف. ومع اقترابنا من سرعة الضوء، تزداد الكتلة بشكل دراماتيكي للغاية، وتصبح كتلة الجسم لا نهائية عند سرعة الضوء. وكما نعرف من التجربة اليومية؛ فكلما زادت كتلة الجسم، زادت الطاقة المطلوبة لتحريكه. ولتحريك شيء ما ذو كتلة لا نهائية، يتطلب الأمر طاقة لا نهائية وهذا أمر غير ممكن، وبالتالي لا يمكن لأي شيء أن يتحرك بسرعة أسرع من الضوء.

نحن نعيش في عالم تهيمن عليه قواعد النسبية الخاصة، حيث السفر بأسرع من الضوء هو عادة ضرب من ضروب الخيال. وهناك -بالرغم من ذلك- سُبل للخروج من قيود نظرية النسبية الخاصة منها التحرك بسرعة أكبر بكثير من سرعة الضوء.

     

       كلما زادت سرعتنا زادت كتلتنا الظاهرية كما تُقاس بواسطة مراقب ساكن.

هل هذا صحيح؟

هذا كله صحيح، ولكن ما الدليل لدينا؟ بعد كل شيء إنها مجرد “نظرية”. بعض التوضيحات والأدلة مطلوبة هنا.

وعلى عكس ما هو شائع في حياتنا اليومية، يستخدم العلماء مصطلح «نظرية» فقط عندما يكون هناك دليل جوهري وقابل للتحقق من ظواهر مرصودة. وبهذا المعنى، فإن النظرية العلمية تختلف تمامًا عن التخمين أو الفكرة، وتتطلب في كثير من الأحيان قدرًا كبيرًا من الأدلة التجريبية قبل الوصول إلى كونها نظرية. في حالة النسبية الخاصة، أُجريت العديد من التجارب وقدمت جميعها دليلًا دامغًا على أن النسبية الخاصة صحيحة. تتراوح هذه التجارب ما بين التجارب التي تتضمن جسيمات ذرية فرعية في معجلات جسيمات عالية السرعة -كما أشرنا سابقًا- إلى معدلات زمنية مختلفة طفيفة ولكن متوقعة، وبعض مركبات استكشاف الفضاء (مثل تحقيقات فوياجر بين الكواكب) بالمقارنة مع تلك الموجودة على الأرض. حتى أنّ الأقمار الصناعية التابعة لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والتي تعمل من خلال قياس الوقت، يجب أن تأخذ في الاعتبار نسبية الوقت لإيقاف ساعاتها بسرعة لتصبح غير متزامنة مع تلك الموجودة على الأرض.

وأحد الأمثلة علي الأدلة الداعمة لهذه النظرية هو تجربة أبسط بكثير والتي أجريت لأول مرة في 1971 وقد تكررت مرات عديدة منذ ذلك الحين. أُخذت أربع ساعات ذرية من شعاع السيزيوم على متن طائرات تجارية. حلقت مرتين في جميع أنحاء العالم، أولا شرقا ثم غربا، ومقارنة كل ساعة بالأخريات اللاتي بقين في مرصد البحرية الأمريكية. وعندما لم شملها، تم العثور على ثلاث مجموعات من الساعات تختلف مع بعضها البعض، وكانت اختلافاتها بما يتفق مع تنبؤات نظرية النسبية الخاصة.

على الرغم من كونها نظرية منافية للعقل والمنطق، فقد اجتازت النظرية كل اختبار تجريبي تم إجراؤه حتى الآن.

ترجمة: أحمد رجب رفعت.

المصادر: https://goo.gl/oS2nVL

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *