
(صورة لـ «الكوكب الأزرق» مأخوذة من أداة VIIRS على متن القمر الاصطناعي لمراقبة الأرض التابع لناسا -Suomi NPP- في 4 يناير 2012)
هل سألت نفسك يومًا منذ متى تشكّل كوكب الأرض؟ في الغالب قد فعلت، وإن لم تفعل، فإليك الإجابة.
ليس لدى كوكب الأرض شهادة ميلاد أو بطاقة رقم قومي لتسجيل تاريخ تشكيله، وهو ما يعني أن العلماء قضوا مئات السنين في كفاحهم لتحديد عمر الكوكب. ومن خلال تتبع تاريخ تشكل الصخور في القشرة الأرضية المُتغيرة باستمرار، وكذلك صخور الأجرام المُجاورة مثل القمر والنيازك الزائرة، تمكن العلماء من تقدير عمر الأرض البالغ 4.54 مليار (بليون) سنة، بنسبة خطأ تصل إلى 50 مليون سنة.
كم عمر الصخور الأرضية
لقد قام العلماء بمحاولات عديدة -حتى الآن- لتحديد عمر كوكب الأرض على مدار الـ 400 عام الماضية. لقد حاولوا التنبؤ بعمر الكوكب على أساس مستويات البحر المُتغيرة، والوقت الذي استغرقته الأرض أو الشمس لتبرد إلى درجات الحرار الحالية، وملوحة المحيط. ومع تقدم تقنيات التأريخ (تحديد الأعمار)، ثبت أن هذه الطرق غير موثوقة. فعلى سبيل المثال، تبين أن ارتفاع وهبوط مستوى المُحيطات عملية دائمة التغير وليست عملية منتظمة أو تدريجية التغير.
وفي محاولة أخرى لتقدير عمر الكوكب، توصّل العلماء إلى استخدام الصخور التي تغطي سطحه لخدمة هذا الغرض. وذلك لأن الصفائح التكتونية (Plate tectonics) تتغير باستمرار لإعادة هيكلة القشرة الأرضية، حيثُ تم إعادة تدوير الصخور الأم والتي تشكّلت منذ وقت طويل، وصهرها وإعادة تشكيلها لتصبح نتوءات أو تضاريس جديدة.
وفي الغالب تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فكان يجب على العلماء أن يناضلوا في حل معضلة تُدعى «عدم التوافق-Unconformity » في الصخور الرسوبية، حيث يبدو أن طبقات من الصخور الرسوبية مفقودة (في الأخدود العظيم، على سبيل المثال، هناك 1.2 مليار سنة من تاريخ الصخور لا يمكن العثور عليها). هناك تفسيرات متعددة لعدم التوافق هذا؛ قفي أوائل عام 2019، اقترحت إحدى الدراسات أنّ العصر الجليدي قد تسبب في انجراف الأنهار الجليدية إلى الصخور، مما أدى إلى تفككها. بعد ذلك ألقت الصفائح التكتونية الصخور المسحوقة إلى داخل الأرض، وإزالة الأدلة القديمة وتحويلها إلى صخور جديدة.
في أوائل القرن العشرين، قام العلماء بتطوير تقنية التأريخ الإشعاعي أو قياس العمر إشعاعيًّا (Radiometric dating). وقد أظهرت أبحاث سابقة أن نظائر بعض العناصر المُشعة تتحلل إلى عناصر أخرى بمعدل يمكن التنبؤ به.
وقد تمّ العثور على أقدم الصخور على الأرض حتى الآن هي صخور Acasta Gneiss، في شمال غرب كندا بالقرب من بحيرة جريت سليف (The Great Slave Lake)، التي يبلغ عمرها 4.03 مليار سنة. لكن يمكن العثور على الصخور التي يزيد عمرها عن 3.5 مليار سنة في جميع القارات. تقبع في غرينلاند صخور Isua supracrustal rocks (من 3.7 إلى 3.8 مليار سنة)، في حين أن الصخور في سوازيلاند تتراوح بين 3.4 مليار إلى 3.5 مليار سنة. وتتراوح العينات في غرب أستراليا من 3.4 مليار إلى 3.6 مليار سنة.
ووجدت مجموعات بحثية في أستراليا أقدم حُبيبات معدنية (Mineral Grains) على الأرض؛ وهي بلورات سيليكات الزركونيوم الصغيرة والتي لها أعمار تصل إلى 4.3 مليار سنة، مما يجعلها أقدم المواد الموجودة على الأرض حتى الآن. ولم يتم العثور على صخورها الأم حتى الآن.
تضع الصخور ومعادن الزركون حدًا أدنى لعمر الأرض يبلغ 4.3 مليار عام، لأن الكوكب نفسه يجب أن يكون أكبر من أي شيء يقع على سطحه.
عند نشأة الحياة -القصد هنا شكل الصخور والحفريات عند هذه الفترة بغض النظر عن كيفية نشأت الحياة- والتي لا تزال موضعًا للجدل، خاصة لأن بعض الحفريات المبكرة يمكن أن تظهر كأشكال صخرية طبيعية. وقد تم العثور على بعض أقدم أشكال الحياة في أستراليا الغربية، وكما تم الإعلان عنه في دراسة عام 2018؛ وجد الباحثون شعيرات صغيرة في صخور عمرها 3.4 مليار سنة يمكن أن تكون أحافير. بينما تُشير دراسات أخرى إلى أن الحياة نشأت قبل ذلك. يمكن أن تكون أنابيب الهيماتيت في الصخور البركانية في مقاطعة كيبيك بكندا قد اشتملت على ميكروبات تراوحت بين 3.77 و4.29 مليار سنة. وتوصّل باحثون إلى أنّ الصخور في جنوب غرب جرينلاند تحوي هياكل تُشبه المخروط يمكن أن تكون قد أحاطت بمستعمرات جرثومية قبل 3.7 مليار سنة.

(عينة بحجم قبضة اليد من صخور Acasta Gneisses الموجودة في شمال غرب كندا والتي هي أقدم الصخور المعروفة على الأرض)
موعد مع الجيران
وفي محاولة لتدقيق النظر في عمر الأرض، بدأ العلماء ينظرون إلى الخارج آملين العثور على دليل. كانت المادة التي شكلت النظام الشمسي عبارة عن سحابة من الغبار والغاز التي حاصرت الشمس الشابة (في بدايات تكوين الشمس). لقد ساعدت التفاعلات الجذبوية في تكتل هذه المادة مكونة الكواكب والأقمار في الوقت نفسه تقريبًا. ومن خلال دراسة الأجسام الأخرى في النظام الشمسي، يستطيع العلماء معرفة المزيد عن التاريخ المبكر للكوكب.
لا يتعرض أقرب جسم إلى الأرض -القمر- إلى عمليات إعادة الصقل أو التشكيل التي تحدث في تضاريس الأرض. على هذا النحو، لا تزال الصخور من التاريخ القمري المبكر تقبع على سطح القمر. وأظهرت العينات التي تم الحصول عليها من بعثتي أبولو ولونا أعمارًا تتراوح ما بين 4.4 مليار و4.5 مليار سنة، مما ساعد على تقييد المدى الواقع فيه عمر الأرض. كيف تشكل القمر هو موضع جدال؛ في حين أنّ النظرية السائدة تُشير إلى اصطدام جسم في حجم المريخ بالأرض وتكتّلت الشظايا المُتبقية في نهاية المطاف مكونةً القمر، بينما تُشير نظريات أخرى إلى أن القمر تشكّل قبل الأرض.
بالإضافة إلى الأجسام الكبيرة في النظام الشمسي، درس العلماء زائري الأرض من الصخور الصغرى التي سقطت على الأرض. ومن المعروف أنّ النيازك تأتي من مصادر مُتنوعة؛ بعضها يُلقى من كواكب أخرى بعد تصادمات عنيفة، في حين أن البعض الآخر عبارة عن قطع متبقية من النظام الشمسي المُبكر لم تكن كبيرة بما يكفي لتشكيل جسم متماسك.
على الرغم من عدم الحصول على عينات من صخور المريخ من البعثات السابقة، إلا أن العينات كانت موجودة على شكل نيازك سقطت على الأرض منذ فترة طويلة، مما سمح للعلماء بعمل تقديرات تقريبية عن عمر الصخور على الكوكب الأحمر. يرجع تاريخ بعض هذه العينات إلى 4.5 مليار سنة، داعمةً بذلك حسابات أخرى لتاريخ تشكيل الكواكب المبكر.

(كريستال الزركون الذي يبلغ عمره 4.4 مليار سنة من أستراليا هو أقدم قطعة من الأرض تم العثور عليها حتى الآن. الصخور المصدر لشظايا صغيرة لم يتم التعرف عليها حتى الآن )
وأكثر من 70 نيزكًا سقطت على الأرض كان قد تم حساب أعمارها بواسطة التأريخ الإشعاعي. الأقدم من بين كل تلك المذنبات تتراوح أعمارها ما بين 4.4 مليار و4.5 مليار سنة.
وقبل خمسين ألف سنة، سقطت صخرة من الفضاء لتشكيل فوهة ميتيور ( Meteor Crater) في ولاية أريزونا. وقد جُمعت شظايا هذا الكويكب من على حافة الفوهة وسُميت باسم أخدود ديابلو القريب من موقعها. وتكمن أهمية نيزك أخدود ديابلو في أنه يقدم طبقة من النيازك مع مكونات تسمح بتأريخ أكثر دقة.
وفي عام 1953، قام كلاير كاميرون باترسون (Clair Cameron Patterson) وهو عالم جيوكيميائي مشهور في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بقياس نسب نظائر الرصاص في عينات من النيازك التي وضعت قيودًا صارمة على عمر الأرض. تُظهر عينات من النيزك مدى من 4.53 إلى 4.58 مليار سنة. يُفسر العلماء هذا النطاق بأنه الوقت الذي استغرقه النظام الشمسي ليتطور، وقد حدث هذا بشكل تدريجي على مدى حوالي 50 مليون سنة.
ومن خلال استخدام ليس فقط الصخور على الأرض ولكن أيضًا المعلومات التي تم جمعها عن النظام المحيط بها، تمكّن العلماء من وضع عمر الأرض والذي يبلغ حوالي 4.54 مليار سنة. وعلى سبيل المقارنة، تبلغ مجرة درب التبانة -التي تحتوي على النظام الشمسي- من العمر ما يقرب من 13.2 مليار سنة، بينما يعود تاريخ الكون نفسه إلى 13.8 مليار سنة.
ترجمة: أحمد رجب رفعت
المصدر: https://goo.gl/urv4sx
لا تعليق