وفقًا لدراسة حديثة أجريت: أوضحت أن الاختلاف في المنشأ الجغرافي للجينات (انتقال الجينات من أبوين مختلفي الجنسية للأبناء) قد يؤثر على وظيفة في الميتوكوندريا، وهي العضى المولّد للطاقة داخل الخلايا. فالميتوكوندريا لديها الجينوم الخاص بها، وهو منفصل عن الجينوم النووي الموجود في نواة الخلية، وكلاهما يحدث بينهما تكامل لتوليد الطاقة بواسطة الميتوكوندريا، وهذه الدراسة تستكشف إذا ما كانت التفاعلات (الميتو-نووية) -والتي تم ضبطها عن طريق الانتقاء الطبيعي على مدى الزمن التطوري العميق- (حيث يتم اختيار الجينوم الذي ينتقل من جيل لآخر عبر الأسلاف حتى الوصول إليك!) فمن الممكن حدوث تغييرات في هذه التفاعلات عندما يتم جمع جينات من أصول مختلفة داخل الجينوم.
وقد ظهرت هذه الدراسة في الرابع عشر من يناير عام 2019 في مجلة: nature ecology and evolution، وكان نتاج هذه الدراسة أن الاختلاف في الأصل الجغرافي للجينات قد يؤثر على الصحة العامة والإجراءات الطبية في عمليات الزرع، واستبدال وزرع الميتوكوندريا في خلية الإنسان.
وقد أوضحت ذلك كاترينا ماكوفا (أستاذ البيولوجي بجامعة ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، و إحدى مؤلفي الورقة البحثية) “إن الجينوم الذي تطور من مناطق جغرافية مختلفة، ولم يندمج داخل شريط الحمض النووي يمكن أن يصبح مختلفًا عن بعضه البعض” (أي وجود العديد من الأحماض النووية DNA يحمل كلٌّ منها تتابع من الجينومات المختلفة بسبب اختلاف المنشأ)، وقد أضافت أيضًا ” في هذه الأيام، هناك الكثير من الدمج intermixing للجينوم في أجزاء من الحمض النووي لدى كل شخص تقريبًا في جميع أنحاء العالم وفي المناطق الجغرافية المختلفة، والذي يمكن أن يؤدي لاختلاف النسب داخل الجينوم، فعلى سبيل المثال: يحمل الكثير منّا أجزاءً من الحمض النوويpieces and bites of DNA من أسلافنا، بجانب الحمض النووي للإنسان الحديث، وهذا التنوع لديه الكثير من المزايا؛ حيث يؤدي إلى زيادة التنوع في الجينات المناعية، والتي يمكن أن توفر الحماية المعزّزة للعديد من الأمراض” (حيث إن خلايانا المناعية لديها ذاكرة عند حدوث المرض لتذكّره، ولتعطي استجابة أسرع عند الإصابة به مرة ثانية، فضلًا عن انتقال بعض الخلايا المناعية من لبن الأم إلى الأبناء أثناء الرضاعة).
وعلى الرغم من ذلك، فإن تنوع الجينوم بسبب تباين المنشأ الجغرافي قد يؤدي إلى مشاكل في الاتصال بين الجينات، ويُقصد بذلك مشاكل بين جينات الميتوكوندريا والجينات النووية (داخل النواة) والمرتبطة بالميتوكوندريا، والتي تعمل معًا لتنظيم وظائف الميتوكوندريا، وبفهم هذه العملية وتتبعها يمكن أن يكون له تأثيرٌ على صحة الإنسان.
فقد ركز الباحثون تحديدًا على الجينات التي تستخدمها الميتوكوندريا؛ فلكي تقوم بوظائفها تعتمد على الجينات المشفّرة في الحمض النووي للميتوكوندريا نفسها، وعلى الجينات المشفّرة في الحمض النووي داخل نواة الخلية، فالحمض النووي في الميتوكوندريا والحمض النووي للنواة كلاهما موروثان ولكن بطرق مختلفة، حيث الحمض النووي للنواة يتم نقله للأبناء بشكلٍ متساوٍ تقريبًا من الأم والأب، ولكن الحمض النووي للميتوكوندريا ينتقل فقط من الأم، حيث يوجد فرص تنوع بشكل أكبر في الجينوم الخاص بالنواة عن الجينات الخاصة بالحمض النووي للميتوكوندريا نفسها.
وقد قام الباحثون أولًا بالتحقيق فيما إذا كان التباين (درجة الاختلاف في المنشأ الجغرافي بين جزيئات الميتوكوندريا والجينومات النووية) يمكن أن يؤثر على سمة معينة، فقد وجد الباحثون أن الكميات المتزايدة من الاختلاف في الجينوم كانت مرتبطة بتناقص أعداد النسخ من الحمض النووي للميتوكوندريا في الخلية، والذي قد يعني انخفاض كفاءة تضاعف الحمض النووي للميتوكوندريا.
وقد أضاف أرسلان زيدي -باحث ما بعد الدكتوراه في علم الأحياء في جامعة ولاية بنسلفانيا، والمؤلف الأول للورقة للبحثية- “لقد لاحظنا هذا النمط عبر ست مجموعات من الأمريكيين من ذوي الأصول المختلفة (لم تكن المجموعات خاصة بأصل محدد، فقط كان التركيز على اختلاف الأصل النووي عن أصل الميتوكوندريا) وعلى الرغم من وجود هذه الاختلافات في الأصول الجغرافية في جميع البشر، فإننا نظرنا تحديدًا إلى المجموعات السكّانية المختلطة؛ لأن تأثير هذه الاختلافات يجب أن يكون أسهل في الاكتشاف في هذه المجموعات”
فقد وجد الفريق البحثي أيضًا أنه -مع مرور الزمن- قد قلص الانتقاء الطبيعي التباين الإجمالي في الأصل الجغرافي بين الجينات النووية والمرتبطة بالميتوكوندريا، وبين جينوم الميتوكوندريا، وقد وجدوا أدلة على ذلك في اثنتين من المجموعات الست التي تم تحليلها، وكانت لدى البورتوريكيون -بورتوريكو: دولة في أمريكا اللاتينية، حيث يتمتعون بنسب عالية من الحمض النووي للميتوكوندريا من أصل أمريكي- جينات نووية من أصل أمريكي أصلي أيضًا، وبنسبة أكثر مما كان متوقعًا مقارنة بالجينات من بقية الجينوم النووي المشفّر للقيام بالوظائف الأخرى (أي الجينوم في الميتوكوندريا، والجينوم داخل النواة من أصل أمريكي أصلي، وبنسب أعلى من بقية الجينوم الأخرى في الخلية!)
وبالمثل أيضًا، فإن الأمريكيين من أصل إفريقي لديهم جينات نووية ذات صلة بالميتوكوندريا من أصل إفريقي أكثر من بقية الجينوم، وعلى غرار ما كان متوقعًا!
وقد عبّرت ماكوفا عن ذلك “ففي هذه المجموعات نفترض بأنه يحدث انتقاء طبيعي يوجّه مسار الجينات المرتبطة بالميتوكوندريا، حيث تفضّل المتغيرات الجينية التي تتشابه أكثر في الأصل الجغرافي للحمض النووي للميتوكوندريا” و قد أضافت أيضًا “إن هناك احتمالًا لضغط الانتخاب أو الانتقاء على بقية الجينوم النووي في هذه المجموعات، ولكن لا يوجد انتقاء منهجي تجاه نوع واحد من السلالات في كل هذه الجينات (أي لا يمكن تتبع تفضيل أن يكون الجينوم ذات أصل إفريقي على أن يكون ذات أصل أمريكي) ففي ثلاث من المجموعات، قد قمنا بفحصها، قد لاحظنا اتجاه معين، ولكن في مجموعة أخرى قد وجدنا اتجاهًا معاكسًا للانتقاء، فليس لدينا تفسير جيد لهذا حتى الآن، وهذا يوضّح حقيقة تعقيد هذه الأنواع من التفاعلات”
فعلى ضوء نتائج هذه الدراسة (التفاعل بين الحمض النووي للميتوكوندريا والحمض النووي للنواة) فهي تحتاج إلى مزيد من الأبحاث والتفاصيل، ومع هذا فهناك توصية من الباحثين لمن أراد استكمال البحث أن يأخذ الحيطة من تأثير اختلاف خطوط الخلايا cell lines المشتقة من أنسجة الإنسان أثناء التجارب المعملية؛ حيث إنه غير معلوم مدى تأثير هذه الاختلافات على النسيج البشري نفسه وإحداث التغييرات فيه؛ ولذلك يخطّط العلماء للتحقيق في هذه المسألة مستقبلًا، واستكشاف تأثير الاختلاف في جوانب أخرى من وظيفة الميتوكوندريا، وعلى السمات المعقدة الأخرى مثل معدل أمراض القلب.
وقد أنهت ماكوفا بـ “ولكي يكون واضحًا في أذهاننا، إن دراستنا على الجين النووي وجين الميتوكوندريا لا تقدّم ميزة أو عيب في وظيفة الميتوكوندريا، وإنما تخبرنا بأنه يجب علينا المزيد من التحقق في اختلاف المنشأ الجغرافي بين هاتين المجموعتين من الجينات؛ حيث إنها توفر معلومات مهمّة في الإجراءات الطبيّة خصوصًا في تقنية العلاج باستبدال الميتوكوندريا لدى المرضى الذين يعانون من الميتوكوندريا التالفة ويتلقون ميتوكوندريا من متبرع، حيث إنه من الممكن أن يؤدي تطابق أصول ميتوكوندريا المتبرع مع أصول ميتوكوندريا المريض في الأعضاء إلى تحسين فعالية هذه الإجراءات، ولكننا ما نزال بحاجة إلى عملٍ مستقبليّ للتأكد من ذلك على وجه يقينيّ”
المصدر:
Differences in geographic origin of genes may affect mitochondrial function
لا تعليق