للأستاذ عبد الفتاح الزيادي
مراقب عام منطقة دمنهور التعليمية سابقًا
سجلت محطات الأرصاد الجوية أخيرًا انفجارات عنيفة في الشمس، وقال العلماء الذين شاهدوا هذه الانفجارات، والتقطوا صورًا لها، أن قوتها تعادل قوة مليون قنبلة ذرية!
وقد استمرت هذه الانفجارات أربعين دقيقة، وأحدثت اضطرابًا في جميع المواصلات اللاسلكية كما تسببت في هبوب زوابع وعواصف كان لها أثر مدمر في بعض جهات العالم.
وتناقلت صحف العالم هذا الخبر، فعجب الناس لهذه الظاهرة، وذهبوا في تعليلها مذاهب شتى وأوجست طائفة من الناس خيفة من هذه الظاهرة زاعمين أنها نذير بحدوث تغيرات أخرى لا يؤمن جانبها، بما قد تحمله في طياتها من ويلات وشرور تهدد الحياة.
ولكنهم في الحقيقة كانوا غافلين عن ظاهرة سماوية متواترة الحدوث، ألا وهي ازدياد عدد الكلف على وجه الشمس.
فما هو هذا الكلف؟ وما شأنه؟
يخيل إليك -أيها القارئ الكريم- أن وجه الشمس مصقول إذا نظرت غليه من خلال زجاجة معتمة، والواقع غير ذلك. فإنك إن نظرت إلى وجه الشمس من خلال منظار مقرب، تبينت فيه بقعًا كأنها الحبر المنثور، تبدو على صفحة الشمس كالنقط المظلمة تجاورها نقط لامعة، وتعرف هذه النقط المظلمة بكلف الشمس، تشبيهًا لها بالنقط السوداء التي تصيب بشرة الوجه!
وقد استرعى هذا الكلف اهتمام رجال الفلك، ومراصد العالم، التي صوبت مناظيرها، وأجهزتها العديدة إلى سطح الشمس، فأحصت على الكلف حركاته وتغيراته، ورصدت أبعاده وأحجامه، وخرجت من ذلك بالمذهل من الحقائق..
وما قولك في بقعة واحدة من هذه البقع، تظهر أحيانًا على وجه الشمس، فيكون قطرها كقطر أرضنا التي نعيش عليها، أربعين مرة؟ أي أنه لو وضعت أربعون أرضًا كأرضنا، على سطح هذه البقعة، ما مست جوانبها! وبقعة أخرى غائرة تستطيع أن تبتلع أرضنا كلها إذا سقطت فيها، كما تسقط الكرة في جيب من جيوب مائدة (البلياردو)! وقد تتقارب هذه البقع حتى يراها الراصد مزدوجة كأنها توائم.
ولا تظنن أن هذا الكلف ساكن لا حراك فيه، بل هو في حركة محورية لا تنقطع كأنها دوامات أو نافورات لولبية… وفي حركة أخرى تقدمية، يغير بها مواقعه على وجه الشمس، متنقلًا من جانبها الشرقي إلى جانبها الغربي.
والكلفة الواحدة تسبح من جانب لآخر، في نحو أربعة عشر يومًا من أيامنا، ثم تغيب، وتعود للظهور بعد نحو أربعة عشر يومًا أخرى، وقد تسبح تارة في خطوط مستقيمة، وتارة أخرى في خطوط منحنية.
ولو أتيحت لك فرصة رصد هذا الكلف من مرصد (جرينتش) بإنجلترا، أو (فرساي) بفرنسا أو (مونت ولز) بأمريكا؛ أحصيت على وجه الشمس نحو مائتي بقعة محتشدة جميعها بين خطي عرض 7، 35 تقريبًا… هذا في السنوات العادية، ولكن هناك سنوات يتزايد فيها عدد البقع زيادة محسوسة كما حدث هذا العام.
وبالملاحظة الدقيقة، وجد أن هذه البقع، تتبع في زيادة عددها ونقصه، دورة زمنية تكاد تكون ثابتة، قدرها إحدى عشرة سنة وثمن السنة. والفضل في معرفة هذه الدورة يعود للفلكي الألماني (شـﭭـاب) من بلدة (دساو) بمقاطعة (انهالت)، وقد منح هذا العالم من أجل ذلك الميدالية الذهبية للجمعية الفلكية بإنجلترا.
ويقول بعض الفلكيين أن الكلف ما هو إلا كهوف تشبه فوهات البراكين الثائرة، وتقذف مثلها بالنار والحمم، فهي بمثابة صمامات الأمن، تنفس بها الشمس عن نفسها، كلما اشتد ضغط الغازات في باطنها، فتثير زوابع عنيفة على قرصها اللامع، وتصحبها غيوم الدخان، وسحب من (اكسهيدرات) الحديد المتبخر، تفوق حرارته حرارة الشمس نفسها! وكثيرًا ما يبزغ من بين هذه السحب نور ساطع..
وهناك آراء أخرى -ليس فيها ما يسلم من الاعتراض- وأرجحها ما قال به العلامة الإنجليزي (لكير) ويتلخص في (أن قرص الشمس يتوارد إليه باستمرار هواء صادر من مناطق الشمس الباردة نوعًا، فينتشر هذا الهواء على وجه الشمس، ويظهر مظلمًا نسبيًا بجانب قرص الشمس الباهر النور، بعد أن يمتص شيئًا من نورها… وهبوط الهواء على قرص الشمس من شأنه أن يحدث فيه فجوة لشدة ضغطه، فيتكون جسم الكلفة الغائر… وهذا الانخفاض من شأنه أيضًا أن يحدث ارتفاعًا في الأجزاء المجاورة، ولذا ترى الكلفة، بقعة حولها منطقة مضيئة، هي تلك الأجواء التي برزت من الشمس نتيجة الضغط).
ولكن ما علاقة اضطراب المواصلات البرقية بتزايد الكلف على وجه الشمس؟
لعلك تعرف أن المواد التي تقذفها الشمس من باطنها، وتحوى ملايين من الذرات الكهربية (الكترونات) تتدفق في الأثير محدثة مجالًا كهربيا بالغ القوة، العظم به مغناطيسية، لما بين الأرض والشمس من تجاذب، وعندئذ تحدث ظاهرة العواصف الكهربية، التي يستدل عليها باضطراب إبرة البوصلة فتضطرب أمواج الأثير، وتتعطل الإذاعات العالمية، والمواصلات البرقية، وهو ما حدثناك عنه في بدء هذا المقال.
وينسب إلى هذه الظاهرة انهمار مطر غزير في بعض بقاع العالم لم يكن في الحسبان، وذلك لتكثف بخار الماء على تلك (الالكترونات) واتخاذها نواة له.
ومتى بلغت هذه الالكترونات المتدفقة أعالي جو الأرض في مدى يومين، نتج عنها في الجهات الشمالية في أوروبا وأمريكا، ضوء ينعكس على المنبسطات الجليدية ويكون أشبه بقوس من نور ارتسم في السماء على مقربة من الأفق المظلم، فاكتسب نورًا لطيفًا شبيها بنور القمر، وقد بلغ التمام. وتعرف هذه الظاهرة (بالشفق القطبي)، ولها أثر في حياة السكان هناك (وسوف نحدثك عن هذه الظاهرة في مقال تال).
أدركت -أيها القارئ- صلة الكلف الوثيقة بالأعاصير والأمطار واضطرابات الأثير، ولك أن تعرف بعد ذلك، التأثير النفسي للكلف… فقد زعم أحد العلماء الطبيعيين أن للاضطرابات المغنطيسية التي تحدثها كثرة الكلف على وجه الشمس بين حين وآخر، تأثيرات قوية في أحاسيس بعض الناس؛ زعم أنها تؤدي بهم إلى توترات عصبية ونفسية مؤقتة تزول بزوالها، كما زعم أنها تسلبهم الإرادة، فيصبح من السهل استهواؤهم وانقيادهم فتذوب شخصياتهم، وتفنى في شخصيات غيرهم من أصحاب الإرادة القوية. وهو زعم نترك التحقق منه لعلماء النفس على ضوء ما جاء أخيرًا في مقال نشرته مجلة (ويزدم) الإنجليزية، وجاء فيه (أن تأثير العوامل الكونية، والظواهر الفلكية على الإنسان، حقيقة لا غبار عليها. فحياة الإنسان على الأرض من ظواهر النظام الشمسي، لأن الإنسان جزء من هذا النظام، فليس من المستغرب، أن ترتبط أسرار النظام الشمسي، بأسرار الإنسان في حياته الظاهرة والباطنة. فجملة المؤثرات في هذا النظام، هي جملة العوامل المؤثرة في الإنسان، ولما كانت طبائع كل فرد تختلف عن طبائع الآخر لهذا كانت الاستجابة لهذه المؤثرات مختلفة اختلافًا فرديًا أيضًا).
وكم في الكون من أسرار!
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق