كنت أقلق من أجل كل شيء، من أجل نحافتي… ومن أجل تساقط شعر رأسي.. ومن أجل خشيتي ألا أستطيع الزواج من الفتاة التي أشتهيها!
وكنت أقلق من أجل الأثر الذي أتركه في الناس، ومن أجل توهمي أنني مصاب بقرحة المعدة ولم أستطع مع هذا القلق، أن أواصل عملي فتركته. وازداد بي التوتر حتى غدوت كمرجل يغلي وليس له صمام أمان… لما آن للمرجل أن ينفجر فانفجر وأصبت بانهيار عصبي! وأسأل الله تعالى أن يقيك شر الانهيار العصبي، فما من ألم يداني في قسوته ومرارته الألم العاصف الناشئ عن توتر الأعصاب!
ولم تعد لي سيطرة على أفكاري وتملكني خوف قاتل حتى كنت أهب مفزوعًا لأقل صوت أسمعه، وأصبحت أنفجر باكيًا بين الفينة والفينة بغير سبب على الإطلاق.
وأحسست أن البشر جميعًا بل العناية الإلهية أيضًا، قد تخلت عني، حتى لقد خطر لي أن أقفز إلى النهر، فأضع حدًّا لهذا العذاب.
غير أنني قررت عوضًا عن الانتحار، أن أرحل إلى مكان بعيد مؤملًا أن أجد العون في الابتعاد وتغير الجو والمشاهد… وأوصلني أبي إلى المحطة، وسلمني وأنا أرتقي القطار مظروفًا، وأوصاني ألا أفتحه حتى يستقر بي المقام في البلد الجديد.
وما أن احتوتني غرفة الفندق التي استأجرتها، حتى بادرت ففتحت الظروف الذي أعطاه لي والدي، وقرأت فيه هذه الكلمات:
(ولدي، أنت الآن على بعد عشرات الأميال من بيتك، ومع ذلك لست تحس فارقًا بين الحالين هنا وهناك، أليس كذلك؟ أنا أعلم أن الأمر كذلك، لأنك أخذت معك عبر هذه المسافة الشاسعة، الشيء الوحيد الذي هو مرد كل ما تعانيه.. ذلك هو نفسك!)
(ولدي، لا آفة البتة بجسمك أو عقلك، ولا شيء من التجارب التي واجهتها قد تردى بك إلى هذه الهوة السحيقة من الشقاء، وإنما الذي تردى بك هو (الاتجاه الذهني) الذي واجهت به هذه التجارب. فكما يفكر المرء يكون فمتى أدركت ذلك يا بني فعد إلى أملك فإنك يومئذ قد شفيت).
ونحيت الخطاب عني، وانخرطت للمرة الأولى في تفكير عميق.. وهالني إذ ذاك أن أرى نفسي على حقيقتها!.. لقد رأيتني أريد أن أغير الدنيا وما عليها، في حين أن الشيء الوحيد الذي كان في أشد الحاجة إلى التغيير هو اتجاهي الذهني!
وفي اليوم التالي، حزمت أمتعتي ويممت شطر بلدي.. ولم يمضِ أسبوع، حتى عدت إلى عملي، ثم لم تمضِ أربعة أشهر، حتى تزوجت الفتاة التي خشيت أن أفقدها.. وأنا الآن رب أسرة سعيدة مؤلفة من زوجين وخمسة أبناء..
لقد قدر لهذه الكلمات القليلة التي ضمنها أبي خطابه أن تخرجني من محنة بدنية ونفسية مروعة.
وإذا حاول الآن شيء من القلق أن يتسرب إلى نفسي-كما أخاله يفعل مع كل نفس- فإني أقول لنفسي على الفور: (اضبط اتجاهك الذهني، وسوف يسير كل شيء على ما يرام).
لا تعليق