السيرة النبوية من أشرف العلوم وأعزها وأسناها هدفًا ومطلبًا، بها يعرف الرجل المسلم أحوال دينه ونبيه، وما شرَّفه الله تعالى به من أرومة الأصل وكرم المحتد، ثم ما أكرمه به من اختياره للوحي والرسالة، وحمل عبء الدعوة إليه وإلى دينه، ثم ما قام به من بذل الجهود المتواصلة، وما عاناه من البلاء والمحن في هذا السبيل، وما حظي به – بجانب ذلك – من نصرة الله وتأييده بجنود غيبه المكنون، وملائكته البررة الكرام، وبتوجيه الأسباب، وإنزال البركات، وخوارق العادات، وغير ذلك.
وقد كثر الاهتمام بهذا الموضوع في قديم الزمان وحديثه، دراسةً وكتابةً وتأليفًا، لأنه عمل ينبثق من صميم الإيمان، وغريزة الحب والتفاني؛ إلا أنَّ عامة القائمين بذلك لم يوفوا حقه من التحقيق، بل أدخلوا فيه ما وافق أفكارهم وميولهم وعواطفهم، ولو لم يكن له حظ من الصحة والثبوت، بل جاؤوا ببعض ما هو مصطدم بأصول الدين، وخارج عن حيِّز نطاق المعقول.
ونظرًا إلى ذلك اقترح عليّ بعض الإخوان بتأليف كتاب جديد، في حجم متوسط، أجمع فيه ما هو ثابت ومُعتَرف به عند أئمة هذا الفن، مع مراعاة مستوى الناشئين وعامة الدارسين، متجنبًّا الإجحاف والانحراف.
فطلبت من الله التوفيق والسداد، وبدأتُ بالعمل المطلوب، مستمدًّا في ذلك من القرآن الكريم وتفاسيره المعتمدة، ثم من كتب السنة والسيرة، ومستفيدًا مما يوجد فيها من القرائن والشهادات الداخلية، وما يُحيط بها من الشهادات الخارجية؛ وآثرتُ أن تكون العبارة مأخوذة من الروايات وكلام الأوائل – بقدر الإمكان – مع الاختصار والاختيار. وأرجو أني قد أديتُ إلى حدٍّ قريب، وأدعو الله سبحانه أن ينفع به المسلمين، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم. وصلى الله على خير خلقه محمدٍ وبارك وسلَّم.
صفيّ الرحمن المباركفوري
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.