الخبر السيئ هو أنك وبينما تقرأ هذه الكلمات فعلى الأغلب يوجد مدمن واحد أو أكثر في بيتك، وقد تكون أنت هو!

والخبر الجيد، هو أنني أيضًا كذلك فلا داعي للخجل.

على سرير التحليل النفسي، استكشف صاحبنا مناطق من ذاته لم يكن قد ولج إليها من قبل، ثم انتهى وعليه علامات التوجس والارتياب، فبادره معالجه النفسي: لا بأس، على الأقل أنت الآن تعرف وهذه بداية الحل.

بينما يلملم نفسه، جلس صاحبنا على كرسي الزمالة، يعرّف نفسه: مرحبًا، أنا فلان، وأنا مدمن. وقد كانت هذه بداية الطريق لكسر دائرة الإدمان، وفتح الطريق لحياة حرة مرحة.

من هو المدمن إذا؟

المدمن هو شخص منخرط في سلوك قهري وفاقد للسيطرة على التوقف عنه، بالرغم من محاولته ذلك وبالرغم من علمه بعواقب سلوكه السيئة. وفقدانه السيطرة هو شرط رئيس للتعريف بالرغم من كونه هو آخر ما يود المدمن أن يعترف به.

وقد وضع خانزيان تعريفًا إنسانيًّا جديدًا للمدمن([1]) وهو أنه إنسان يعاني، استعمل مادّة [أو سلوكًا] مغيّبة للعقل كوسيلة لمداواة النفس، بل يرى أن المعاناة التي لاقاها المدمن تزيد عن أغلب ما واجهه الآخرون، إما لطبيعة شخصيته الحساسة أو لصعوبة ما واجهه بالفعل. المدمن يجمع إلى المعاناة حب الحياة، فهو بين ثلاثة اختيارات [اضرب أو اهرب أو اختزن] والاختزان أشدهم بؤسًا وهو مكمن أكثر اضطرابات النفس، فهو لا يرغب في الاستسلام والتراجع بل عازم على المقاومة، لكن ربما عند تعرضه لتلك الظروف في الطفولة تصبح سبل المقاومة بدائية وهشّة تنتهي بدائرة إدمان.

ما الذي يعرضه علينا الإدمان لنختاره؟

  • السيطرة:

في الحقيقة نحن لا يمكننا ضبط الظروف، ولا نظم إيقاع الحياة؛ ولذا فكل محاولة سيطرة تنتهي بصورة أو بأخرى بتجربة إدمانية. وفي حين أن هناك إدمانات موصومة، فهناك إدمانات مقبولة، وأخرى محفوفة بالتقدير والإجلال. وهنا علينا أن نتفهّم الطبيعة الإدمانية لبعض السلوكيات.

  •  الهروب:

لا أحد يرغب في مرافقة الألم والمعاناة، لكننا نختلف في طرق تعاملنا معه، هنا يلجأ صاحبنا إلى محاولة الهروب من المعاناة، قد تعني المعاناة هنا الوحدة، أو إساءة غير قادر على دفعها، أو ظروف معيشية ضاغطة وهكذا.

  •  مداواة الذات:

وهذه أبرز مميزات نظرية خانزيان، وهي أن الادمان نوع من مداواة الذات، ومحاولة من محاولات التعويض، يقول أحدهم: لقد كنت أشعر بالنقص وبالدونية وعدم الكفاءة، كنت أعاني من الرهاب الاجتماعي وعدم القدرة على القيادة، كل ذلك تلاشى في السنوات الأولى للإدمان، فبعد أن أتناول المخدر يرتفع تقديري للذات وقدرتي على المواجهة والمقاومة.

المراهق الذي يدمن المقاطع الاباحية قد يجد فيها مداواة لمشاعر النقص وعدم الكفاءة التي تنتاب المراهقين عادة وتتفاقم مع سبل التربية غير الصحية، فهو مع تلك المقاطع يختار ما يشاء وقتما يشاء وتعطيه نوعا من التحكم والإدارة. قل مثل هذا مع إدمان الاستمناء فإننا نلجأ إلى الاستمتاع الذاتي حين نفقد الاستمتاع والإشباع من الآخرين، ومما لا يخفى على المتعاملين مع القضية أن الانسحاب الاجتماعي يصحب الإدمان سببًا ونتيجة!

والشاب الذي يدمن على السيجارة أو الطعام، يجد فيها الصاحب الذي لا يمتنع عنه، والرفيق الذي لا يمل منه، والأنيس الذي يشغل عليه وحدته ويخرجه منها، يغبش على وحدته بين سحابة الدخان، أو يدفنها بين أكياس الطعام.

لا تنتهي السلسلة هنا، بل هناك العديد من السلوكيات التي يصدق عليه تعريف الإدمان كإدمان الشراء، وإدمان القمار، وإدمان الألعاب الإلكترونية. وهناك نوعان من الإدمان، وهما الإدمان النفسي [أو الارتباط الشرطي] والإدمان الكيميائي وهو الذي تتأثر فيه كيمياء الدماغ بالمادة المخدرة، وفي المقالة التالية نتناول كلا النوعين، ومحفزات الإدمان وأشياء أخرى.

– نُشر أولًا  بموقع صحتك.


([1]) خانزيان إدوارد، أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد، ومؤسس نظرية مداواة النفس لتفسير الإدمان. في كتابه معالجة الإدمان كعملية إنسانية (treating addiction as a human process).

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *