للدكتور محمد عثمان نجاتي
أستاذ علم النفس المساعد بجامعة القاهرة
يتعرض كل إنسان في حياته اليومية لكثير من المواقف التي تثير فيه شتى الانفعالات. فهو تارة يشعر بالفرح، وتارة أخرى يشعر بالحزن، وهو يشعر حينًا بالخوف، ويشعر حينًا آخر بالغضب، وقد يكون في بعض الأحيان منشرح الصدر سعيدًا، وقد يكون في أحيان أخرى منقبضًا كئيبًا. وقد يشعر أحيانًا بالحب الذي يملأ نفسه نشوة وسعادة، وقد يكون متأثرًا في أحيان أخرى بدوافع الكره والبغض والغيرة التي تسبب له كثيرًا من الشقاء والآلام وتجعل حياته عبئًا لا يطاق.
الانفعالات تضفي متعة على الحياة:
ولهذه الانفعالات في تعددها واختلافها وتباينها فائدة مهمة للإنسان. فهي من جهة تضفي على حياة الإنسان شيئًا من المتعة والقيمة.. فلولا ما يشعر به الإنسان من انفعالات متباينة لكانت حياته مملة لا تختلف كثيرًا عن حياة الجماد الذي لا يحس ولا ينفعل، وهي من جهة أخرى تمد الإنسان بكثير من الطاقة الزائدة تساعده على حل ما يصادفه من مشكلات، والتغلب على ما يعترضه من عقبات أو أخطار، ففي حالة الخوف مثلًا يشعر الإنسان بطاقة زائدة تمكنه من القيام بكثير من الأعمال غير العادية التي لا يستطيع القيام بها في الأوقات العادية.. فهو يستطيع مثلًا أثناء الخوف أن يجري مسافات شاسعة وبسرعة فائقة، ويستطيع أن يقفز على ارتفاعات كبيرة، ويستطيع أن يقوم بمجهود كبير دون أن يشعر بتعب.
كثير من انفعالاتنا قد تعلمنا من حياتنا السابقة.. ومن
الممكن بشيء من التدرب والمران، وبشيء من الصبر والأناة،
أن يتعلم الإنسان كيف يتحكم في انفعالاته ويسيطر عليها
- ضرر الانفعالات على الصحة
غير أن للانفعالات أيضًا في كثير من الأحيان الأخرى أضرارًا كثيرة. فمن المعروف طبيًا أن الإسراف في الانفعال مضر بالصحة ضررًا بليغًا. فالانفعال مثلًا يعطل عملية الهضم أو يوقفه نهائيًا، وينتج عن ذلك عسر الهضم، ويؤدي الانفعال أيضًا إلى زيادة سرعة خفقان القلب وشدته، وينتج عن ذلك ازدياد في ضغط الدم. وقد يتأثر القلب من ذلك وخاصة إذا كان به ضعف أو مرض، وقد تحدث بسبب الانفعالات أيضًا القرحة المعدية وبعض الاضطرابات الجلدية.
وبالاختصار قد دلت الأبحاث في الطب السيكوسوماتي (النفسي الجسمي) على أن كثيرًا من اضطرابات الوظائف المعدية والمعوية، واضطرابات الأوعية الدموية والقلب، واضطرابات التنفس، والاضطرابات الجلدية والغددية قد تحدث نتيجة لاضطرابات الحياة الانفعالية.
- لا تمتثل لانفعالاتك
ولهذا السبب كان من الواجب على كل إنسان أن يتعلم كيف يتحكم في انفعالاته فلا يدع نفسه مهبًا لكثير من الانفعالات الشديدة التي تنتابه من وقت لآخر لأتفه الأسباب. فليس من الحكمة مثلًا أن يغضب الإنسان دائمًا لكل أمر لا يصادف هوى في نفسه. أو لكل عقبة تعترض سبيله.. وليس من الحكمة أيضًا أن يستسلم الإنسان لكثير من المخاوف التي لا مبرر لها، ولا أن ينقاد لانفعالاته المختلفة انقيادًا أعمى دون أن يحاول أن يحكم عقله فيها.
ولعله من المفيد أن نقول في هذا الصدد أن كثيرًا من انفعالاتنا أمر مكتسب قد تعلمناه من تجارب حياتنا السابقة، ومن الظروف والخبرات المختلفة التي مرت بنا من قبل وأنه من الممكن أيضًا، بشيء من التدرب والمران، وبشيء من الصبر والأناة، أن يتعلم الإنسان كيف يتحكم في انفعالاته ويسيطر عليها.
ومع أنه من الصعب أن نضع قواعد دقيقة ثابتة للتحكم في جميع الانفعالات المختلفة إلا أننا نستطيع باختصار أن نضع بعض الاقتراحات العامة التي تساعد على تعلم التحكم في الانفعالات على وجه عام.
قواعد للسيطرة على الانفعالات
• نفّس عن الطاقة الانفعالية في أعمال مفيدة
يولد الانفعال كما سبق أن ذكرنا طاقة زائدة في الجسم تساعد الإنسان على القيام ببعض الأعمال العنيفة.. ومن الممكن أن يدرب الإنسان نفسه حينما ينفعل على أن يقوم ببعض الأعمال المفيدة للتخلص من هذه الطاقة..
فتستطيع السيدات مثلًا أن يتغلبن على انفعالاتهن إذا قمن بغسل الثياب، أو حياكة بعض الملابس، أو ترتيب الأدوات المنزلية.. ويحسن أيضًا أن يخرج الإنسان للنزهة، أو يمارس بعض الألعاب الرياضية، فإذا فعل ذلك فإنه يعود عادة بعد فترة من الزمن وهو منشرح الصدر، مرتاح البال، هادئ النفس.
• حول انتباهك إلى أشياء أخرى
حينما يقوم الإنسان ببعض الأعمال المفيدة التي أشرنا إليها فإنه لا يتخلص من الطاقة الانفعالية فقط، وإنما هو يوجه انتباهه أيضًا إلى أشياء أخرى فيعينه ذلك على الهدوء والتخلص من الانفعال، لذلك يحسن عادة حينما يحدث شيء يكدر بال الإنسان أو يغضبه أو يخيفه أن يحاول توجيه انتباهه إلى أشياء أخرى ليشغل نفسه بها.
• حاول إثارة استجابات معارضة للانفعال
ينجح بعض الناس في التخلص من الخوف إذا لجأوا إلى الصفير أو الغناء، وذلك لأن هذه الأعمال تحدث في النفس حالة من الرضا والسرور وهي حالة معارضة لحالة الخوف، ولذلك لا يلبث الخوف أن يزول تدريجيًا.. عليك أن تتبع هذه الطريقة كلما انفعلت انفعالًا غير مقبول، فإذا شعرت نحو شخص ما بشيء من الكره دون مبرر، فيحسن بك أن تبحث في هذا الشخص عن سبب يمكن أن يثير إعجابك واستحسانك، وبذلك تستطيع أن تتغلب على كرهك له بدون مبرر.. وإذا كنت تشعر بالنقص مما يجعلك تنفعل أمام الغرباء فيمكنك أن تبحث في نفسك عن ميزاتك ومواهبك بحيث تستطيع أن تقدر نفسك على أساسها تقديرًا حسنًا، فإن ذلك سيساعدك على التخلص من شعورك بالنقص..
• ابعث حالة من الاسترخاء في بدنك
يُحدث الانفعال حالة عامة من التوتر في عضلات البدن، مما يساعد الإنسان على القيام ببعض الأعمال العنيفة.. ويحسن أن تجبر نفسك حين تنفعل على أن تبعث في بدنك حالة من الاسترخاء العام، لتعارض بذلك حالة التوتر الذي يثير الانفعال. وحينما تتغلب حالة الاسترخاء على بدنك تهدأ حالة الانفعال وتزول تدريجيًا.
• تعلم أن تنظر إلى العالم متذرعًا بروح المرح
إنك تستطيع أن تتغلب على كثير من الانفعالات الشديدة إذا حاولت أن تبحث في المواقف التي تثير انفعالك عن عناصر يمكن أن تثير ضحكك، أو سخريتك، أو سرورك، وجه انتباهك إلى هذه العناصر، وحاول أن تنظر إليها نظرة فكاهية، وبذلك تهون على نفسك المواقف الشديدة.. ولا شك أن الضحك أفضل من الغضب، وهو أنفع لصحتك النفسية والبدنية.
• تجنب البت في أمورك الهامة أثناء الانفعال
إن الانفعال يعطل التفكير ويشل قدرة الإنسان على رؤية الأشياء على وجهها الصحيح. ولذلك كان الإنسان معرضًا لإصدار الأحكام الخاطئة حينما يكون منفعلًا. فيحسن بك أن تتحاشى البت في أي أمر مهم أثناء الانفعال.. انتظر حتى تهدأ، ثم عاود التفكير في الأمر من جديد، فإنك لا شك ستتجنب بذلك كثيرًا من الأخطاء التي يمكن أن تلحق بك الأضرار.
• تجنب المواقف التي تثير انفعالك
إذا عجزت عن ضبط انفعالاتك في بعض المواقف فيحسن بك أن تحاول تجنب هذه المواقف.
- نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق