للدكتور أ. ب سبرلنج
مؤلف كتاب (علم النفس للملايين)
– ما الذي انتابني حتى فعلت هذا؟
ذلك هو السؤال الذي ألقته (إيرين) على نفسها وبين الدمع واليأس عندما عانقت زوجها وقبلته، وكان هذا الصلح بعد نوبة عاصفة من الخلاف الزوجي وسمع زوجها السؤال.
فقال:
– أنا أيضًا لا أدري ما المسألة ففي الصباح كان كل شيء على ما يرام، أما الليلة، فمن اللحظة التي ألقيت فيها معطفي على المقعد وكل حركة تصدر مني، أو من الطفلة، كانت تثير أعصابك…
– لا أنكر. فهكذا كانت الحال طوال النهار. فبعد انصرافك في الصباح شعرت بضيق، وكان المطر ينهمر، فكرهت اضطراري لملازمة البيت… وبدأت الطفلة تثيرني، فضربتها ضربًا موجعًا… وتأخر القصاب في إحضار راتب اللحم قليلًا، فثرت في وجهه… وغسلت شعري. ثم لم أستطع أن أصففه كما أهوى برغم محاولاتي المتكررة… ورقدت أنشد الإغفاء فلم أستطع النوم. ثم حضرت أنت، وأعتقد أني فرغت فيك حنقي… ولكن ماذا أستطيع أن أصنع؟
لعلي بحاجة لزيارة طبيب…
– ربما كان هذا الرأي صائبًا، ولكن فلنستشر أولاً شخصًا يعرفنا شخصيًا، ويمكن أن يسدي لنا النصح…
ووافقت إيرين على رأي زوجها وهكذا أطلعاني على مشكلتهما..
والحقيقة أن (إيرين) كانت سعيدة في زواجها، فهي تحب زوجها، وهو يحبها، وكلاهما يحبان طفلتهما كخير ما يحب الوالدان الشابان نسلهما، ومع هذا فقد خشيا أن ينتهي زواجهما الذي عمر ثلاثة أعوام إلى التحطم على صخرة ثورات شجارهما المتكررة!…
وحالة (إيرين) و(جورج) حالة شائعة جدًا بين الأزواج الشبان المتحابين، فهم كثيرًا ما يجدون الشجار يدب بينهم، برغم أنف الحب، في فترات متقاربة.
ولم تكن إيرين تدرك حقيقة تقلبها، فلم تكن لديها فكرة –لا هي ولا جورج- عن علاج نوبات الكآبة والضيق وتقلب المزاج… وكنت أعرفها خيرًا مما يعرفان نفسيهما. وبعد بضعة شهور من الملاحظة الدقيقة عرفت أن معظم المشكلة ناجم عن نوبات الكآبة التي تنتاب إيرين… وليس معنى هذا أن (جورج) كان خاليًا من تقلب المزاج، بل الحقيقة أنه كان قد تعلم كيف يسيطر على نوباته قدر استطاعته… فكلما أحس باقتراب النوبة دفن نفسه في الكتب أو في هواية التصوير التي يتعلق بها… ثم إنه محب لعمله فكان يستغل ذلك في الاعتكاف ساعات طويلة في مكتبه لأداء أعمال إضافية ريثما تزول النوبة..
أما إيرين فلم تكن تصنع شيئًا من هذا، بل كانت تسقط إحساسها المضطرب على جورج، وسائر أفراد الأسرة، فنوبات ضيقها دائمًا مثار إزعاج لهم…
واكتشفت أيضًا أن نوبات ضيقها وكآبتها كانت مرتبطة بالدورة الطمثية بعض الارتباط فهي تنتابها كل أربعة أو خمسة أسابيع… وتتخذ صورًا مختلفة بين الحين والحين. فأحيانًا تشعر أن قلبها ليس على ما يرام وأحيانًا أخرى تحس هبوطًا وثبوط همة… وأحيانًا ثالثة تحس خفة، ورغبة في البكاء من غير سبب على الإطلاق وتتحسر على نفسها، ويزداد حنقها على الدنيا حين تكتشف أن إحساسها ليس له أساس معقول.
والواقع أن إيرين ليست نسيج وحدها في هذه النوبات. فجميع النساء ينتابهن مثل ذلك، والفرق بينها وبين سائر النساء أنها لم تتعلم كيف تستهلك تلك النوبات في عمل مثمر من الأعمال اليومية المألوفة.
وسلوك إيرين في هذه النوبات شبيه جدًا نموذجية سجلتها التقارير النفسية لجامعة كولومبيا… والمرأة في تلك الحالة النموذجية كانت تشعر بضيق وعداء للناس قبل دورتها الطمثية بيومين أو ثلاثة أيام، وحين تنفرد بنفسها تحس الكآبة ودافعًا للبكاء، فتطفر الدموع إلى عينيها أحيانًا رغم إرادتها..
ودل التحليل النفسي على أن هذه المرأة كانت تشتهي صحبة الناس عندئذٍ. ولكنها تخشى أن تنشدها بسبب ما تحس به، وكان خلاصها من تلك النوبات على يد نفساني حكيم وزوج حنون، تعاونا معًا على خطة عملية فهمت بمقتضاها نفسها، فاشتركت في جمعيات للنشاط والخدمة الاجتماعية تستهلك طاقتها في تلك النوبات الشهرية…
وهذه الحالة النموذجية، التي هي صورة لحالة إيرين حين لجأت إليّ مع زوجها، هي بعينها الحالة التي يمكن أن تعانيها أي فتاة أو امرأة لم تتعلم بعد كيف تسوس نوباتها، فتلك النوبات أساس في التكوين الطبيعي للأنثى… فلا غرابة إذن أن يحدث ذلك لأية امرأة، ولكن بدرجات متفاوتة طبعًا… وهذا التفاوت ربما كان راجعًا إلى تفاوت نشاط الغدد… وكما أن الرجال ليسوا سواسية في حساسيتهم العصبية. أو سرعة غضبهم، كذلك النساء، لسن سواسية في تأثرهن العصبي بدوراتهن الطمثية… وهذه علة تفاوتهن في نوبات الكآبة والضيق.
والآن لعلك تتساءل ماذا بوسعي أن أصنع لتلافي هذه الحالات؟
وليس في نيتي أن أقدم لك رقية سحرية تتلاشى بها نوبات كآبتك وضيقك، بل إني سأبدأ بأن أصارحك بشيء خطير حقًا. وهو أنه في بعض الظروف يستحيل عليك مهما تصنع أن تمحو الكآبة، وتطرد الوجوم والتشاؤم من قلبك المثقل! وفي هذه الحالة يجب أن تتثبت بعزاء واحد، هو عامل الزمن، الذي سيطرد وحده حتمًا تلك الكآبة فالنوبات دائمًا وقتية، وكل وقتي إلى زوال…
إذا كنت امرأة
وسيساعدك- إن كنت امرأة أن تعلمي أن هذه النوبات دورية، وأن بها داعيًا من وظائفك الحيوية الطبيعية… فادرسي تواريخ هذه النوبات، وسيكون بوسعك أن تتوقعي حدوثها في أوانها، فلا تقع منك موقع المفاجأة… ومن خواص البشرية أننا أقدر على احتمال الأعراض التي نعرف أصلها…
ونصيحة أخرى عملية نقدمها لك، وهي ألا تخفي أو تكبتي نوباتك كبتًا تامًا، بل أخبري بها شخصًا تختارينه، فهذا الإفضاء يخفف عنك…
وهناك أشياء معينة في أفعالك وسلوكك يجب أن تقومي بها، وأشياء أخرى يجب ألا تأتي بها، أثناء تلك النوبات، وعليك أنت أن تحددي ذلك لنفسك على ضوء تجربتك الخاصة، وعلى حسب قدراتك، ومواهبك، وأذواقك، وطبيعتك…
وأنا شخصيًا، بما أتيح لي من دراسة حالات نفسية كثيرة أعتقد أن الأوفق عمومًا، في حالات الانقباض، أن تبذلي نشاطًا زائدًا، لا أن يهمد نشاطك وينبغي أن تملأي كل وقتك بذلك النشاط، ولكن بحيث يكون نشاطًا سارًا ممتعًا، وأعني بذلك نشاطًا يجلب لك السرور لمجرد قيامك به، بصرف النظر عن ثمرة تأتي من ورائه سواء مادية أو غير مادية…
وتقول (ماري وارد) مؤلفة رواية (جحر الأفعى) أنها تجد في الكي والأعمال المنزلية الخفيفة سلاحًا رائعًا لمكافحة نوبات الانقباض.
(وساره بلاندنج) عميدة كلية فاسار للبنات تتجه إلى المطبخ فور إحساسها باقتراب النوبة، وتقول أنها تجد ترفيها كبيرًا في الطهو، وتقديم الطعام لعدد كبير من الطاعمين.
وكوكب المسرح والإذاعة (هيلدجارد) تجد الوسيلة المثلى لمقاومة ضيفها الدوري في العكوف على مجموعاتها من النكت والنوادر المستقاة من حياة مشاهير الناس…
ويمكنك أن تسترشدي بهذه الاتجاهات في تخير ما يناسبك من النشاط لعلاج نوباتك الخاصة فهي تتيح تغيرًا كبيرًا يبدد رتابة الحياة المعتادة… وإليك الآن خلاصة مركزة تعينك على مواجهة هذه النوبات:
• تذكري أن نوبات الانقباض وقتية زائلة.
• اذكري أن نوبات الانقباض مرتبطة بالدورة الطمثية.
• اعلمي أن هذه النوبات تحدث لجميع الناس بين حين وآخر.
• اعلمي أنها تحدث غالبًا في دورات منتظمة تقريبًا…
• سجلي تواريخ نوباتك، وتعلمي متى تتوقعين حلولها واشتدادها.
• تحدثي عن نوبات انقباضك إلى المقربين إليك.
• اشغلي نفسك عندما تحسين الضيق.
• اعكفي على هوايتك المفضلة كترياق ضد النوبات.
•املأي وقت فراغك بمهام تحسنين القيام بها…
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق