للدكتور يحيى الخشاب
أستاذ الأدب الفارسي بجامعة القاهرة
تعلمت أن المبدأ والعقيدة يهزمان المال والسلطان
كان ذلك منذ خمس وعشرين سنة، وكنت قد فرغت من دراستي الجامعية وكنت أتردد على (الأستاذ) أقرأ عليه فصولًا من رسالتي للدكتوراه.
وفي ذلك الوقت طلب رئيس الوزراء من (الأستاذ) أن يكتب في جريدة جديدة أصدرتها الحكومة، وبذل الرئيس من المال ما يصعب رفضه، ولكن (الأستاذ) رفض المال واعتذر عن عدم الكتابة في جريدة سياسية وهو عميد الجامعة…
وعاد رئيس الوزراء يلح في الطلب، ويزيد في عرض المال، ويبدي أنه قانع بأن يكتب (الأستاذ) في الأدب، ولكن (الأستاذ) يرفض أن يكتب عن الأدب في جريدة سياسية… ويحس رئيس الوزراء بأن المال ليس ناجعًا في إغراء (الأستاذ) فيهدد بالنقل من الجامعة ولكن الأستاذ لا يعبأ، ويصل الأمر برئيس الوزراء إلى حد أن يفصل (الأستاذ) من الجامعة فصلًا!.
ولاقيته، وتحدثت معه، وعرفت أن (الأستاذ) لا يملك من النقود مدخرًا لمثل الساعة التي يعيشها. ولقي (الأستاذ) من أصدقائه كل ترحيب ليعمل معهم في جرائدهم. واختار أن يستقل بجريدة وحده. وأنى لأستاذ الجامعة الخبرة بإدارة الجرائد! واستدان الأستاذ لينفق على الجريدة الجديدة!.
وكنت ألقاه كل أسبوع في ذلك الحين، كانت الابتسامة لا تغادر شفتيه، وكان الرضا يلازمه، وكان كل ما حوله ينبئ بقوة النفس وغناها. وعاش فترة من الزمن، استمرت أكثر من ثلاث سنوات، كلها جد وكفاح وصبر وقوة، كل هذا لأنه رفض أن يتدخل رئيس الوزراء الجبار في حريته، وآثر كل إساءة لنفسه على الإساءة لفكرة الجامعة!
وحين عاد إلى (الجامعة) طلب إليّ زملائي أن أتحدث في حفل لاستقباله باسمهم فقلت له: (إن دروسك كلها التي أمليتها علينا في الجامعة شيء، وهذا الدرس الذي علمتنا إياه خارج الجامعة شيء آخر!)…
هل عرفت (الأستاذ)؟…. إنه طه حسين!
-نُشر أولًا بموقع حياتك.
لا تعليق