في مقدورك أن تنعم بالشباب طول حياتك

إذا احتفظت بنظرة مضيئة بالأمل

لعل أكثر الناس الذين رأيتهم في حياتي شبابًا تلك السيدة التي تناهز الثامنة والثمانين من عمرها، والتي قابلتها بأحد فنادق مدينة نيويورك.. كانت حجرتها مليئة بالخرائط وكتيبات السياحة التي تناثرت على المقاعد، والمائدة، والمساند.. ولمحت فوق سريرها خريطة لأستراليا، فلما أبديت دهشتي قالت:

– لقد طفت كل مدن أوربا، ولكنني لم أشاهد أستراليا بعد..

إن الفارق بين الشباب والشيخوخة يكمن في تفكيرنا وعاداتنا الذهنية.. فالشباب يتسع دائمًا للأفكار الجديدة، والتجارب المثيرة، بينما (الكبار) يسيرون على نمط (روتيني) رتيب.. الشباب تطلع ودهشة. والشيخوخة استقرار بلا تنويع.. الشباب مرح باسم، وكبر السن وقار هادئ.. الشباب ابتكار وخلق، والعجز تقليد ملول.. الشباب يبحث عن الرفقة والمفاخرة، بينما كبار السن ينشدون الوحدة والهدوء.

إن الشباب كالجمال ليس مجرد ظاهرة سطحية عابرة. ولذلك أقول للنساء اللواتي يبغين إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء بالتردد على عيادات التجميل: لن تجديكن جراحات ترقيع الجلد وإزالة التجاعيد فتيلًا!.

إن عيادات التجميل تغص بطالبات استرجاع الشباب، والعمليات لا تنتهي رغم ما تسببه أحيانًا من أضرار. ذلك أن الآثار التي تتركها العمليات قد تبدو واضحة جلية، فلا تجدي العملية في شيء، وما جدواها إلا في أنها تكسو الوجوه بأقنعة زائفة ذات تعبيرات راكدة تخلو من الحياة..

وحتى إذا ما نجحت العملية، فلا يمضي عام أو عامان تحتفظ فيهما السيدة بتلك السحنة المصنوعة الشبيهة بسحن عرائس الأطفال، ثم تعود الحال إلى ما كانت عليه من قبل، ويقتضي الأمر إجراء عملية أخرى جديدة..

وليس الأمر مقصورًا على النساء فحسب؛ فكما أخبرني أحد أصدقائي من أطباء التجميل، ثمة عدد كبير من الرجال الذين في أواسط العمر يترددون أيضًا على عيادته. وقد يبدو الأمر مقبولًا بالنسبة لفئات معينة من الرجال كممثلي السينما والمسرح الذين تحتم عليهم طبيعة عملهم أن يبدو أكثر شبابًا مما هم. ولكن ما هو عذر الباقين؟ إنه الكبر والتعالي، يمنعهم من الاعتراف بالحقيقة، فيخفونها بالمشدات التي تضغط على كروشهم المنتفخة، ويمتنعون عن استخدام النظارات التي هم أحوج الناس إليها لضعف أبصارهم!.

ترى هل يجديهم هذا التنكر؟! إن التنكر مهما يكن مبلغ نجاحه نوع من المداراة والتصنع. والعجوز الذي يتنكر في وجه شاب وملامح نضرة لن يستطيع أن يخدع أحدًا إلا نفسه. فإن العمر لا يقدر بالمظهر، ولا يتأثر بما يحذفه الفرد من سنوات عمره الحقيقي. ولكن العمر يقدر بالاتجاه العقلي العام.. فقد يكون الشخص.. فقد يكون الشخص لم تشرق عليه شمس الثلاثين بعد ولكنه يعيش في ضباب الخريف، بينما يتمتع نساء ورجال فوق السبعين بالشباب الحق!.

زارني يومًا رجل من رجال الأعمال يناهز الخمسين كان دائم الثورة كأنه بركان متفجر طلب مني المساعدة. وعلمت منه أنه غير موفق في عمله بل هو على شفا الإفلاس. قلت له:

– إنك تعاني من ثورة عصبية ترهق أعصابك وتفسد تفكيرك.. ثم تابعت كلامي:

– وكل ما تحتاج إليه هو أن تعود نفسك على تقبل الأفكار الجديدة وعدم الثورة عليها.. نمِّ في نفسك عادة فحص كل ما يقدم إليك من اقتراحات بصرف النظر عما إذا كنت قد سمعت بها من قبل أو لا، وابحث عما فيها من مزايا بدلًا من أن تبادر برفضها.

واستمع الرجل لنصيحتي.. وقد مر اليوم ما يزيد على عشر سنوات، وأصبح من كبار رجال الأعمال.. وأكثر من هذا، فهو يتمتع بسمعة طيبة بين المساعدين وصغار الموظفين؛ فهو خير من يستمع إليهم، ويقوم بتنفيذ الصالح من آرائهم..

 

وقد يتجلى كبر السن نتيجة للاتجاهات العاطفية الخاطئة.. فهذه سيدة في الثالثة والثلاثين من عمرها جاءت تستشيرني ذات يوم، وكان يبدو واضحًا أنها تنحدر نحو الشيخوخة المبكرة.. قلت لها:

– إن اهتمامك بشئون البيت، وقيامك بطهي ثلاث وجبات يومية، لا يكفيان لإرضاء رغبتك الخلاقة في العمل، وهذا لا يدعو إلى الدهشة فامرأة مثلك لا يجب أبدًا أن تطل على الحياة من بعيد، وإنما يجب أن تنغمس فيها وتحياها..

(أنتِ تحبين العمل مع الناس، فلماذا لا تندمجين في الأعمال العامة، وتشتركين في بعض الأعمال العامة، وتشتركين في بعض الجمعيات؟ إن هذا يملأ عليك فراغك، ويخلصك من الضجر الذي يسيطر على حياتك الآن).

 

وتستطيع، أيها القارئ، أن تحتفظ بشبابك متجددًا على الدوام، إذا استمتعت بالنصائح التالية:

• لا تنظر إلى الوراء أبدًا.. عش في حاضرك، وتطلع إلى مستقبلك، ولكن لا تعش في ماضيك أبدًا..

• احتفظ باهتمامات جديدة دائمًا، فإن للشيخوخة طريقًا واحدًا هو الملالة، والضجر، والفراغ..

• لا تترك رأسك خاويًا. بل اشغل تفكيرك دومًا بتحصيل الجديد والطريف من المعلومات.

• اتخذ لك هواية مسلية خلاقة، فإن ذلك يكفل لك جريان دماء الشباب حارة في قلبك.

• لا تتردد في القيام بمهمة ما بحجة أن سنك لا تمكنك من القيام بها. فما زال أمامك الكثير حتى تصل إلى هذه المرحلة التي تتوقف فيها عن القيام بمهام جديدة.

• اتخذ لنفسك أصدقاء كثيرين، ولا تقصر معرفتك على الأقارب وحدهم. وحاول أن تلتحق بناد أو جمعية لا صلة لها بعملك أو بيتك.

• لا تعش وحيدًا. فالوحدة تقتل التفكير، بيد أن الاحتكاك بالناس يحرك أفكارنا، ويجعلنا نفيد منهم بقدر ما يفيدون منا؛ والطبيعة نفسها شاهد على أن المتزوجين أكثر شبابًا عادة من العزاب.

• اهتم بطعامك كما تهتم بمظهرك. فإن ترهلك يبديك أكبر من سنك، ويعجل دائمًا بأمراض الشيخوخة.

• واحتفظ بروح مرحة حتى تستطيع أن تبدي بين الحين والحين شيئًا من النزق يخرجك من العادات (الطيبة) التي تأخذ نفسك بها!.

إنك لو اتبعت هذه التعليمات فلن تجد سببًا يعوقك عن الاحتفاظ بشباب متجدد. وسواء كنت في الثلاثين أو الخمسين أو حتى في السبعين فسوف تشعر بالشباب يجري في عروقك؛ وستكف عن حساب السنوات التي مضت من عمرك.

-نُشر أولًا بموقع حياتك.

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *